السبت, يناير 18, 2025
-0.5 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

د. بشير عصمت ـ لبنان الجديد في خضم التحولات الإقليمية: إنتخابات الرئاسة وتحديات الجوار

الحرة بيروت ـ بقلم: الدكتور بشير عصمت، متخصص في التاريخ الاجتماعي

لبنان غدًا على موعد مع استحقاق مصيري يتمثل في انتخابات رئيس الجمهورية. هذا الحدث الذي  طال أمد انتظاره، يبدو في ظاهره محطة روتينية إجرائية في العمل السياسي، ويتزامن مع تحولات داخلية وإقليمية كبرى تزيد من تعقيد المشهد اللبناني من الأزمات الداخلية إلى التأثيرات الإقليمية خصوصًا الوضع في سوريا والعدوان الإسرائيلي، كما يبرز دور القيادة المرتقبة في مواجهة هذه التحديات واستعادة الثقة بمستقبل البلاد.

الانتخابات الرئاسية: بين الضرورة والاختيار

ترشيح قائد الجيش بحد ذاته يطرح كخيار ضروري أكثر منه ترفًا. فهو رأس أكبر مؤسسة وطنية، غير طائفية نسبيًا، وهي واحدة من المؤسسات القليلة التي لا تزال تحافظ على استقلاليتها وسط انهيار الدولة اللبنانية. جوزيف عون الجيد السمعة أثبت خلال مسيرته العسكرية التزامه بالقرارات السياسية دون تملق لأي طرف، بل أظهر شجاعة في مواجهة الضغوط، كما حدث عندما تمرّد على وزير الدفاع المحسوب على جبران باسيل وعلى الرئيس ميشال عون.

لكن هذا الترشيح لا يخلو من الانتقادات، ومنها:

  1. التدخل الخارجي: ينسب ترشيح جوزيف عون إلى قوى خارجية و بأنه مدعوم من دول كبرى. لا يمكن النظر إلى التدخل الخارجي على أنه من حسنات الأم تيريزا ولكن، في ظل قصور الطبقة السياسية اللبنانية، يبدو هذا التدخل نتيجة وليس سببًا. هو نتيجة عجز الطبقة السياسية عن إعادة نفسها فكانت القابلة حاجة كالمعتاد، ولا جديد في الموضوع.
  2. مخالفة الدستور: يؤخذ على انتخاب قائد الجيش مخالفة الدستور حيث أن انتخابه يتطلب تعديلًا دستوريًا. و لكن كل صاحب عين رائية يرى أن الدستور مُعطّل منذ الطائف، يجري السكوت عن تعطيل دام 35 سنة وندعو إلى التمسك بالدستور حين تكون الضرورة ملحة لتعديله. هنا أرى أنه لا بد من العمل بقاعدة الظروف الاستثنائية التي تتطلب تدابير استثنائية. فلو كان معمولًا بالدستور منذ إقراره، ربما لم نكن بحاجة الى كل هذه التدخلات والنقاشات ولا إلى هذا الترشيح.
  3. التخوف من تكريس الحكم العسكري: هناك خشية من أن يصبح انتخاب قادة الجيش للرئاسة تقليدًا. لكن في ظل انهيار مؤسسات الدولة، قد يكون الجيش المؤسسة الوحيدة التي تمتلك القدرات البشرية والفنية والقادرة على إحداث تغيير فعلي. ولكن كل ما يجري هو استعانة مؤقتة بقائد المؤسسة وليس في الأمر أي انقلاب عسكري. على أمل أن يكون المدنيون قادرين على إدارة الحكم لاحقًا دون الخارج ودون الاستعانة بالجيش.

إن عدم انتخاب العماد قائد الجيش من قبل النواب للأسباب الآنفة أمر مفهوم وهو موقف لا بدّ من احترامه، ولكنه ينمّ عن اختلاف بتقدير الموقف لا بالخصومة.

تأثير الوضع السوري على الداخل اللبناني

لا يمكن فصل الوضع اللبناني عن التأثيرات الإقليمية خاصة مع الحديث والاتجاه لشرق أوسط جديد. لذا لا بدّ من إجراءات تمنع تمدد آثار التحولات إلى لبنان، وأبرزها الوضع في سوريا. فالنظام السوري الجديد، الذي لم يستقر بعد، يواجه تحديات كبرى، من بينها الصراعات المحتملة مع الأكراد، العلويين، والدروز. هذه المواجهات قد تمتد بتأثيراتها إلى الداخل اللبناني، مما يستوجب ضبط هذا التأثير لمنع انعكاساته السلبية على الساحة اللبنانية.

