الثلاثاء, أبريل 22, 2025
18 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

إصدارات أسبوعية

د. بشير عصمت ـ لا تبنى الدول تحت القصف… وإسرائيل تريد بقاء السلاح

الحرة بيروت ـ بقلم: الدكتور بشير عصمت، متخصص في التاريخ الاجتماعي

القصف الإسرائيلي لبيروت، في ذروة عطلة عيد الفطر، ليس حادثًا عابرًا ولا ردًا موضعيًا، بل عمل عدائي مدروس. الهدف منه ضرب فكرة الدولة اللبنانية في مهدها. إنه الانتهاك رقم 1380 منذ وقف إطلاق النار، لكنه هذه المرة يحمل رسالة أعنف: لا دولة في لبنان خارج مدى الطائرات الإسرائيلية، ولا سلطة لبنانية تستحق الاحترام، ولا جيش يُسمح له بالانتشار والسيطرة في الجنوب، حتى لو كان ذلك تنفيذاً لقرارات أممية واضحة.

فعلت إسرائيل ما تفعله عادة حين تشعر بأن شيئًا من التوازن قد يتشكل، أو حين تظهر نية لبنانية لتمكين الجيش من الإمساك بأمن حدوده. اختارت لحظة عودة المغتربين، وزحمة المدارس، وعجقة ما قبل العيد، لتضرب ضاحية بيروت – بدلالاتها الرمزية كعاصمة سياسية – بهدف زرع الخوف، لا في صفوف “الخصم”، بل في وعي اللبنانيين جميعًا بأن لا ملجأ لهم من العدوان، وأن قيام الدولة مشروع مرفوض، تمامًا كما أن ضبط السلاح أو تسليمه للجيش مرفوض أيضًا.

إسرائيل تدّعي أنها تستهدف “سلاحًا خارج الدولة”، بينما في الواقع، هي لا تريد لهذا السلاح أن يُنزع، بل تريده أن يبقى حيث هو، ذريعة جاهزة لاستباحة لبنان كلما شاءت. فلو كانت جدية فعلًا في نزع السلاح، لكانت بدأت باحترام الحدود والسيادة ووقف العدوان، لا بترسيخ البيئة التي تجعل من أي حديث عن التسليم أو الدمج مجرد عبث سياسي. السلاح باقٍ، ما دامت الطائرات تحلق فوق رؤوسنا، وما دام الجيش محاصرًا بالإرادات الدولية  المناصرة للعدوان والرسائل النارية من الجو.

العدوان لا يضعف من يُستهدف به فقط، بل يُضعف منطق الدولة، منطق المؤسّسات، منطق الثقة. وكلما اشتدت الغارات، كلما ازداد من يعتبر أن لا بديل عن الاحتفاظ بالسلاح لأن العدو لا يقدّم أي بديل. وهنا المفارقة الكبرى: من يدّعي أنه بعدوانه يريد نزع السلاح، هو في الواقع من يؤمن بوجوده، ويعمل على ديمومته، ويمنع الظروف التي قد تؤدي فعليًا إلى تجاوزه.

وهكذا، تُعيد إسرائيل إنتاج المعضلة ذاتها: تضرب لبنان، فتتعزز حجة بقاء السلاح. يُطالب الداخل بترسيخ سلطة الجيش، فتقصف الجنوب لتمنع انتشاره. يُفتح باب الحوار، فترسل الطائرات لتغلقه. هي لا تبحث عن مواجهة حقيقية، وإلا لما تهربت من التمدد البري، ولما احتمت دومًا بسلاح الجو والتدمير العشوائي الحاقد واللا أخلاقي. إسرائيل، ببساطة، لا تريد إنهاء الحرب. بل تريد إدارة حرب دائمة منخفضة الوتيرة، تُبقي لبنان رهينة سلاحها، ورهينة عدوانها.

الهدف ليس حزب الله وحده. الهدف هو لبنان كنموذج بديل: بلد ديمقراطي متنوع، قابل للإصلاح والاندماج في محيطه العربي والدولي. وجود لبنان مستقر اقتصاديًا وسياسيًا يشكل تهديدًا لمشروع إسرائيل العنصري القائم على تفتيت المشرق إلى دويلات أمنية مذهبية متناحرة. ولهذا، فكل مشروع إصلاحي لبناني، من خطة تعافٍ إلى تنظيم مالي إلى توزيع عادل للخسائر، يُقابَل بقصف. ليس لأن هناك صاروخًا طائشًا أطلق من الجنوب، بل لأن إسرائيل لا تطيق فكرة أن يعود لبنان إلى الحياة.

إذا كانت إسرائيل تملك من الجرأة ما يخولها التلويح بنزع سلاح الآخرين، فلتدخل بريًا وتخوض المواجهة وجها لوجه. فالصواريخ من الجو لا تنتصر، ولا تُبني دولًا، ولا ترسم حدودًا. وإذا كانت تتقن سياسة الضرب والهروب، فعليها أن تعرف أن التدمير من بعيد لا يُسقط عزائم الشعوب، بل يُسقط شرعية المعتدي.

أما بالنسبة لشعبنا، فالتحدي لا يكمن فقط في حصرية السلاح ، بل في الدفاع عن الدولة كفكرة. الدولة التي نريدها ليست رهينة المعادلات الدولية ولا معادلات السلاح، بل مبنية على الجيش والشعب والقانون. ولن تُبنى طالما العدو هو من يحدّد مساراتها عبر الطيران والدمار. فلا الدولة تستطيع النهوض، في ظل هذا الواقع العدواني المتكرر.

لقد آن الأوان لأن نُدرك أن بناء الدولة يحتاج إلى أرض صلبة، لا ساحة مستباحة. وأن من يريد دولة قوية، لا يقبل بتكرار خرق السيادة 1380 مرة من دون ردّ، ولا يقبل بأن تبقى الجنوب منطقة نزاع مفتوح كلما أرادت إسرائيل تذكيرنا بأن لا وطن لدينا.

إسرائيل لا تريد نزع السلاح. إنها تريد الاحتفاظ به خارج الدولة. لا تريد الجيش اللبناني في الجنوب. تنتظر لحظة إقليمية أكثر كارثية لفرض تسوية تُجهز على ما تبقى من السيادة. وكل تأخير في تشكيل موقف لبناني وطني جامع، يجعل منها المنتصر الوحيد في معركة لا تريد لها أن تنتهي.

https://hura7.com/?p=48011

الأكثر قراءة