الخميس, ديسمبر 12, 2024
1.9 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

د. محمد حلاوي – مسودّة ليزا جونسون، اتفاق سلام أم استسلام واحتلال؟

بقلم: الدكتور محمد حلاوي، أستاذ جامعي – كلية العلوم الاقتصادية في الجامعة اللبنانية

بعد أكثر من 50 يوم على بدء العدوان الإسرائيلي المباشر على لبنان، برّاً وبحراً وجواً، وسقوط أكثر من 3400 شهيد وأكثر من 10 آلاف جريح، يتطلّع اللبنانيون رسمياً وشعبياً إلى بارقة أمل لإيقاف ماكينة الدمار والقتل، وذلك من خلال القيام بعدة محاولات منذ السابع والعشرين من أيلول/سبتمبر الماضي، على وقع الورقة الفرنسية – الأمريكية، حيث يتأرجح اتفاق وقف إطلاق النار بين الشروط الإسرائيلية والـ”لاءات” اللبنانية.

استراتيجية التفاوض الرديئة

تصاعدت عمليات القصف الجوي والقوة التدميرية للكيان الصهيوني منذ مطلع الأسبوع الماضي، حيث تزايدت حدّة الغارات على الضاحية الجنوبية ومناطق عدّة في البقاع والجنوب اللبناني ليلاً ونهاراً، إضافة إلى إعلان إسرائيل بدء المرحلة الثانية من العملية البرية في الجنوب اللبناني. جاء ذلك تمهيداً لتسليم السفيرة الأمريكية، ليزا جونسون، يوم الخميس الماضي، مسودّة اتفاق إلى رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري.

هذا ويُعتبر التصعيد في الضاحية الجنوبية لبيروت، لا سيّما في المناطق المحسوبة على التيار السياسي التابع للرئيس بري، جزءاً من رسالة ضغط إسرائيلية للتفاوض مع لبنان. وكان قد تمّ استهداف مقرّ المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى عصر يوم السبت الماضي، في حين امتدّ القصف صباح أمس الأحد إلى أطراف منطقتي “الحدث” و “عين الرمانة”، والتي تعتبر مناطق آمنة وتتمتع بخصوصية بسبب طبيعة قاطنيها حيث الغالبية المسيحية، وذلك من أجل تأليب الرأي العام الشعبي ضد “حزب الله”.

أضف إلى ذلك استهداف قلب العاصمة اللبنانية بيروت عصر ومساء أمس الأحد في منطقة “رأس النبع” حيث تمّ اغتيال المسؤول الإعلامي في “حزب الله”، محمد عفيف النابلسي، إضافة إلى استهداف أحد الشوارع التجارية ليلاً في منطقة “مار الياس”، والذي أراد منه الكيان الصهيوني إيصال رسالتين: عدم وجود مناطق محايدة وآمنة في لبنان؛ وزيادة الضغط التفاوضي مع لبنان.

نقطتان أساسيتان يمكن استنتاجهما نتيجة التصعيد الأخير:

  1. إن مناقشة مسودة الاتفاق ستكون تحت النار.
  2. إن أي اتفاق سيكون بمثابة إملاء شروط وليس وليدة مفاوضات. حيث صيغت هذه الوثيقة إسرائيلياً وتمّ الترويج لها أمريكياً.

هذا وكانت هيئة البث الإسرائيلية قد أفادت بأن الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، التقى يوم الجمعة الماضي مبعوث إسرائيل، وزير الشؤون الاستراتيجية، رون ديرمر، وأكّد عدم معارضته وثيقة التسوية مع لبنان. إضافة إلى لقاء جمع بين الأخير ووزير الخارجية الأمريكي، أنطوني بلينكن، الأسبوع الماضي، حيث تمّت مناقشة الوثيقة نفسها وكان الترحيب بها سيّد الموقف. ما يعني وجود موافقة أمريكية (ديمقراطية وجمهورية) عليها.

من جهتها، كشفت صحيفة “جويش إنسايدر”، صباح الجمعة الماضي، نقلاً عن مصادر إسرائيلية، بأن “اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان يتضمن مشاركة أمريكية لضمان وقف تسليح “حزب الله””. إضافة إلى عدم إخضاع هذة الوثيقة إلى مفاوضات مع الجانب اللبناني قبل طرحها للنقاش. وبالتالي فإن إسرائيل تستخدم مرّة جديدة استراتيجيات التفاوض الرديئة (Dirty Tactics) وتحديداً: “عليكم القبول بالموجود (Take it or Leave it).

