بقلم: الدكتور محمد حلاوي، أستاذ جامعي – كلية العلوم الاقتصادية في الجامعة اللبنانية
جاءت نتائج الانتخابات الأمريكية عكس تمنيات المسؤولين الإيرانيين خاصة والشارع الإيراني عامة، لتعود بهم الذاكرة إلى المعاناة التي شهدتها إيران خلال فترة العقوبات الأمريكية الصارمة بين العامين 2016 و2020 وأثرها على الاقتصاد الإيراني. ما دفع بوكالة “تنسيم” الإيرانية إلى الإسراع للطمأنة بأن فوز الرئيس ترامب لن يؤثر على سياسة إيران.
بعد أن تناولنا في الجزء الأول تاريخ الصراع بين أمريكا وإيران من حيث الاستراتيجيات المتبعة والاتفاق النووي والعقوبات على إيران، وصولاً إلى الاغتيالات النووية والعسكرية، نعرض في هذا الجزء انعكاس التصعيد الأخير الذي يشهده كلا البلدين وانعكاساته على الساحة اللبنانية حيث باتت المخاوف من اندلاع حرب أهلية داخلية، وإقليمية خارجية، تدق ناقوس الخطر.
الضربات الإسرائيلية والردود الإيرانية
في منتصف نيسان/أبريل الماضي، وردّاً على قصف قنصلية طهران في دمشق مطلع الشهر نفسه، أعلنت إسرائيل أن وابلاً من الطائرات الإيرانية المسيّرة أُطلقت باتجاهها.
وردّاً على اغتيال اسماعيل هنية، رئيس المجلس السياسي لحركة حماس، في 30 تموز/يوليو الماضي في طهران، واغتيال السيد حسن نصرالله في 27 أيلول/سبتمبر الماضي، وجّهت إيران في الأول من تشرين الأول/أكتوبر المنصرم أكثر من 250 صاروخاً إلى مراكز عسكرية في فلسطين المحتلة.
بدورها، شنّت إسرائيل فجر السبت الواقع في 26 تشرين الأول/أكتوبر ضربات “دقيقة وموجهة” على عدة أهداف عسكرية إيرانية تشمل مواقع لتصنيع الصواريخ وأخرى للقدرات الجوية، ردّاً على هجوم طهران الأخير عليها. وأعلنت إيران مقتل عسكريَين اثنين في هذه الضربات. فيما هدّدت إسرائيل الجمهورية الإسلامية بأنها ستدفع “ثمناً باهضاً” في حال قررت الرد مجدداً. على أثر ذلك، طالبت الإدارة الأمريكية إيران بعدم الرد، وإلّا سيكون هناك تدخل أمريكي مباشر لحماية اسرائيل.
التقييم الأولي للضربة الإسرائيلية كان “مغايراً لحقيقتها” التي ظهرت لاحقاً، ما استدعى القيادة الإيرانية بالتلويح بالرد حفاظاً على معادلة الردع. كما وجّه البعض من الداخل الإسرائيلي الانتقاد لعدم استهداف المنشآت النووية والنفطية. فيما نصح الرئيس ترامب بتدمير المنشآت النووية الإيرانية وبعدها التوجه إلى الأهداف الأقل أهمية.
هذا وصرّح المسؤولون العسكريون الإسرائليون أن تلك الضربة لم تكن انتقاماً أو ردة فعل، إنما “ضربة في إطار خطة ممنهجة” استهدفت الدفاعات الجوية الإيرانية بشكل كبير من أجل تحويل الأجواء الإيرانية إلى أجواء تشبه تلك في غزة ولبنان.
ويبدو أن إسرائيل اعتمدت في ضربتها الأخيرة ضدّ إيران نفس أسلوب الضربات الاستباقية التي اعتمدتها مع حزب الله بين 17 أيلول/سبتمبر الماضي (عملية أجهزة البايجر) و27 منه، تاريخ اغتيال الأمين العام للحزب، السيد حسن نصرالله، وقيادة فرقة الرضوان. كذلك تم استخدام نفس الأسلوب سنة 1967 حين وجّهت إسرائيل ضربة استباقية استهدفت فيها الدفاعات الجوية المصرية ما مكّنها من تحقيق نصر كاسح في حربها تلك.
