الجمعة, فبراير 14, 2025
0.4 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

د. عبده جميل غصوب ـ المبادئ المقررة في القرار رقم 1/2025 تاريخ 2/1/2025 الصادر عن المجلس الدستوري

abdo ghossoub
abdo ghossoub

الحرة بيروت ـ بقلم: الدكتور عبده جميل غصوب، دكتور في الحقوق، بروفسور لدى كليات الحقوق، محام بالاستئناف، مستشار قانوني في الإمارات العربية المتحدة ـ دبي، وخبير قانوني دولي معتمد لدى عدة منظمات قانونية دولية.

كما في كل مرة، كرّس المجلس الدستوري عدة مبادىء دستورية في معرض قراره رقم 1/2025، تاريخ 2/1/2025، بعضها قديم وبعضها الآخر جديد، سنأتي على ذكرها تباعاً.

المبدأ الأول: صلاحية المجلس الدستوري تشمل الرقابة الخارجية على القانون

إن رقابة المجلس الدستوري، على أي نص تشريعي يطعن به أمامه، لا تقتصر على النظر في مدى انطباق مضمون ذلك النص على الدستور، إنما تتعداه إلى النظر في عيوب عدم الدستورية التي قد تشوب أصول التشريع المنصوص عنها في الدستور أو في القواعد العامة الواردة في مقدمته أو في متنه، وهو ما يعرف بالرقابة الخارجية على القوانين.

المبدأ الثاني: مخالفة قاعدة التصويت على القوانين بالمناداة يبطل التصديق (المادة 36 من الدستور)

نصّت المادة 36 من الدستور أن التصويت على القوانين يكون “دائماً” بالمناداة على الأعضاء بأسمائهم وبصوت عالٍ. هذه القاعدة تشكّل صيغة شكلية جوهرية لا تقبل الاستثناء لذكر تعبير”دائماً”  في النص الدستوري الواردة فيه.

إن إهمال هذه القاعدة الجوهرية في التصويت أو مخالفتها يؤدي إلى اعتبار التصويت باطلاً، وينسحب هذا البطلان على القانون الذي يصبح مستوجب الإبطال في حال الطعن به أصولاً.

المبدأ الثالث: عدم جواز إصدار القانون ونشره خلافاً لصيغته الحرفية التي أقرها مجلس النواب (المادة 51 من الدستور)

يستفاد من أحكام المادة 51 من الدستور أنها تحظر إصدار القانون ونشره خلافاً لصيغته الحرفية التي أقرها مجلس النواب سواء من خلال الزيادة على تلك الصيغة أو الإنقاص منها أو تعديلها بأي شكل من الأشكال.

تبيّن للمجلس الدستوري، بالعودة إلى محضر جلسة مناقشة القانون في الهيئة العامة لمجلس النواب ومقارنته بالتسجيل الصوتي للجلسة، أن اقتراح القانون الذي تُلي على الهيئة العامة، قبل التصويت، لم تتم مناقشته بالصيغة التي تُلي بها ولا بصيغته النهائية التي تم نشرها في الجريدة الرسمية، فضلاً عن أن هاتين الصيغتين تختلفان أيضاً في ما بينهما.

المبدأ الرابع: عدم جواز مخالفة مبدأ وضوح المناقشات البرلمانية ذات القيمة الدستورية النابع من مبدأ السيادة الشعبية

أعطى المجلس الدستوري لمبدأ المناقشات البرلمانية قيمة دستورية، واعتبر أن التصويت على التمديد لمدة ستة أشهر لبعض القضاة تمّ وسط “ضجيج عارم” حيث سُمعت أصوات تسأل عن مصير القانون وتطالب بنتيجة التصويت بالمناداة، كما طالب بعض النواب بتدوين اعتراضهم في المحضر ولم يتم إضافة طلبهم. وتبيّن أن عدد النواب الذين نودي عليهم لا يتعدى الاثني عشر نائباً، الذين لم يصوّتوا بالموافقة بل تقدّموا بمراجعة ضد القانون.

اعتبر المجلس الدستوري أن إقرار القانون، في هذه الحالة، يكون مخالفاً لأصول التشريع المنصوص عنها في المواد 18 و34 و36 و51 من الدستور وللمبادىء والقواعد التي يرتكز عليها النظام الديمقراطي البرلماني في لبنان، لا سيما تلك المنصوص عنها في الفقرتين (ج) و (د) من مقدمة الدستور ولمبدأ وضوح المناقشات البرلمانية ذي القيمة الدستورية.

