الثلاثاء, أبريل 29, 2025
16.4 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

إصدارات أسبوعية

د. عبده غصوب ـ ملاحظات على اعتبار القانون رقم 1 الصادر بتاريخ 3/4/2025 (قانون الإيجارات غير السكنية) نافذاً حكماً وواجب النشر: مخالفة دستورية أولى تُسجّل على العهد والحكومة

abdo ghossoub

الحرة بيروت ـ بقلم: الدكتور عبده جميل غصوب، دكتور في الحقوق، مستشار قانوني في الإمارات العربية المتحدة ـ دبي، خبير قانوني دولي معتمد لدى عدة منظمات قانونية دولية.

بادىء ذي بدء لا بدّ من استعراض الوقائع المؤدية إلى صدور قرار مجلس شورى الدولة بوقف تنفيذ المرسوم رقم 12835 تاريخ 12/1/2024 المتعلق بإعادة قانون الإيجارات للأماكن غير السكنية إلى مجلس النواب (أولاً)، ثم الانتقال إلى مبررات إصدار القانون النافذ حكماً رقم 1 الصادر بتاريخ 3/4/2025 (الإيجارات للأماكن غير السكنية)، كما وردت في حيثيات القانون المذكور ذاته (ثانياً)، وصولاً إلى تقييم المبررات المذكورة ومعرفة مصير مراجعة إبطال المرسوم رقم 12835 تاريخ 12/1/2024 المتضمن رد قانون الإيجارات في الأماكن السكنية إلى مجلس النواب واعتبار قانون الإيجارات للأماكن غير السكنية صادراً ونافذاً من تاريخ 19/12/2023 (ثانياً).

أولاً: في استعراض الوقائع المؤدية إلى صدور قرار مجلس شورى الدولة بوقف تنفيذ المرسوم رقم 12835 تاريخ 12/1/2024

أ ـ بعد ان أقر مجلس النواب قانون الإيجارات للأماكن غير السكنية بتاريخ 14 و15/12/2023، وأحيل بتاريخ 18/12/2023 لعرضه على مجلس الوزراء والموافقة على إصداره وطلب نشره استناداً إلى المادتين 56 و62 من الدستور وذلك نظراً لمصادفة إقرار هذا القانون مع خلو سدة الرئاسة، وعملاً بمنطوق المادة 62 المذكورة، عُرض القانون المذكور على جلسة مجلس الوزراء بتاريخ 9/12/2023 وتقرر الموافقة على إصداره وكالة عن رئيس الجمهورية.

ب ـ ولكن مجلس الوزراء عاد بتاريخ 12/1/2024 وأصدر القرار رقم 8 القاضي بالرجوع عن قرار الإصدار وإعادة القانون المذكور إلى مجلس النواب لإعادة النظر فيه وذلك للأسباب المحددة في متنه. وبالنتيجة لم يتم توقيع مرسوم الإصدار من قبل رئيس مجلس الوزراء في حينه، وصدر المرسوم رقم 12835 تاريخ 12/1/2024 القاضي بإعادة القانون المذكور الوارد إلى الحكومة بتاريخ 8/12/2023 إلى مجلس النواب لإعادة النظر فيه.

ج ـ بتاريخ 20/2/2024 تقدمت “جمعية مالكي الأبنية المؤجرة في لبنان” لدى مجلس شورى الدولة بمراجعة سجلّت تحت الرقم 25602 / 2024، طلبت فيها وقف تنفيذ وإبطال المرسوم الصادر عن مجلس الوزراء رقم 12835 تاريخ 12/1/2024 أعلاه، المتضمن ردّ قانون الإيجارات في الأماكن غير السكنية الذي أقره مجلس النواب ( عدد 8348 / ص تاريخ 14/12/2023 ) واعتبار قانون الإيجارات للأماكن غير السكنية صادراً ونافذاً من تاريخ 19/12/2023 وهو تاريخ إصداره من قبل حكومة تصريف الأعمال.

د ـ بتاريخ 4/4/2024، أصدر مجلس شورى الدولة قراراً إعدادياً تحت الرقم 160/2023 – 2024 قضى بالإجماع بـ”وقف تنفيذ المرسوم رقم 12835 تاريخ 12/1/2024، المتعلق بإعادة قانون الإيجارات للأماكن غير السكنية إلى مجلس النواب“.