إلى جانب ذلك، تشكل القيود السورية على دخول اللبنانيين، التي تقتصر حاليًا على أصحاب الإقامة في سوريا، عاملًا إضافيًا يعقّد العلاقة بين البلدين. كما أن التسلل الإسرائيلي في منطقة حرمون واقترابه من طريق بيروت – دمشق يمثل تحديًا أمنيًا كبيرًا يستوجب الحذر والعمل الدبلوماسي والأمني لصد هذا التهديد.

العدوان الإسرائيلي المستمر

رغم اتفاق وقف إطلاق النار، لا يزال العدوان الإسرائيلي مستمرًا في جرف القرى والمنازل جنوب لبنان. ومع قرب انتهاء مدة الاتفاق، تُعدّ استعادة السيادة الكاملة ومنع تمدد هذا العدوان أولوية قصوى للحفاظ على وحدة البلاد وأمنها.

الأزمات الداخلية اللبنانية

إضافة إلى الأزمات الإقليمية التي لا يمكن فصلها عن الوضع الداخلي المعقّد فإن لبنان بحاجة إلى إعادة بناء الدولة واستعادة ثقة المواطنين. وأولها تطبيق اتفاق الطائف ما يعني  تطبيق الدستور بكامل بنوده وإصلاح القضاء ليصبح مستقلًا، ومكافحة الفساد بشكل جذري، ومعالجة الملفات الحياتية الأساسية مثل الصحة، التعليم، الغذاء، البيئة والمصارف. قضية الودائع المصرفية، التي تمثل جرحًا مفتوحًا للمواطنين، تحتاج إلى حلول شجاعة تعيد حقوقهم وتضع حدًا للتلاعب المالي.

ربما كانت فرصة 

رغم كل التحديات، لا يزال الأمل كبيرًا. فالانتخابات الرئاسية تمثل فرصة لإعادة بناء الدولة، شريطة أن تأتي القيادة الجديدة بفريق شاب وكفوء قادر على اتخاذ قرارات جريئة بعيدة عن المحاصصة السياسية. لبنان اليوم لا يملك رفاهية الاختيار، بل عليه اتخاذ قرارات حاسمة لإحداث تغيير حقيقي.

فلبنان في خضم معركة للبقاء والاستقرار. من مواجهة التأثيرات الإقليمية إلى صد العدوان الإسرائيلي، ومن إعادة بناء الدولة إلى تعزيز الثقة بالمؤسسات، كل ذلك يتطلب قيادة حكيمة وشجاعة قادرة على تجاوز هذه الأزمات وعلى استقطاب دعم شعبي من كل الأوساط الشعبية في ورشة إعادة بناء دولة ديمقراطية منصفة لا طائفية، منحازة إلى المصالح الوطنية والمصالح الشعبية، دولة قادرة حرة وسيدة. إن الأمل الكبير في تغيير المسار الحالي يجب أن يترجم إلى أفعال ملموسة، لأن اللبنانيين يستحقون وطنًا قادرًا على مواجهة التحديات وبناء مستقبل أفضل.

إن إعادة إنتاج نفس السلطة بنفس الرموز الطائفية سيعيد إنتاج نفس الأزمات في السياسة والاقتصاد وفي الكيان، ولن تتمكن هكذا سلطة من مواجهة زمهرير الداخل والمحيط القريب والأبعد.

إذا كانت العبرة في النتائج إلا أن الخطوات الأولى وبرنامج الحكم والخطاب الرئاسي والالتزام الصارم بالتطبيق كلها إشارات نرجو أن تكون نحو مستقبل واعد لنا ولأبنائنا من بعدنا.

هل يمكن للعماد جوزيف عون أن يكون الرئيس فؤاد شهاب الثاني باني وطنية لبنانية جديدة منفتحة منارة للثقافة وللعروبة الحضارية يفخر بها كل من يحمل هويتها؟

https://hura7.com/?p=41280

الأكثر قراءة