هل يدفع نتنياهو ترامب إلى حرب إقليمية؟
بما يتعلّق بالكيان الصهيوني، يبدو أن لا أحد على بيّنة بما يدور في ذهن نتياهو، حيث أن نشوة النصر الوهمية التي يعيشها من جهة، وقراره الأخيرة بإعفاء وزير الدفاع غالانت واستبداله بشخصية غير عسكرية من جهة أخرى، سيدفعانه لاتخاذ مواقف متهوّرة ضدّ إيران يمكن أن تؤدّي إلى حرب إقليمية. وهو ما لا يريده ترامب غير أنه سيمضي بالحرب على قاعدة “مرغماً لا بطلاً”، إسناداً وحماية لإسرائيل، واستمراراً لنهج الإدارات الأمريكية السابقة (ديمقراطية – جمهورية) بدعمها المطلق للكيان الصهيوني.
أما بما يتعلّق بالولايات المتحدة الأمريكية، وفي كلمة لترامب أثناء حملته الانتخابية في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أعلن بوضوح أنه لا يرغب خوض حرب مع إيران، وهو ما كرّره في خطاب الفوز منذ يومين مؤكداً أنه لن يدخل في حروب إنما سيعمل على إنهاء تلك المشتعلة.
كذلك يبدو أن “سياسة القضم” التي تطرّقنا إليها في الجزء الأول من حيث مهاجمة الدول الإسلامية السبع، غير ملائمة حالياً. حيث أن كل من حركة حماس وحزب الله تمكّنا من استعادة التوازن والقدرة والسيطرة بعد الضربات الاستباقية غير الاعتيادية التي تعرضا لها. وما يحصل في غزة بعد 13 شهر من المواجهات، كما في لبنان حيث لم يتمكن الجيش الإسرائيلي بعد من التوغل ضمن الأراضي اللبنانية بعد شهر كامل من المواجهات العنيفة مع حزب الله، هو خير دليل على أن هذه الجبهات مازالت حامية ومشتعلة.
وهذا ما يتناقض مع استراتيجية تبريد الجبهات التي نصحت الإدارة الأمريكية إسرائيل بها في 11 تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، بعد أربعة أيام من بدء عملية طوفان الأقصى، حين طالب كل من غالانت وشاؤول موفاز توجيه ضربة استباقية إلى حزب الله من خلال اغتيال كامل قياداته، وذلك حسب ما صرّح به موفاز لموقع “عربي 21” في الثالث من الشهر الجاري.
بين الحرب الإقليمية والمفاوضات
لم يعد خافياً على أحد أن نتنياهو يسعى إلى حرب إقليمية ويحاول إرغام ترامب على دخولها للوصول إلى شرق أوسط جديد، كما أعلن في الأمم المتحدة يوم 27 أيلول/سبتمبر الماضي. ومن الممكن جداً أن تأتي نتائج هذه الحرب عكس ما يشتهيه نتنياهو. ناهيك عن الدمار الذي سيلحق بكامل المنطقة دون استثناء.
ويبقى أمام ترامب احتمال الذهاب إلى التفاوض مع إيران حول برنامجها النووي مع تلويح بفرض عقوبات خانقة عليها، ما سيضطر المرشد الديني، آية الله علي خامنئي، إلى قبول اتفاق نووي أكثر ملاءمة لشروط الولايات المتحدة وإسرائيل للحفاظ على الحكم الديني في إيران.
خياران تشاؤميان سيلحقان الدمار والنار بدول المنطقة وبالأخص لبنان وفلسطين والعراق، وسيزيدان من معاناة الشعوب وموجة النزوح، حيث ستدفع هذه الدول ثمن حرب تتصارع فيها إيران وإسرائيل على أراضيها. إضافة إلى استمرار الشعب الإيراني بتحمّل عقوبات اقتصادية ستؤثر على تقدّمه وازدهاره، ناهيك عن تدني المستوى المعيشي وأثرها على الحياة اليومية في إيران.
لذا، فإن ما ترجوه تلك الشعوب، أولاً من إيران، الاستجابة لصوت العقل والسلام وإعادة النظر في سياساتها الخارجية التي لم تجلب سوى الحروب والدمار لشعبها وشعوب المنطقة. وثانياً من الرئيس دونالد ترامب، والمعروف بالتزامه بوعوده، أن يعمل على إنهاء الحرب ويذهب للتفاوض مع إيران بعد أن يكبح جماح نشوة النصر الوهمية لنتنياهو، وأن يعيد النظر بالتعامل مع إيران، (كما طالبت وزارة خارجيتها صباح يوم أمس الخميس)، كي ينتجا معاً اتفاقاً نووياً عادلاً يضمن لإيران حقها بالاستفادة السلمية من الطاقة النووية، ويضمن مصالح الجميع إقليمياً ودولياً.