ثانياً: مبررات إصدار القانون النافذ حكماً رقم 1 الصادر بتاريخ 3/4/2025 (إيجارات الأماكن غير السكنية) كما وردت في حيثيات القانون المذكور ذاته:

أ ـ جاء في حيثيات القانون “أان صدور قرار بوقف تنفيذ مرسوم إعادة قانون الإيجارات للأماكن غير السكنية إلى مجلس النواب يستتبع اعتبار هذا المرسوم كما وقرار مجلس الوزراء رقم 8 تاريخ 12/1/2024 فاقدين لأي أثر دستوري أو قانوني“. وهذا غير صحيح لأن قرار وقف التنفيذ لا يفقد المرسوم، كما قرار مجلس الوزراء أثره القانوني أو الدستوري، بل يؤدي فقط إلى وقف تنفيذهما مؤقتاً، إذ يبقيا معلقي التنفيذ لحين صدور قرار نهائي عن مجلس شورى الدولة بقبول مراجعة الإبطال أو بردّها. فالفرق شاسع بين تعليق التنفيذ لحين صدور القرار النهائي واعتبار المرسوم والقرار المطعون بهما “فاقدي الأثر الدستوري أو القانوني” بمجرد وقف تنفيذهما وقبل صدور قرار نهائي مبرم بالإبطال، في مراجعة ما زالت عالقة أمام مجلس شورى الدولة.

لنا عودة إلى هذه النقطة في الفقرة الثالثة والأخيرة من هذا البحث.

أما في ما خص القانون النافذ حكماً رقم 1 الصادر في 3/4/2025 (إيجارات الأماكن غير السكنية)، فيعزو سبب عدم النشر إلى سبب تقني محض، خلافاً لما أدلت به الدولة اللبنانية في دفاعها ضد طلب إبطال المرسوم والقرار المذكور، إذ لم تأتِ في دفاعها على ذكر هذه النقطة المحض تقنية، بل أدلت بنقاط قانونية مختلفة تماماً.

ب ـ والسبب المحض تقني، كما ورد في حيثيات القانون رقم 1 النافذ حكماً أعلاه، أنه، وبعد أن حال وجود القانون المذكور بنسخته الأصلية الموقعة الصالحة للنشر لدى مجلس النواب دون إمكانية نشره وفقاً للأصول، وجّه رئيس مجلس الوزراء في حينه بتاريخ 3/6/2024، وبعد تبلغه قرار مجلس شورى الدولة، كتاباً إلى رئيس مجلس النواب شرح بموجبه مفاعيل قرار وقف التنفيذ وما يمكن أن يترتب عليه من نتائج، طالباً استرجاع القانون بنسخته الأصلية الموقعة لنشره في الجريدة الرسمية وفقاً لما تفرضه الأصول، ونظراً لكون الأمانة العامة لمجلس النواب لم تودع المديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء النسخة الأصلية الموقعة من القانون إلا بتاريخ 28/3/2025، أي بعد أكثر من تسعة أشهر من طلب الاسترجاع، وجرى خلال هذه الفترة انتخاب رئيس للمجهورية صاحب الصلاحية الأساسية بالإصدار وطلب النشر.

ج ـ واستناداً للمادة 56 من الدستور التي نص أنه “يصدر رئيس الجمهورية القوانين التي تمت عليها الموافقة النهائية في خلال شهر بعد إحالتها إلى الحكومة ويطلب نشرها“؛ وتنفيذاً للقرار الإعدادي الصادر عن مجلس شورى الدولة الذي قضى بوقف تنفيذ المرسوم رقم 12835 تاريخ 12/1/2024 المتعلق بإعادة قانون الإيجارات للأماكن غير السكنية إلى مجلس النواب، ما جعله فاقداً لأي أثر دستوري أو قانوني، أقله لحين صدور قرار مجلس شورى الدولة النهائي بالمراجعة المقدمة أمامه، وواجباً نشره بعد إتمام عملية الإصدار وفقاً للاصول.

