الخميس, نوفمبر 14, 2024
8 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

د. محمد حلاوي – إسرائيل وإيران، هل هي نهاية “الردّ والرد المضاد” أم اعتماد سياسة القضم؟

بقلم: الدكتور محمد حلاوي، أستاذ جامعي – كلية العلوم الاقتصادية في الجامعة اللبنانية

أخيراً، وبعد 25 يوماً من الانتظار، جاء الردّ الإسرائيلي على هجوم صاروخي أطلقته إيران في الأول من أكتوبر الماضي، بأكثر من 250 صاروخاً تجاه إسرائيل، حيث تخلّلت هذه الفترة اجتماعات عديدة سياسية وعسكرية بين تل أبيب وواشنطن، وعلى مستوى عالٍ، من أجل أن تضمن الولايات المتحدة ألّا يجرّ الردّ على الردّ إلى حرب إقليمية.

وحسب القناة 12 العبرية عن مصادر عسكرية إسرائيلية، فإن سلاح الجو الإسرائيلي قصف أكثر من 20 هدفاً عسكرياً في إيران. أبرزها مصانع أسلحة وصواريخ، منشآت لتطوير طائرات مسيّرة ومنصّات إطلاق الصواريخ.

في المواجهات السابقة كانت الإدارة الأمريكية في واشنطن تتنصل من مسؤولياتها وتعلن أنها على غير علم، أو أنها تبلّغت في اللحظات الأخيرة، تماماً كما حصل يوم اغتيال رئيس المجلس السياسي اسماعيل هنية في 31 تموز/يوليو الماضي في قلب طهران، وعند اغتيال أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله. غير أن الليلة الماضية، وطيلة الساعات الأربع من الهجوم الإسرائيلي، كانت الإدارة الأمريكية تتابع سير عمليات المواجهة، وتعلن أنها على علم بتوقيت الضربة الإسرائيلية وحجمها ونوعية الأهداف، إضافة إلى أنها طلبت من القيادة الإسرائلية تجنب إلحاق الأذى خلال العملية العسكرية.

وعند إعلان إسرائيل انتهاء العملية العسكرية سارع مسؤولون في الإدارة الأمريكية إلى الإعلان عن وجوب إنهاء الضربات الإيرانية الإسرائيلية. كما ونصحت إيران بعدم الردّ على الردّ، إضافة الى استعداد القوات الأمريكية في المنطقة للتدخل والدفاع عن إسرائيل في حال قررت إيران الردّ على الهجمات الإيرانية التي حصلت ليلاً.

إن هذا التحوّل في الموقف الأمريكي، وحجم الضربة الإسرائلية، وتجنّب الأهداف النفطية والاقتصادية والمفاعلات النووية الإيرانية، جاء مصاحباً لعدة مسارات سياسية تهدف إلى سيناريوهين:

  1. الأول: تجنّب الحرب الإقليمية والعمل على إنهاء الأعمال العسكرية الملتهبة في كل من لبنان وغزة. إن المؤشرات لهذا السيناريو ممكن استخلاصها من عدة أسباب:
  • عودة المفاوضات على تحرير الرهائن في كل من القاهرة وقطر وبحضور  رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلية ورئيس جهاز السي أي إيه ووفد من حماس بشكل غير مباشر، إضافة إلى المسؤولين الأمنيين في كل من القاهرة والدوحة، حيث كانت هذه المفاوضات متوقفة تماماً لأكثر من شهرين. إلّا أن الحادث الذي وقع يوم الأربعاء الموافق 16 أكتوبر الماضي، حيث قتل الجيش الإسرائيلي بالصدفة الزعيم السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس، يحيى السنوار، بعد تبادل إطلاق نار في رفح، جنوب قطاع غزة، أعاد مفوضات الرهائن إلى الواجهة بعد فشل قوات العدو الصهيوني بتحريرهم بالقوة لأكثر من عام.
  • تصريحات القادة العسكريين الإسرائيليين خلال اليومين الماضيين بوجوب إنهاء حرب الشمال مع لبنان، بعد مواجهات عنيفة مع مقاتلي حزب الله وفشل قوات العدو الصهيوني وعدم قدرتهم على التقدم سوى لأمتار محدوده خلال شهر كامل من المواجهات، وبحجة أن أهداف هذه الحرب قد تحققت من خلال تدمير عدد كبير من القرى الحدودية اللبنانية وقتل واغتيال القيادة العليا لحزب الله.
  • استيعاب حزب الله للضربات الموجعة التي تلقاها الشهر الماضي من حادثة البايجرات، إلى اغتيال قادته، مستعيداً قدرته في السيطرة والتحكم، والتي ظهرت بتكثيف الرميات الصاروخية اليومية كمّاً ونوعاً وامتداداً جغرافياً أوسع. إضافة إلى الخسائر البشرية غير المسبوقة والتي يتكبدها  جيش العدو الصهيوني في معارك جنوب لبنان. الأمر الذي دفع بوزير الخارجية الأمريكية، أنطوني بلينكن، خلال زيارته لإسرائيل بداية الأسبوع الجاري، طالباً من نتنياهو استثمار ما حققه من إنجازات عسكرية في أيلول الماضي بإنجازات سياسية، من خلال إرغام حزب الله على تطبيق القرار الأممي 1701 بكل مدرجاته. وهذا ما يعمل عليه الموفد الأمريكي، آموس هوكشتاين، مع الحكومة اللبنانية ورئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري.
  1. الثاني: إن التوسع بالهجمات الإسرائيلية إلى أهداف نفطية ومنشآت نووية سوف يؤدي بلا شك إلى حرب إقليمية، وهذا ما لاتسطيع تحمّله إسرائيل مع وجود جبهات عدة مفتوحة في غزة ولبنان، إضافة الى المسيرات والصواريخ من العراق واليمن.

وعليه من الممكن أن تلجأ إسرائيل إلى سياسة القضم، أي اعتمادها نفس الأسلوب الذي اعتمدته مع لبنان، حيث حافظت على قواعد الاشتباك مع حزب الله لمدة عام إلى أن تمكنت من القضاء على معظم قدرات حركة حماس في قطاع غزة وبعدها فتحت جبهة لبنان على مصراعيها. وبذلك تكون إسرائيل قد أجّلت تطوير الصراع مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى ما بعد إنهاء الأعمال العسكرية في جنوب لبنان من جهة، وإلى ما بعد الانتخابات الأمريكية من جهة أخرى.

أخيراً، إن هذا السيناريو يشكل خطراً كبيراً على لبنان، حيث ستنفرد إسرائيل بحربها عليه لأمد غير منظور، مع زيادة الغارات الجوية على مختلف مناطق لبنان والتركيز على قرى الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، ملحقة مزيداً من الإجرام والقتل والدمار في المساكن والمشاريع الاقتصادية لتلك المدن والقرى. إضافة إلى تفاقم في نزوح اللبنانيين وما سيشكله ذلك لاحقاً من مآسي اجتماعية وصحية مع اقتراب فصل الشتاء، في ظل ضائقة مالية واقتصادية حكومية وشعبية غير مسبوقة، ومساعدات دولية تكفي لثلاثة أشهر حصل عليها لبنان من مؤتمر باريس  لدعم لبنان منذ يومين.

وبذلك سيستمر الشعب اللبناني، مع الأسف، في دفع ثمن صراع الآخرين على أرضه.

https://hura7.com/?p=35751

الأكثر قراءة