المبدأ الخامس: استطلاع رأي مجلس القضاء الأعلى في عملية التشريع، عندما يتعلق النص بتنظيم شؤون القضاء هو ذات قيمة دستورية

اعتبر المجلس الدستوري أن استطلاع رأي مجلس القضاء الأعلى في عملية التشريع، عندما يتعلق النص بتنظيم شؤون القضاء والقضاة، هو تكريس لمبدأ استقلالية السلطة القضائية ذات القيمة الدستورية، والذي يمثل أحد انعكاسات مبدأ فصل السلطات المنصوص عنه في الفقرة (هـ) من مقدمة الدستور.

وإن الاستطلاع المشار إليه ليس مجرد صيغة شكلية نص عنها القانون، بل هو صيغة جوهرية formalité substantielle تكرّس إحدى الضمانات القضائية المنصوص عنها في المادة 20 من الدستور.

إن الصيغة الجوهرية المذكورة تقتصر على مجرد استطلاع رأي الهيئات المذكورة في مشاريع القوانين والأنظمة المتعلقة بالقضاء، بل هي تكريس للضمانة القضائية المنصوص عنها في المادة 20 من الدستور وأيضاً لمبدأ استقلال السلطات الدستورية وتعاونها، المنصوص عنه في الفقــرة (هـ) من الدستور.

وخلص المجلس إلى “أن إقرار القانون المطعون فيه الذي تضمن تعديلات في قانون القضاء العدلي في ما يختص بتأليف وولاية مجلس القضاء الأعلى وتعديل سن التقاعد لبعض القضاة، دون استطلاع رأي مجلس القضاء، يكون مخالفاً للدستور ومستوجب الإبطال لهذه الناحية”.

المبدأ السادس: عدم إرفاق القانون بأسباب موجبة لا يشكل مخالفة للدستور

تنص المادة 6 من قانون الحق في الوصول إلى المعلومات رقم 28/2017 على أنه: “تنشر الأسباب الموجبة مع القوانين والمراسيم على مختلف أنواعها في الجريدة الرسمية، وذلك بواسطة الجهة المناط بها صلاحية النشر أو صلاحية الإصدار”.

ولكن، قرر المجلس الدستوري “أنه إذا كانت الأسباب الموجبة للقانون تكتسي أهمية بالغة في عملية التشريع كونها تنير النواب عند التصويت عليه، كما تسهل عملية تفسيره من قبل المعنيين بتطبيقه إذ تكشف بطريقة بسيطة وموجزة أسباب اقتراح النص والمبادىء التي ينطلق منها والأهداف التي يحددها والتعديلات التي يجريها على القانون النافذ، فيشكّل إرفاقها بالقانون الذي تمّ التصديق عليه ونشرها معه في الجريدة الرسمية، موجباً قانونياً على المشترع التقيد به؛ غير أن غيابها لا يشكل سبباً دستوريا لإبطال القانون المطعون فيه، إذ إنها لا تتمتع بالقيمة القانونية valeur juridique خلافاً لأحكام القانون الذي ترافقه، والتي تخضع لرقابة المجلس، وحيث أن عدم إرفاق الفقرتين الثانية والثالثة من القانون بأسباب موجبة لا يشكل مخالفة للدستور”.

فقد اعتبر المجلس الدستوري أن الأسباب الموجبة لا تتمتع “بالقيمة القانونية”، وبحجة أولى لا تتمتع بالقيمة الدستورية المبررة لتدخل المجلس، بل إن دورها مقتصر على عملية فهم القانون وتفسيره. وهي تشكل “موجباً قانونياً”، على المشترع التقيد به. ولكنها لا تتمتع بالقيمة القانونية؛ فالقانون الذي ترافقه يتمتع وحده بهذه القيمة.

وهذا يعني أنها تتمتع “بقيمة علمية” تساعد على تفسير القانون، بدون أن ترتقي هذه القيمة العلمية إلى “القيمة القانونية”، وبحجة أولى لا تتمتع “بقيمة دستورية” تبرر تدخل المجلس الدستوري.

المبدأ السابع: عدم جواز مخالفة مبدأ شمولية القانون وتجرده

نص البند ثالثاً من القانون المطعون فيه على تأخير سن تقاعد القضاة الذين يبلغون سن التقاعد في الفترة الممتدة من 15/3/2025 إلى 15/5/2026 ـ والذين يتطلب تعيينهم في مراكزهم مرسوماً يتخذ في مجلس الوزراء ـ لمدة ستة أشهر من تاريخ تقاعدهم.

