بقلم: الدكتور محمد حلاوي، أستاذ جامعي – كلية العلوم الاقتصادية في الجامعة اللبنانية
ساعات قليلة ويتجه ملايين الأمريكيين لاختيار سيدة أو سيد البيت الأبيض في انتخابات أجمع المحللون بأنها الأكثر شراسة ومنافسة، مع احتمال صعوبة حسم النتائج فور انتهائها كما حصل في العام 2000، حين تفوّق الرئيس جورج بوش الإبن على منافسه آل غور بفارق 600 صوت بعد عدة محاولات لفرز الأصوات وظهور نتائج فلوريدا للعلن، بين مرشحي الولاية.
إلّا أن الكثير من اللبنانين، سياسيين وصحافيين وأفراد، يربطون مصير العدوان الذي تعرّض له لبنان منذ 23 أيلول/سبتمبر الماضي “بشكل مباشر” بنتائج الانتخابات الأمريكية. وما زاد من هذا الاعتقاد هو الطريقة التي تعامل معها المرشحان ضمن حملاتهما الانتخابية لكسب الأصوات العربية والمسلمة بشكل عام، والأصوات اللبنانية بشكل خاص. حيث حاولا الحصول على دعم الناخبين العرب الأمريكيين من خلال أنشطة في ولاية ميشيغان المتأرجحة من أجل تأمين الفوز فيها، كونها تضمّ حوالى 250 ألف صوتاً لبنانياً وللّبنانيين ثقل كبير فيها.
على مستوى المرشحة كاميلا هاريس
لقاء هاريس بالجالية اللبنانية لم يحصل بشكل مباشر، كما أنها لم تتطرّق بكلامها إلى حرب لبنان، إنما اكتفت بكلام عام لما يجري في الشرق الأوسط حيث صرّحت خلال تجمّع انتخابي في ولاية ميشيغان قائلة: “لن نسمح للفوضى بأن تنتصر وأدعو للابتعاد عن الانقسامات”. مؤكدة الدعم اللامتناهي لحق إسرائيل الدفاع عن نفسها.
وحاولت هاريس والحزب الديمقراطي كسب جرعة دعم واستمالة الصوت اللبناني من خلال العمل على وقف إطلاق النار في لبنان عبر هدنة الستين يوماً نهاية الشهر الماضي. إلّا أن هذه المحاولة فشلت بعد رفض إسرائيل لمسودّة الاتفاق، والتي كشفت شبكة الـ”سي أن أن” الإخبارية أن مسؤولين في الحزب الديمقراطي هم الذين عمدوا إلى تسريب المسودّة للإعلام. وهذا ما يمكن أن ينعكس سلباً على صوت الناخب اللبناني في الانتخابات الأمريكية.
على مستوى المرشح ترامب
كان تواصل ترامب المباشر مع الجالية اللبنانية واضحاً للعيان. فقد زار مدينة ديربورن في ولاية ميشيغان واعداً اللبنانيين هناك بإحلال السلام في بلدهم ومنح “السعادة” والوئام للشعب اللبناني. وقد ذهب أبعد من ذلك عندما نشر على صفحته على موقع X أنه يريد “وقف المعاناة والدمار في لبنان”. وقال في تغريدة أخرى على تويتر: “سأحافظ على الشراكة المتساوية بين جميع المجتمعات اللبنانية. إن أصدقاءكم وعائلاتكم في لبنان يستحقون العيش في سلام وازدهار ووئام مع جيرانهم، وهذا لا يمكن أن يحدث إلّا بالسلام والاستقرار في الشرق الأوسط”.
بالمحصّلة، يندرج كلّ ما تقدّم في خانة الوعود الانتخابية لكلا المرشحين. غير أن المقاربة الحقيقية لما يجري في لبنان تخضع للاستراتيجيات التي تتبعها الدولة العميقة للإدارة الأمريكية. فهي لا تعتبر الملف اللبناني من أولوياتها، جمهورية كانت أم ديمقراطية. لا بل أن هذة الإدارة، إضافة إلى الدولة العميقة، تتعامل مع الأزمات ضمن تصنيف الأساسية والثانوية (Macro & Micro)، وتأتي الأزمة اللبنانية ضمن الأزمات الثانوية أو الملحقة، والتي يمكن أن تحلّ نفسها طالما أنها مرتبطة بأزمة أساسية استراتيجية.
وهذا فعلاً ما سيحصل إذا تمّت تسوية أو حلّ الأزمتين الأساسيتين في الشرق الأوسط: أمن إسرائيل والملف النووي الإيراني، مع ما نتج عنهما من أخطار تمس مباشرة برؤية الإدارة الأمريكية للشرق الأوسط. إضافة إلى أزمات استراتيجية ذات صلة، والمتمثلة بسير العمل في الممرّ الهندي الأوروبي الذي تأثر فعلياً بمفاعيل الحرب بين الكيان الصهيوني وحماس من جهة، وحزب الله في جنوب لبنان من جهة أخرى، لما يمثله هذا الممرّ من أثر إيجابي على الرؤية الأمريكية.
ناهيك عن توقف مسار الاتفاقات الإبراهيمية والتطبيع مع الدول العربية، وبالأخص مع المملكة العربية السعودية، التي عادت ورفعت شعار حلّ الدولتين في فلسطين المحتلة كمدخل للعودة لمسار التطبيع، والذي تعقد من أجله مؤتمراً دولياً في مدينة الرياض في الحادي عشر من الشهر الحالي بحضور أكثر من 90 دولة عربية وإسلامية ومنظمات دولية.