وتكرر في حيثيات القانون النافذ حكماً رقم 1، أنه “ونظراً لكون عملية إصدار القانون وطلب نشره في حينه، كان دونها عقبات، نتيجة عدم وجود النسخة الأصلية الموقعة الصالحة للنشر وذلك بسبب إحالتها إلى مجلس النواب تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء بإعادة النظر بالقانون من ثم، وبعد صدور القرار القضائي الذي قضى بوقف التنفيذ، بقيت هذه النسخة لدى المجلس ولم يتم إيداعها رئاسة مجلس الوزراء إلاّ بتاريخ 28/3/2025، رغم طلب استرجاعها بتاريخ 3/6/2024”.

د ـ وختمت حيثيات القانون النافذ حكماً رقم 1 أعلاه مبرراتها لاعتبار القانون المذكور نافذاً حكماً “أنه والحال ما تقدم، لا يمكن توقيع تلك القوانين من قبل رئيس مجلس وزراء سابق (بصفته ممثلاً لمجلس الوزراء الذي كان يمارس وقتها صلاحية رئيس الجمهورية وكالة)، لا يملك راهناً أي صلاحية دستورية بهذا الشأن بعد تشكيل حكومة جديدة، كما لا يمكن توقيعها من قبل رئيس الحكومة الحالي في ظل وجود رئيس جمهورية تنحصر فيه وحده، دستورياً، عملية إصدار القوانين وطلب نشرها في حال لم يتم تجاوز المهلة الدستورية المنصوص عنها في المادة 56 من الدستور، وكون المادة 57 من الدستور تنص عن أنه وفي حال انقضاء المهلة دون إصدار القانون أو إعادته، يعتبر القانون نافذاً حكماً ووجب نشره، ما يوجب، تنفيذاً لأحكامها، اعتبار هذا القانون الذي أقره مجلس النواب نافذاً حكماً ووجب نشره بصيغته الأصلية الموقعّة وكما وردت من الأمانة العامة لمجلس النواب بتاريخ 28/3/2025، خاصة وأنه لم يتبيّن أن مجلس النواب، وبهيئته العامة، وخلال وطيلة فترة وجود القانون لديه، قد ناقش أو أدخل أي تعديل إلى صيغته الأصلية التي أعيدت إلى المديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء بتاريخ 28/3/2025، بناء لطلب الاسترجاع تاريخ 3/6/2024“.

ثالثاً: تقييم مبررات القانون النافذ حكماً رقم 1 الصادر في 3/4/2025 (الإيجارات للأماكن غير السكنية) ومراجعة الإبطال العالقة أمام مجلس شورى الدولة:

أ ـ مدى جواز استرجاع الحكومة للقانون الذي أعادته لمجلس النواب لإعادة النظر به:

لا نرى أنه يحق للحكومة بعدما أعادت قانون إيجارات الأماكن غير السكنية للمجلس النيابي طلب استرجاعه، لأنه، وبمجرد أن المجلس وضع يده عليه من جديد، فإنه يعود له تعديله جزئياً أو نهائياً، أي استبداله بقانون آخر مختلف كلياً عنه، ولكن المجلس النيابي بعد مضي حوالي تسعة أشهر على طلب الحكومة استرجاع القانون إعادته بصيغته الأصلية للحكومة بدون أن يدخل عليه أي تعديل.

وإن المجلس النيابي ـ وبعد تردد ـ لم يعارض في إعادة طلب الحكومة باسترجاع القانون، فأعاده إليها كما هو وبدون أي تعديل، علماً بأنه كان يعود له، وبمجرد وضع يده عليه، أن يرفض إعادته إلى الحكومة وأن يعيد النظر به جزئياً او كلياً.

وفي كل الأحوال، فإنه يعود للمجلس النيابي، وفي أي وقت يشاء، تعديل القانون الذي استعادته الحكومة؛ فالمجلس “سيد نفسه“، ولا سلطة تعلو عليه في التشريع.

ولكن بعد موافقة المجلس على طلب الحكومة باسترجاع القانون، ولو متأخراً (أو متردداً!) لم تعد هناك أي مشكلة، طالما أن المجلس راضٍ على ذلك.