علماً أن هذه الوثيقة لا تزال غير معلنة رسمياً. لكن، وبحسب ما أوردته جريدة “الشرق الأوسط” يوم السبت الماضي، فهي تتضمن 13 بنداً وأن ما يتمّ تداوله من تفاصيل هو مجرّد تسريبات. وكانت بعض هذه البنود المسرّبة قد وُصفت بضعف الصياغة، أو أن صياغتها فضفاضة، ما يوحي بعدم قبولها لبنانياً كما هي.

الوثيقة: بين الجدية والمراوغة

إن ما رشح من بعض تسريبات وسائل الإعلام الأمريكية حتى اللحظة يتقاطع مع كلام المسؤولين الإسرائليين عن شروط إسرائيلية تتضمنها المسودّة ولا يمكن التراجع عنها:

  1. إنسحاب “حزب الله” إلى شمال الليطاني وتسليم السيطرة على الأرض إلى الجيش اللبناني وتفعيل آلية المراقبة لقوات اليونيفيل.
  2. منع “حزب الله” من إعادة تسليح نفسه عبر الحدود من خلال “مراقبة دولية” إضافة إلى ضمانات دولية بتفكيك ترسانة أسلحته المتبقية.
  3. منح إسرائيل حق الدفاع عن النفس و”التدخل برياً، بحرياً، وجوياً” متى ارتأت وجود تهديد محتمل ضدّها. مقابل حق الجانب اللبناني في الدفاع عن النفس، والمقصود هنا الجيش اللبناني الذي لا يملك حالياً أي قوة عسكرية رادعة قادرة على مواجهة الترسانة العسكرية الصهيونية.

تعتبر عملية المراقبة الدولية الواردة في النقطة الثانية أعلاه والتدخل الإسرائيلي في النقطة الثالثة مساساً واضحاً بالسيادة اللبنانية والتي لا يمكن، ليس لـ”حزب الله” فقط، إنما لأي حكومة لبنانية ومن ورائها جزء كبير من الشعب اللبناني، القبول بها. حتى أن وزير الخارجية الفرنسي علّق في كلمة له في البرلمان الفرنسي على هذا الموضوع الأسبوع الماضي قائلًا: “لا يمكن لأي دولة القبول بالمسّ بسيادتها”، وهذا دليل إضافي على “عدم جدية” هذه الوثيقة.

هذا ولا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار أن “حزب الله” لم ينهزم لغاية الآن، حيث لا تزال المواجهات على الحدود اللبنانية تمنع تقدّم القوات الإسرائيلية، إضافة إلى مضاعفة أعداد رمياته الصاروخية باتجاه الأراضي المحتلة. وبالتالي، فإن إسرائيل لا يمكنها إعلان انتصارها ما لن يخوّلها فرض الشروط أعلاه.

الأهداف الإسرائيلية من الوثيقة

تهدف الإدارة اليمينية المتطرفة في إسرائيل من هذة الوثيقة، وبالأخص نتنياهو، إلى إيصال رسائل داخلية وخارجية.

  • داخلياً، تتضمن الوثيقة رسالة إلى المجتمع الإسرائيلي بأن حكومته لم تتراجع عن أهداف الحرب ألا وهي عودة سكان الشمال إلى منازلهم. كما أن الاتفاق ليس إنهاءً للحرب إنما “إدارة الحرب” حيث سيكون “النموذج السوري” حاضراً في لبنان من خلال الغارات والقصف أين ومتى شاءت إسرائيل ذلك. علماً أن أصواتاً كثيرة في الداخل الإسرائيلي ترفض إنهاء الحرب في الوقت الراهن، وعلى رأسها الزعيم اليميني المتطرف، افيغادور ليبرمان، معلّلاً ذلك بأن “إنهاء الحرب الآن وقبل القضاء نهائياً على “حزب الله” وترسانته الحربية، سوف يتيح له إعادة بناء نفسه سريعاً، ما يؤدّي إلى نشوب حروب قريبة في المستقبل”، كما أشارت هيئة البث الإسرائيلية يوم الجمعة الماضي.
  • خارجياً، تدرك إسرائيل مسبقاً عدم قبول الجانب اللبناني بالمسودة، وبالتالي فإن رفض الوثيقة سيكون فرصة ومبرراً لإسرائيل كي تقول للعالم ولأمريكا أن لبنان هو الذي رفضها، وأن عليهم ممارسة الضغط عليه للوصول إلى تسوية. وحتى ذلك الحين ستمضي إسرائيل في سياستها التدميرية بحق لبنان، أرضاً وشعباً وتاريخاً وجغرافيا. وبهذا تكرّر نفس السيناريو الذي اتبعته سابقاً في المفاوضات مع حركة “حماس” على مدار الأشهر السابقة.