قرر المجلس الدستوري أن “هذا البند يؤدي إلى إفادة قضاة محددين وإقصاء آخرين مثال الذين يعينون أيضاً في مراكزهم بمراسيم وتنهي خدمتهم ببلوغهم السن القانونية في الفترة الممتدة بين تاريخ نفاذ القانون وتاريخ 15/3/2025، أو الذين لا يتطلب تعيينهم في مراكزهم مرسوماً يتخذ في مجلس الوزراء، علماً أن هذا التمييز بين القضاة لا يستند إلى أي مبرر تقتضيه المصلحة العامة واستمرارية المرفق القضائي، لا سيما وأنه يمكن تفادي الفراغ عند تقاعد أي من القضاة المعينين بالقانون المطعون فيه بحلول القاضي الأعلى مرتبة في المحكمة أو النيابة العامة محله إلى حين تعيين بديل عنه، هذا فضلاً عن إمكانية تكليف أحد القضاة القيام بمهام قضائية في أي من المراكز الشاغرة منعاً لفراغها”.

وانتهى المجلس الدستوري إلى أن القانون بالصيغة التي أقرّ بها، يشكل انتهاكاً لمبدأ المساواة المكرّس في المادة 7 من الدستور والفقرة (ج) من مقدمته ولمبدأ المساواة في تولي الوظائف العامة، المكرس في المادة 12 من الدستور.

واستعاد المجلس الدستوري موقفه السابق في قرارات سابقة مفادها أن القانون يجب أن يكون واحداً لكل المواطنين، أو واحداً لجميع المنتمين منهم إلى أوضاع قانونية متشابهة. ولا يجوز اعتماد قانون مفصّل على قياس أشخاص محددين.

واعتبر المجلس الدستوري أن مبدأ المساواة بين القضاة المتواجدين في الوضعية عينها، يشكل عنصراً أساسياً من عناصر استقلالية القضاة والسلطة القضائية، وانتهى إلى إبطال القانون برمته لهذا السبب أيضاً.

هذا يعني أن المجلس الدستوري اعتبر أن القوانين الموضوعة على قياس أشخاص محددين Dispositions sur mesure تخالف الطبيعة الشمولية للقانون وتجرده، كما تخالف مبدأ المساواة بين المواطنين أو على الأقل بين الأشخاص المتواجدين في أوضاع قانونية متشابهة فيكون وضع نصوص قانونية على قياس أشخاص محددين مخالفاً للدستور، لأن مبدأ شمولية القانون وتجرده، هو ـ بفعل قرار المجلس الدستوري ـ ذات قيمة دستورية.

المبدأ الثامن: قاعدة ثبات تشكيل مجلس القضاء الأعلى واستقلالية أعضائه هي ذات قيمة دستورية لارتباطها بمبدأ استقلالية القضاء الذي يتمتع بهذه القيمة

قرر المجلس الدستوري أن “انتخاب أعضاء المجلس من أقرانهم يعتبر بحسب المعايير الدولية إحدى ضمانات استقلالية مجلس القضاء الأعلى”. وبالتالي يكون القانون الذي حرم القضاة من انتخاب أحد ممثليهم في المجلس عبر إعادة إحياء ولاية عضو منتخب منتهية ولايته، تدخلاً من المشترع في شؤون القضاء وانتقاصاً من ضمانات استقلال أعضاء مجلس القضاء الأعلى الذي يسهر على استقلالية القضاء وحسن سير عمله.

كما أن إيلاء عضوية مجلس القضاء الأعلى ونيابة رئاسته حكمياً إلى النائب العام لدى محكمة التمييز الذي يعيّن في هذا المنصب أصالة بموجب مرسوم يتخذ في مجلس الوزراء يراعي إلى حدّ بعيد قاعدة ثبات تشكيل مجلس القضاء الأعلى وتأمين متطلبات استقلالية أعضائه وتجنيبهم المؤثرات الخارجية على اعتبار أن عزله من هذا المنصب أو نقله منه ليس بالأمر اليسير كونه يستوجب أغلبية الثلثين في مجلس الوزراء سنداً للمادة 65 بند (5) من الدستور.

وإن إيلاء هذه العضوية ونيابة الرئاسة الحكمية إلى من يشغل هذا المنصب بالانتداب أو بالتكليف، لا يؤمن هذه الضمانات، لأن الانتداب يحصل بقرار من وزير العدل بموافقة مجلس القضاء الأعلى سنداً للمقطع الأخير من المادة 20 من قانون القضاء العدلي، فيما التكليف يحصل بقرار منفرد من الرئيس الأول لمحكمة التمييز سنداً للمادة عينها معطوفة على المادة 28 من قانون القضاء العدلي.