ب ـ مدى جواز اعتبار القانون نافذاً بوجود مراجعة لم يبت فيها مجلس شورى الدولة بصورة نهائية:

لا نرى أنه يحق للحكومة اعتبار القانون نافذاً بوجود مراجعة ترمي إلى إبطال الإحالة مقدمة من طرف ثالث هو “جمعية مالكي الأبنية المؤجرة في لبنان“، التي طلبت إبطال قرار الإحالة ووقف تنفيذه. ولكن، “وقف التنفيذ“، كما أسلفنا، لا يعني إبطال الإحالة واعتبارها بدون أي أثر قانوني أو دستوري، كما ذهبت إليه الحكومة عندما اعتبرت القانون نافذاً حكماً، بل أن قرار وقف التنفيذ يؤدي فقط إلى تعليق مفعول قرار الإعادة لحين البت بها بصورة نهائية من قبل مجلس شورى الدولة، بقرار يؤدي إما إلى إبطال الإحالة وعندها يصح اعتبار القانون نافذاً حكماً، وإما إلى اعتبار الإحالة صحيحة، فتصبح “الكرة في ملعب” المجلس النيابي الذي يعود له مطلق الصلاحية، حينذاك بتعديل القانون كلياً أو جزئياً أو بالإصرار على إبقائه في حالته الراهنة.

أما تعليل اعتبار القانون نافذاً حكماً بالاستناد إلى المادة 57 من الدستور، فلا يستقيم إطلاقاً لأنه لتطبيق المادة المذكورة، ينبغي أن تكون المهلة قد انقضت دون إصدار القانون أو إعادته. والحقيقة أن القانون أعيد للمجلس النيابي ثم جرى استعادته من قبل الحكومة، وتوجد مراجعة ترمي إلى ابطال مرسوم الإعادة وقرار مجلس الوزراء بالإعادة وهي ما زالت عالقة أمام مجلس شورى الدولة، فلا يصح إطلاقاً اعتباره نافذاً حكماً لعدم توافر شروط إعمال المادة 57 من الدستور.

هذا فضلاً عن أن مبدأ فصل السلطات يمنع على الحكومة اعتبار أي قانون، ما زال الطعن بإعادته إلى المجلس النيابي عالقاً، نافذاً بحكم المادة 57 من الدستور، لانه يمنع منعاً باتاً على الحكومة التدخل بأعمال السلطة القضائية؛ وإن ما حصل فعلاً يمكن توصيفه بأنه تدخل سافر من الحكومة في أعمال السلطة القضائية، لأن قرار اعتبار قانون إيجارات الأماكن غير السكنية، نافذاً سنداً للمادة 57 من الدستور، هو في حقيقته رفعاً ليد القضاء عن ملف عالق أمامه، بقرار حكومي. وهذا أمر مرفوض قانونياً ودستورياً، لأن حقيقة ما حصل أن الحكومة انتزعت الملف من يد القضاء، لتعتبر القانون نافذاً، وبدون انتظار نتيجة الطعن، مستندة في ذلك للمادة 57 من الدستور.

ثم إن اعتبار القانون نافذاً سنداً للمادة 57 أعلاه، قد أسقط موضوع مراجعة الإبطال التي ما زالت عالقة أمام مجلس شورى الدولة!

وهذا ما يتطلب فوراً رجوعاً من قبل “جمعية مالكي الأبنية المؤجرة في لبنان” عن مراجعة الإبطال، عندها يتم ” إنقاذ” قرار الحكومة باعتبار قانون إيجار الأماكن غير السكنية نافذاً. أما بغياب هذا التراجع تبقى الإشكالية الدستورية قائمة. والحل الأنسب وسط هذه “المعمعة” الدستورية، كان تراجع “جمعية مالكي الأبنية المؤجرة في لبنان” عن المراجعة المقدمة منها وتزامن ذلك مع إصدار القانون ونشره من قبل رئيس الجمهورية، صاحب الصلاحية في ذلك، بدون هذه “البرمة” غير الموفقة لاعتبار القانون نافذاً.

مخالفة دستورية أولى نسجلها على العهد والحكومة، عساها لا تتكرر وتكون الأخيرة خصوصاً وأن رئيس الجمهورية حرص على تأليف لجنة استشارية تكون إلى جانبه لتفادي الوقوع في الأخطاء الدستورية. وبالانتظار يبقى الطعن بقرار اعتبار القانون نافذاً مطروحاً.

أما معرفة الجهة المختصة للطعن: أهو المجلس الدستوري أم مجلس شورى الدولة؟ فهذا يتطلب بحثاً آخر.

 

https://hura7.com/?p=48772

 

 

 

 

 

 

 

الأكثر قراءة