كما أن الصياغة المراوغة لهذه الوثيقة، وبالأخص فقرة “الدفاع عن النفس” تهدف إلى أمرين:

  1. خطة إسرائيلية للانقلاب على الاتفاق 1701 وحقها بالتدخل العسكري متى شعرت بتهديد محتمل، علماً بأن تاريخ هذا الكيان حافل بنقض الاتفاقات الأممية، (وخصوصاً انتهاكات إسرائيل للقرار 1701) ولا تحتاج نصاً مكتوباً لمنحها الحق في تجاوز أي قرار أو نقضه.
  2. خطة إسرائيلية بديلة للحصول من الولايات المتحدة على تخويل مكتوب يمنحها حق الدفاع عن النفس والتدخل متى شعرت بوجود خطر يهددها.

ومن المتوقع، بحسب شبكة “سي ان ان” الإخبارية، بأن يأتي الردّ اللبناني بداية الأسبوع الحالي، كما أشارت المصادر إلى احتمال زيارة المبعوث الأمريكي، آموس هوكشتاين، إلى لبنان يوم غد الثلاثاء لاستلام الرد اللبناني. وبحسب التوقعات، فإن لبنان لن يعطي إسرائيل بالسياسة ما عجزت عن أخذه منه بالقوة، كما لن يقع في الفح الاسرائيلي رافضاً الوثيقة كلياً. حيث يمكن للردّ أن يكون “نعم” لكل ما يتعلق بوقف إطلاق النار والتطبيق الفعلي للقرار 1701، و”كلا” لكل ما يمسّ بالسيادة اللبنانية، والعمل على إيجاد اتفاق عادل للطرفين.

فهل تسعى إسرائيل بالتالي لشراء الوقت لحين تسلّم إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب زمام الأمور؟

لبنان بين مطرقة وسندان

إن المتتبع لسلسلة التعيينات في إدارة الرئيس ترامب يستنتج بأن استراتيجيته القادمة ستكون امتداداً لولايته السابقة تجاه الجمهورية الإسلامية الإيرانية. حيث وصف الكاتب الصحافي Ishann Tharoor يوم الجمعة الماضي في صحيفة واشنطن بوست بأن “الرئيس الأمريكي واليمين الإسرائيلي يحتضنان بعضهم البعض، وأن ترحيب الأخير بالمُعينين الجُدد لإدارة ترامب ينبئ بعلاقة أوثق بين إسرائيل والولايات المتحدة، ولن يكون هناك انحراف عن نهج ولايته الاولى”.

وعليه، فإن الوثيقة كما أشرنا أعلاه هي عملية شراء للوقت وخطوة ضمن “خطة ممنهجة في الصراع مع إيران”، لحين وضع أسس المواجهة الأمريكية الإسرائيلية من جهة، والجمهورية الإسلامية من جهة أخرى. عسى أن تكون إسرائيل قد استطاعت، خلال هذه الفترة، إضعاف “حزب الله” عسكرياً وبالتالي إضعاف القوة التفاوضية لطهران. وهذا ما تهدف إليه من خلال البدء بالمرحلة البرية الثانية، في الحصول على إنجاز عسكري يمكن وضعه على طاولة المفاوضات مع إيران.

وهذا ما يفسّر أيضا الزيارة المفاجئة لمستشار المرشد الأعلى آيه الله علي خامنئي، السيد علي لاريجاني، إلى بيروت يوم الجمعة الماضي، حيث أشارت مصادر لصحيفة  “نداء الوطن” إلى “أن تزامن هذه الزيارة مع مناقشة الورقة التي سلمتها سفيرة الولايات المتحدة في لبنان ليزا جونسون إلى الرئيس بري، يعني أن طهران “معنية بمناقشتها” انطلاقاً من حرصها على أن تبقي ورقتي لبنان وغزة في يدها”. وتضيف المصادر: “تتمسك إيران بهاتين الورقتين إلى حين نضوج ظروف طاولة التفاوض، والتي من المتوقع أن لا تبدأ قبل ثلاثة أشهر (مدة ترتيب البيت الداخلي لإدارة ترامب الجديدة)”.

أخيراً، ما بين وثيقة استسلام واحتلال، وشراء للوقت، وتفاوض تحت النار، ومصالح الولايات المتحدة بصراعاتها الخارجية وتحديداً مع إيران، يبقى لبنان وشعبه واقتصاده وإرثه الثقافي ومستقبل شبابه وزيادة هجرتهم بين المطرقة التدميرية الإسرائلية المدعومة أمريكياً، وسندان أهداف الجمهورية الإسلامية الإيرانيه في المحافظة على أذرعتها في المنطقة، والتي تضمن لها موقفاً تفاوضياً أفضل في المفاوضات حول برنامجها النووي.

للتواصل مع كاتب المقال: dr_mhalawi@terra.net.lb

https://hura7.com/?p=37378

الأكثر قراءة