الأربعاء, مايو 14, 2025
12.1 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

إصدارات أسبوعية

شرق دونباس إلى برلين الغربية؟

الحرة بيروت

بقلم: د. خالد العزّي ـ لقد بات واضحاً بأن الصراع في شرق أوكرانيا يتطلب اتّباع نهج وحلول غير تقليدية في التعاطي مع حلّ الأزمة الحالية من قِبل المجتمع الدولي لإنهاء الحرب الدموية بين روسيا وأوكرانيا .

وفي وقت سابق، اقترح الجنرال والسياسي الجمهوري، جوزيف كيثكيلوغ، المبعوث الخاص للرئيس دونالد ترامب إلى روسيا وأوكرانيا، تقاسُم كامل أراضي أوكرانيا بين الأطراف المهتمة “على غرار نموذج برلين الغربية”.

ليس للمقترح المقدّم أية آفاق. إذ ينص على إدخال قوات أوروبية وأميركية وروسيّة (موجودة بالفعل هناك) إلى مناطق مختلفة من أوكرانيا. ومن الواضح أن أوكرانيا نفسها، التي تحاول الحفاظ على سيادتها، وأوروبا، التي تدافع عن هذه السيادة على أي حال، لن توافق على هذه “الخطوة الجريئة” في المستقبل القريب.

لكن هذه الفكرة، بما يتعلق بأوكرانيا، هي ما يقلق القيادة الأوكرانية بأكملها. وهنا، الفكرة التي تدور حول دونباس معقولة لهم. إذ من المناسب أن نتذكر ما كانت عليه برلين الغربية في العقود التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، وما هي المكانة التي كانت تتمتع بها. وكما هو الحال اليوم، كانت خطط المنتصرين في سنوات ما بعد الحرب لمستقبل العاصمة الألمانية مختلفة جذرياً (وبشكل مبرر تماماً). إذ لم يكن من الممكن للنماذج الاقتصادية المتعارضة أن تتواجد تحت سقف واحد، مما أدى في نهاية المطاف إلى تقسيم المدينة بواسطة جدار.

في المقابل، أعلن المبعوث الخاص للرئيس ترامب إلى أوكرانيا، أن ممثلي الولايات المتحدة وأوكرانيا والدول الأوروبية سيجتمعون في لندن الأسبوع المقبل لتثبيت الهدنة التي أعلنتها روسيا من طرف واحد بمناسبة عيد الفصح، بعد أن فشلت في تحقيق انتصارات عسكرية جديدة شهدتها المدن الأوكرانية المتاخمة للتواجد الروسي في شرق أوكرانيا (خاركيف وسومي ودنيبرو بتروفسك). كما علّق على تصريح وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، بأن واشنطن قد تتخلى عن محاولاتها للتوسط في الأزمة في أوكرانيا إذا لم يتمّ تحقيق تقدّم قريباً.

يبدو الوضع في دونباس مشابهاً إلى حدّ ما. حيث تظل الكراهية المتبادلة بين الجانبين واضحة، كما يأس كل منهما من تنفيذ خططه للسيطرة على هذه المنطقة. نعم، وبشكل عام، فإن الطريق المسدود الذي وصلت إليه محاولات حلّ الصراع بين روسيا وأوكرانيا بالقوة واضح. ورغم عدم وجود شيء رئيسي هنا ــ الاستعداد للتنازل عن القضية الإقليمية حتى في حالة التوصل إلى هدنة سلمية، وهو أمر قيّم بالتأكيد باعتباره سابقة ــ فلن يكون هناك أي ضغط في النهاية. ويعتبر كل جانب الأراضي المتنازع عليها ملكاً له، وهو ما يعني أن سكانها يواجهون مصير المنفيين الدائمين أو “شعوب الظل” على غرار شمال قبرص أو الصحراء الغربية.

السؤال الطبيعي الذي يطرح نفسه هنا هو: هل سيستمر أي مخرج من حيث المبدأ أو “معركة غير متوافقة” حتى آخر مشارك حي؟ كما هو معروف، حتى في أشدّ المواقف خطورة، يظل الأمل الأخير هو الإيمان بالعبقرية البشرية. وقد تجلّى ذلك في مجال السياسة العالمية. أو يحصل العكس تماماً في أن تخرج الولايات المتحدة من عملية التفاوض الروسي – الأوكراني بعد أن خاب ظنها من الرئيس فلاديمير بوتين الذي لم يلتزم بالهدنة لمدة شهر لإيقاف الحرب كخطوة أولى للبحث في إنهاء الحرب .

لا شيء غير العامل أعلاه يمكن أن يفسّر الخروج من المأزق المذكور في برلين في العقود التي أعقبت الحرب العالمية الثانية. فقد تمّ التوصل إلى قرار غير قياسي بالتعاون مع محامين محترفين. وكانت النتيجة تحديد الوضع القانوني الدولي لبرلين الغربية. ولم تحصل المنطقة على صفة الدولة ولا المدينة الحرة ـ أي “الوحش غير المسبوق” بموجب القانون الدولي. وبدأت تحمل صفة رسمية معترف بها من الجمعية العامة للأمم المتحدة باعتبارها “تعليماً حكومياً فريداً من نوعه، نتيجة للحرب العالمية الثانية”.

سمح ذلك الوضع للمدينة بأن لا تكون جزءاً من جمهورية ألمانيا الديمقراطية ولا جزءاً من ألمانيا الاتحادية، بل أن يكون لها “وضعها الفريد” كحقيقة واقعة في العلاقات الدولية العالمية. ومن الممكن ضمان شيء مماثل بالنسبة للأراضي المتنازع عليها في شرق أوكرانيا. كما يمكن أن تحظى المنطقة نفسها بوضع “دولة تعليمية فريدة من نوعها، نتيجة للحرب العالمية الثالثة الفاشلة”.

من المؤكد أنّ الخطة ليست مثالية، فهناك الكثير من الأمور المثيرة للجدل والتي يصعب حلّها. لكن هذا العالم “السيء” وغير المكتمل بشكل واضح لا يزال أفضل بكثير من المواجهة “الأخوية” وخاصة بعد حرب عالمية. هل هناك أكثر مما يستحق كل هذا؟ هذا ما يعتقده أولئك الذين اختاروا بوعي طريق “التوازن على الهاوية”.

رابط المقال: https://hura7.com/?p=50654

رابط العدد: https://hura7.com/?p=50468

الأكثر قراءة