وتابع المجلس الدستوري بأن القانون المطعون فيه باعتباره القاضي المنتدب أو المكلف نائباً عاماً لدى محكمة التمييز عضواً حكمياً ونائباً لرئيس مجلس القضاء الأعلى، يكون قد منح وزير العدل بموافقة مجلس القضاء الأعلى من خلال الانتداب، وأعطى الرئيس الأول لمحكمة التمييز ـ رئيس مجلس القضاء الأعلى ، من خلال التكليف، صلاحية  في تشكيل مجلس القضاء الأعلى وتعديل هذا التشكيل بدون أية ضوابط أو قيود. وأنه لا يجوز أن يقوم قاضٍ بتعيين أو عزل اتراب له في مجلس واحد، لأن ذلك يتعارض مع قاعدة ثبات تشكيل مجلس القضاء الأعلى واستقلالية أعضائه ويضع أحد أعضاء المجلس وهو نائباً لرئيس في وضع غير مستقر يسمح باستبداله بسهولة بالغة، ما ينزع عن عضويته في مجلس القضاء الأعلى صفة الديمومة بمفهومها القانوني. وهذا ما يتناقض مع استقلالية القاضي ويجعله عرضة للمؤثرات والضغوطات؛ وهو الأمر الذي يخالف بدوره مبدأ استقلالية القضاء ذات القيمة الدستورية.

هذا فضلاً عن أن القاضي الذي يشغل منصب النائب العام لدى محكمة التمييز انتداباً أو تكليفاً، لا يقسم اليمين المنصوص عنها في المادة 3 من قانون القضاء العدلي، أمام رئيس الجمهورية، فيكون القانون المطعون فيه قد أتاح ضمّ عضو إلى مجلس القضاء بدون أن يقسم اليمين القانونية، ما يخالف إحدى الضمانات الأساسية التي ترعى عمل مجلس القضاء الأعلى، المنصوص عنها في المادة 3 من قانون القضاء العدلي. فتوجد هنا أيضاً مخالفة إضافية لأحكام المادة 20 من الدستور ولمبدأ استقلالية القضاء ذي القيمة الدستورية، ويستوجب الإبطال لهذا السبب.

المبدأ التاسع: تدارك التعطيل في عمل مجلس القضاء الأعلى لا يبرر حجم الضرر الناجم عن تعدي السلطة التشريعية على صلاحيات السلطة الإجرائية وخرق مبدأ الفصل بين السلطات

قرر المجلس الدستوري أن تمديد صلاحية خمسة أعضاء في مجلس القضاء الأعلى تنتهي مدة ولايتهم في 14 تشرين الأول 2024، أي قبل حوالي الشهرين من تاريخ نشر القانون المطعون فيه، يشكل عملياً تعييناً جديداً لهم من قبل السلطة التشريعية إلى حين تعيين بدلاء عنهم.

إن هذا التعيين يخالف الأصول المحددة في المادة الثانية من قانون تنظيم القضاء العدلي، التي تنص على أن تعيين بدلاء لأربعة منهم يكون من قبل السلطة التنفيذية بمرسوم يتخذ بناء لاقتراح وزير العدل.

وإن تدارك التعطيل في عمل مجلس القضاء الأعلى، لا يبرر حجم الضرر الناشىء عن تعدي السلطة التشريعية على صلاحية السلطة الإجرائية وما نتج عنه من خرق لمبدأ فصل السلطات المكرس في الفقرة (هـ) من مقدمة الدستور، فيكون البند (أولاً) من المادة الوحيدة للقانون المطعون فيه، مخالفاً للدستور لهذا السبب أيضاً.

المبدأ العاشر: الغموض في القانون الذي يفسح المجال إلى تطبيقه بشكل استنسابي يتعارض مع مبدأ فقه القانون ووضوحه ذات القيمة الدستورية

إن مبدأ فقه القانون ووضوحه متفرع بدوره من مبدأ المساواة المكرس في المادة 7 من الدستور والفقرة (ج) من مقدمته، وهذا ما يجعل منه ذات قيمة دستورية، تستوجب مخالفته إبطال القانون الذي يسوده الغموض في أي فقرة منه.

في الختام نقول بأن المجلس الدستوري من خلال إطلاقه عدة مبادىء في أي قرار يصدر عنه، إنما يساهم مساهمة فعالة في بناء “الكتلة الدستورية” Bloc constitutionnel، إذ إن القانون الدستوري لا يقتصر على النصوص الدستورية، بل يتعدى ذلك إلى المبادىء ذات القيمة الدستورية التي يصوغها المجلس الدستوري في قراراته والتي تشكل كلها ما يطلق عليه اسم “الكتلة الدستورية”.

ففي كل مرة يصدر المجلس الدستوري قراراً جديداً يزيد حجم “الكتلة الدستورية” أو يتضح مضمونها أكثر، فإلى المزيد المزيد منها.

https://hura7.com/?p=42923

الأكثر قراءة