الجمعة, فبراير 14, 2025
0.4 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

د. عبد الرؤوف سنّو ـ من ثلاثيّة السلاح إلى أحادية الهيمنة: حزب الله ومشروع اللاعودة إلى الوطن

الحرة بيروت ـ بقلم: الدكتور عبد الرؤوف سنّو، مؤرّخ وباحث في الشؤون اللبنانية

عندما يتحدث حزب الله بإصرار وعناد عن الثلاثيّة، فهذه الثلاثيّة (جيش وشعب ومقاومة) تحتاج إلى ثلاثة أطراف متعاهدة وأركان، وإلى إعلان من مجلس الوزراء اللبناني لتقوم.

بدأت هذه الثلاثيّة وطنية بهدف تحرير الجنوب، وما أن تمّ ذلك، حتى انحرفت عن مسارها منذ العام 2005، عبر الحلول محلّ السوري المحتل، ولاستفزاز العدو والادّعاء بدفاعها عن لبنان، وتبرير حمل السلاح والهيمنة على المرافق البرية والبحرية والجوية، فضلًا عن التهريب بكل أنواعه.

تسبب الحزب في شنّ العدو الإسرائيلي الحرب المدمّرة على لبنان في العام 2006. ثم تدخّل في سورية والبلدان العربية لحساب إيران كي لا يسقط النظام السوري الدموي ويضرّ بتواصلها مع لبنان.

ومنذ تدخله في سورية في العام 2012 أصبح سلاحه وقراراته أداة لترهيب اللبنانيين، كما حصل في الاعتصام في وسط بيروت بين العامين 2007 و2008، واجتياح بيروت في العام 2008، و”القمصان السود” في العام 2010، أو في خلال الانتفاضة اللبنانية بين العامين 2019 و2020، عندما أجهز عليها بعنف مسلح مفرط بذريعة الاستقرار الأمني.

وفي كلّ الأحوال يتحمّل اللبنانيون مسؤولية استقواء حزب الله عليهم، وعلى الدولة وتفكيكها. ففي مقابل الثلاثيّة، أطلق الحزب العنان للقوى السياسية والحزبية اللبنانية الفاسدة لتحقيق مصالحها الشخصية التي دمرت الوطن. وكان اتفاق مار مخايل في العام 2006 لشقّ الصفّ المسيحي ومقايضة نفوذ التيار الوطني الحرّ بسلاح الحزب.

ثم سقطت كل الموانع الدستورية والحياة السياسية أمام مصالح الحزب، في التسوية الرئاسية في العام 2016، وأصبحت كلّ القوى السياسية والحزبية في جلبابه، بـ”تعيين” رؤساء الجمهورية والحكومة، فيما سيطر حليفه نبيه بري على مجلس النواب.

وفي مقابل ثلاثيته المسلحة القوية، عمل الحزب على تدمير الثلاثية الدستورية اللبنانية وجعلها فاشلة: رئاسة الجمهورية، ورئاسة الحكومة، ومجلس النواب. هكذا، أفقد الحزب الحياة السياسية اللبنانية رونقها التقليدي، أو على الأقل ديمقراطيتها الفريدة المعروفة في المنطقة.

عندما انتُخب جوزيف عون رئيسًا للبنان بعد انتظار طويل لتعطيل الحزب للاستحقاق، راهن اللبنانيون على الدولة، وليس على الثلاثيّة. وقد أعلن الرئيس المنتخب بوضوح في خطاب القسم أن الجيش اللبناني هو وحده الذي يحتكر حمل السلاح على الأراضي اللبنانية. بمعنى أن لا عودة إلى الثلاثيّة التي كانت سببًا في الذي حلّ بلبنان من كوارث: إصرار حزب الله على إسناد غزّة عنوة، عكس رأي اللبنانيين والدولة بحياد لبنان عن الصراع الدائر حوله. فشكلّ قرار الرئيس عون سقوط أول ركن من الثلاثيّة، لمصلحة جيش لبنان.

وعن الشعب اللبناني، فغالبيته تعلّمت درسًا مفاده أن الثلاثيّة أطاحت بقرارها الوطني وبتحييد لبنان، وزجّته في الصراعات الإقليمية. ولم تعد تنطلي على شعب لبنان ادّعاءات الحزب بحماية لبنان، ذلك أنّ اللبنانيين عرفوا جيدًا أن سلاح الحزب هو أداة لمشروع إيران في السيطرة على العالم العربي، وعلى عواصمه، ومنها بيروت الأبيّة والعصيّة.

لا أحد غير الحزب يريد الثلاثيّة ويسعى إليها. وهي تلبس رداء مقاومة إسرائيل خداعًا، بينما هي في الحقيقة لترهيب اللبنانيين وإبقاء الدولة مفككة.

وبرفض الدولة برئاسة عون الثلاثيّة، ومعه الشعب اللبناني الشريف، لم يعد يبقى من ثلاثيّة الحزب سوى هو وحده. وبه وحده، ليس هناك ثلاثيّة، بل أحادية يسعى جاهدًا لفرضها إكراهًا على الدولة والمجتمع، لاستعادة هيبته التي تراجعت أمام العدو، ولتسجيل انتصارات وهميّة على حساب أهلنا في الجنوب.

إنّ القديم الجديد، أنّ حزب الله يحاول إعادة إحياء نفسه بأحادية سياسية وعسكرية بترك مسيراته ودراجاته في حالة فلتان تقتحم مناطق اللبنانيين الآمنين، وخصوصًا لإخوتنا المسيحيين، غير مكترث بالسلم الأهلي على حساب طوائف لبنان.

لم يعد اللبنانيون يعوّلون على وطنية غير موجودة لدى الحزب، ولن يعودوا إلى الوراء إلى عهد الثلاثيّة التي انحرفت عن غاياتها الأولى، ولن تنجح أحادية السلاح في تطويع اللبنانيبن للحصول على الثلث المعطّل، وعلى وزارات معيّنة، المالية خصوصًا – مغارة علي بابا – لكسر إرادة الدولة واللبنانيين.

https://hura7.com/?p=43088

الأكثر قراءة