ينظر كلا المرشحين إلى ما جرى في الثامن من أكتوبر 2023 في لبنان (أي حرب إسناد غزة) على أنها أزمة ملحقة بما حصل في السابع منه في غزة (أي طوفان الأقصى)، والذي شكّل وما زال خطراً وجودياً على إسرائيل لن يُسمح بتكراره. لذا، لن يتوقف دعم الولايات المتحدة المطلق لإسرائيل من أجل تعزيز قدرات الأخيرة على القيام بالدور المناط بها، ألا وهو “عين ويد الولايات المتحدة في الشرق الأوسط والحامية لمصالحها”.
كما أن مفاعيل السابع من أكتوبر شكّلت أيضاً خطراً وجودياً على أمريكا نفسها بسبب الاحتجاجات التي غزت جامعاتها بشكل غير مسبوق. من هنا نرى أن لكلا المرشحين أسلوبه الخاص في حسم الصراع بين لبنان وإسرائيل وعلى الشكل التالي:
- في حال فوز هاريس أو ترامب، سيكون أمام بايدن 75 يوماً لتسليم السلطة. ومن الممكن أن يمنح الكيان الصهيوني أكبر قدر من الدعم العسكري كما فعل منذ السابع من أكتوبر 2023 ولغاية اليوم، كي تتمكن إسرائيل ونتنياهو من الاستمرار في عملية التدمير والقتل في غزة ولبنان، وصولاً للأهداف التي لم تتحقق على مدى 13 شهراً، والتي من الممكن جداً ألّا تتحقق أبداً.
- في حال استلام هاريس السلطة في 20 كانون الثاني/يناير المقبل، فمن المحتمل أن تقوم بتعديل الاستراتيجية والعمل على إيجاد صيغة لوقف النار والدمار، مع الحفاظ على مصالح إسرائيل والاستمرار بدعمها المطلق (كونها ستأخذ بعين الاعتبار ضمان حصولها على ولاية رئاسية ثانية). أما فيما خص النزاع مع إيران، فهي ستعتمد نفس الاستراتيجية السابقة، أي التفاوض غير المباشر وصولاً لاتفاق نووي جديد يضمن المصالح الأمريكية وأمن إسرائيل في الوقت نفسه.
- في حال فوز ترامب، فهو سيمنح نتنياهو 75 يوماً لإتمام ما بدأه منذ 13 شهراً في كل من غزة ولبنان. ويمكن أن تتطوّر الأحداث لتشمل الحشد الشعبي في العراق والحوثيين في اليمن، حيث قالها ترامب علناً في واشنطن: “أنا لا أريد حرباً عند وصولي إلى البيت الأبيض”. وفي ما خص إيران، فإن ترامب سيتّبع سياسة سلفه الرئيس رولاند ريغان: “السلام من خلال القوة”Peace through Strength – كما صرّح منسق العلاقات العربية لحملة ترامب الانتخابية، مسعد بولس، وهو رجل أعمال من أصل لبناني ووالد صهر ترامب – والقوة هنا يمكن أن تكون اقتصادية ومعنوية على غرار ما فعل في كوريا الشمالية والصين وروسيا.
هذا ولا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار أن تعاطي كلا المرشحين مع إيران يتوقف على قرار الأخيرة بالردّ على إسرائيل وحجم الضربات التي يمكن أن توجهها لها. ذلك بعد أن قامت إسرائيل باستهداف أنظمة إيران الدفاعية والصاروخية قبل أسبوعين.
ويبقى السؤال: من سيكون المستفيد والمتضرر من نتائج الانتخابات الأمريكية؟
- أمريكا نفسها التي من المحتمل أن تقحم نفسها في أزمة ما لم يتمّ حسم نتيجة الانتخابات في وقت سريع، ما سيؤثر على كافة الأزمات العالمية المرتبطة بتلك الانتخابات.
- بينما سيكون نتنياهو المستفيد الأكبر، كونه يدير الحرب لحساباته الخاصة وحسابات الداخل الإسرائيلي وبتوظيف للواقع الأمريكي. فهو على علم ويقين بأن لديه حصة الأسد في الحسابات الأمريكية إضافة إلى دعم وتغطية مطلقة، بغض النظر عن اسم الرئيس المقبل. لدرجة أنه غير مكترث لموعد مثوله أمام المحكمة الإسرائيلية العليا في 11 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي.
- أما بالنسبة للّبنانيين، فإن اليوم الذي سيلي الانتخابات الأمريكية سيكون كاليوم الذي سبقها. كلّ ما يمكن أن يتبدّل هو اسم المبعوث الأمريكي ليأخذ مسعد بولس مكان آموس هوكشتاين. وربطاً بالفقرة أعلاه، من الممكن والمرجّح أن يزيد نتنياهو من التصعيد في حربه على لبنان، محدثاً دماراً وقتلاً على وطنٍ وشعب اعتقد أن نهاية العدوان الصهيوني وحبل خلاصه هو بيد أحد المرشحَين: هاريس أو ترامب. وقد عاش اللبنانيون منذ 23 أيلول/سبتمبر الماضي على وهم بشّرهم به فنان لبناني إسمه “فيلم أمريكي طويل”.