الثلاثاء, أبريل 29, 2025
21.2 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

إصدارات أسبوعية

د. بشير عصمت ـ لبنان بين عودة الحريري وتحديات التغيير: إختبار الإرادة في زمن التحولات

الحرة بيروت ـ بقلم الدكتور بشير عصمت، متخصص في التاريخ الاجتماعي

  • “السياسة فن الممكن، لكن الإرادة تصنع المستحيل”
  • “خطاب القسم للرئيس جوزيف عون وبيان الرئيس نواف سلام. هذا أملنا أن يتحقّق. قرارنا أن ندعم هذه الفرصة، ونرفض ثم نرفض أي محاولة للالتفاف عليها”

تشهد الساحة السياسية اللبنانية عودة سعد الحريري إلى المسرح السياسي، وما تحمله هذه العودة من تأثيرات على المعادلة السياسية الراهنة. فعودة زعيم تيار المستقبل ليست مجرد حدث عابر، بل هي اختبار جديد لتوازنات القوى وإعادة ترتيب التحالفات، وسط عهد يسعى إلى التأسيس لمنطق جديد في الحكم، يعتمد على شرعية الإنجاز ورغبة جامحة في استعادة الوطن كدولة طبيعية.

إن تحريك تيار المستقبل بعد خمود طويل قد يكون حدثًا ذي أثرين على حكومة نواف سلام. فمن جهة، قد يشكل دعمًا سياسيًا لها إذا ما قرر الحريري إعادة التموضع الوطني تحت عنوان الحفاظ على الاستقرار والمصلحة العامة، وهذا ما جاء في خطابه أمس. ولكن، من جهة أخرى، فإن استعادة تيار المستقبل لدوره كرافعة وازنة قد تحرّك اصطفافات سياسية تقليدية، تضع الحكومة في مواجهة تحدي التوازن بين قوى الماضي ورغبات التغيير.

لا شك أن العهد الحالي لا يمتلك حاضنة سياسية محلية صلبة. فالحماس الشعبي الذي أظهره الناس تجاه تجربة نواف سلام، رغم صدقه، لا يكفي وحده لتحصين الحكومة. فالإعجاب لا يبني دولة، بل يحتاج إلى قوى داعمة قادرة على تحويل شرعية الإنجاز إلى شرعية سياسية مستدامة. إن منطق الحكم الجديد، القائم على الكفاءة والمساءلة، يتطلب أكثر من جمهور متفرج؛ بل يحتاج إلى قاعدة سياسية صلبة تدافع عنه وتخوض معاركه وتصوّب البوصلة في حال انحرافها، وهذا أمر أكثر من وارد. وهو ما لم يخطئ في حسن تموضعه وفي نقده لذاته وللآخرين من أقرانه ومن التف حوله منتهزًا.

في هذا المشهد، تبرز علامات استفهام حول قوى التغيير التي حملت شعلة الأمل منذ انتفاضة تشرين. هل أنهكتها الانقسامات وتاهت في مسارات فرعية؟ أم أن أمامها فرصة لإعادة التموضع عبر نبذ الأنانيات وتوحيد الرؤية نحو برنامج حكم طموح يتجاوز الذوبان بعيد إنجاز إيصال نواف سلام إلى رئاسة الحكومة أو فكرة وصول حكومة إلى تحقيق مشروع سياسي واقتصادي يعيد بناء لبنان لبنةً لبنة؟ إن قوى التغيير مع مراقبتها لأداء الحكومة الحالية عليها الوثوق من متانة خطوات الإصلاح والبرنامج الاقتصادي والاجتماعي العصري والسياسي والبيئي والثقافي الذي لا ينضب. المهمة لم تنتهِ، والاستحقاقات قريبة، وقوى التقليد لا تزال حاضرة بقوة، وكذلك احتمال الردة وضمور قوى التغيير. لذا عليها منذ اللحظة الأولى عدم اعتبار نفسها متفرجة أو حزبًا حاكمًا، بل الاستمرار في الضغط الجذري لمنع استبدال الوجوه دون تغيير النهج المتخلف القائم. إن الانتخابات البلدية والنيابية المقبلة هي المحك الحقيقي، حيث يمكن لقوى التغيير أن تثبت أنها أكثر من مجرد موجة غضب، بل تيار قادر على انتزاع مواقع سلطة تبني من خلالها نموذجًا بديلاً أكثر تقدمًا ووعيًا.

إن الوقت لم يحن بعد لإعلان نهاية دور قوى التغيير، لكنها لن تنجو من اختبار المرحلة المقبلة إلا إذا أبدعت في العمل السياسي كما أبدعت في الاحتجاج وتجاوزت الأنانيات. وإذا كان هناك من سبيل لاستكمال ما بدأ في الشارع، فهو بالعبور إلى المؤسسات، والفوز بمقاعد البلديات والنيابة على قاعدة مشروع تحرري وطني، لا مجرد معارضة بلا مضمون أو كيدية. لا شك أن قوى الفساد تتربص بكل إصلاح، من مجلس الوزراء إلى التحريض الطائفي، ويكفي ذلك لفهم الدور والموقع الذي على قوى التغيير أن تملأه.

أما جمهور المقاومة، الذي وجد نفسه في مواجهة القوى الأمنية على طرقات بيروت والمطار، فإنه كان عليه أن يدرك أن المعركة ليست هنا، وأن صراخه يجب أن يكون باتجاه من وقّع صك الإذعان الذي أوقف الحرب وكرّس الخسارة بموافقة قيادته. إن اللبنانيين جميعًا يتطلعون إلى مطار بيروت الدولي كبوابة للعالم، ويرغبون في أن يكون متاحًا لكل طيران صديق. لكن تحويل الغضب إلى الداخل ليس إلا ضربًا للذات. لقد خسر الجميع تلك الحرب، ويدفع الجميع ثمنها، فلماذا يصر البعض على تقسيم الخسارة بين أبناء البيت الواحد؟ تمامًا كقضية المودعين: ثمة من سطا، وثمة من خسر، وهنا ثمة من قاد البلاد إلى الهزيمة، والمواطنون العاديون هم أنفسهم من يدفعون الأثمان. لكن الخشية تبقى من أن إثارة هذه المسألة اليوم، رغم معرفتها منذ زمن، تهدف إلى التأثير على التصويت بالثقة للحكومة وإضعاف إجراءاتها.

إن لبنان أمام إعادة خلط للأوراق. فعودة الحريري، التي بدأت تباشيرها أمس، ستكون حجرًا في مياه السياسة الراكدة. لكنها لن تكون قدرًا محتومًا في بعثرة الأوراق السياسية، بل عاملًا في معادلة لا تزال مفتوحة على احتمالات متعددة. ما سيحدد الاتجاه هو قدرة قوى التغيير على تجاوز ذاتها، وقدرة الحكومة على تحويل التعاطف إلى قاعدة صلبة، وقدرة المقاومة على قراءة الواقع بعين الداخل قبل الخارج.

الأيام المقبلة ستحمل الإجابة، لكنها لن تحملها وحدها. فالسياسة في لبنان ليست قدرًا، بل فعل إرادة. ومن يمتلك الإرادة، يمتلك الغد.

https://hura7.com/?p=44597

 

الأكثر قراءة