السبت, مارس 15, 2025
3 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

د. مصطفى قراعلي ـ الثورة “المجيدة” انتصرت في لبنان وسوريا… فلا تكونوا عائقًا أمام مسارها

الحرة بيروت ـ بقلم: الدكتور مصطفى قراعلي، رئيس مبادرة الفرسان اللبنانية

في ظل التطورات السياسية الراهنة والهجوم الذي استهدف رئيس الحكومة الجديدة، القاضي نواف سلام، خلال جلسات مناقشة البيان الوزاري في البرلمان اللبناني، نعتبر أن هذه الانتقادات تعكس تمسّك بعض الأطراف بمنهجية الماضي ومحاولة عرقلة مسار التغيير والإصلاح.

لقد استمعنا إلى مداخلات بعض النواب السنّة في البرلمان، والتي لم تكن مُفاجِئَة، بل جاءت تعبيرًا عن حالة من القلق من المستقبل، وربما حتى البكاء على أطلال المرحلة الفائتة. تلك الفترة التي كان فيها نظام الأسد يُملي التوجهات السياسية، ويحدّد مسار البيانات الوزارية والتشكيلات الحكومية، فارضًا عبر هيمنته على لبنان ما كان يُسمّى بالتوافق الوطني.

تحولات سياسية تتطلب رؤية جديدة 

إنّ اتهام هذه الأصوات للحكومة الجديدة، برئاسة الرئيس نواف سلام، وأول حكومات عهد الرئيس جوزيف عون، بأنها “منحازة”، وفاقدة “للمعايير” و”العدالة”، بل و”عرجاء”، ليس إلا محاولة للالتفاف على مشروع الإصلاح عبر إعادة تدوير مفاهيم المرحلة السابقة. هذه الاتهامات تكشف عن هواجس الخوف لدى هذا المحور من انتصار الثورة المجيدة في سوريا ولبنان، ومن التغيير الذي فرضه اللبنانيون والسوريون على الواقع السياسي. ومع ذلك، فإن هؤلاء لم ينصفوا حكومة “الإصلاح والإنقاذ” الجديدة، ولم يقدّموا أي مبرر علمي أو قراءة موضوعية، بل اكتفوا بعكس حالة التيه السياسي التي خلّفها سقوط الوصاية الأسدية.

إنّ طرابلس اليوم بحاجة إلى تطهير الساحة السنّية من رواسب عهد الوصاية البائدة، التي عانيتم منها أنتم كما عانى منها غيركم. فلا مبرر للخوف من الثورة المباركة التي أسقطت نظام الأسد في سوريا ولبنان، وأعادت تشكيل المعادلة السياسية بعيدًا عن الهيمنة والتبعية. وأي مقارنة بين الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، بهدوئه وشفافيته وحرصه على شعبه، وبين بشار الأسد الذي حكم بالقمع والاستبداد، كفيلة بأن تبدد أي مخاوف من المستقبل السياسي لسوريا الجديدة.

سعادة النواب، إنّ التطرّق إلى مقولة “وحدة المعايير في التأليف” التي وردت على لسانكم لم يكن في محله، إذ لم يكن هذا المفهوم جزءًا مما طرحه الرئيس نواف سلام، ولم يكن إخلالًا بوعده أو سببًا لوصف حكومته بأنها “عرجاء”. بل على العكس، فقد تحدّث بوضوح عن معايير الجدارة والكفاءة والأهلية في اختيار الوزراء، وليس عن “وحدة المعايير” التي تعني عمليًا تكريس المحاصصة الطائفية بين الأحزاب السياسية كما كان الحال في الماضي. إنّ إعادة طرح هذه الفكرة بهذا الشكل ليس إلا تحويرًا للواقع الجديد، ومحاولة لاستنساخ مرحلة طواها الزمن، تلك المرحلة التي كفر بها أبناء هذا الوطن بثورتهم ضد الظلم والفساد، وضد النظام الذي أدّى إلى تآكل مؤسسات الدولة في حقبة الوصاية الأسدية.

دعوة إلى استثمار الفرصة السياسية الجديدة

إنّ الممارسات السياسية القائمة على المحاصصة، والتي ترسّخت خلال مرحلة وصاية نظام الأسد، لا يمكن أن تعبّر عن أبناء الحراك الإسلامي والعمل الخيري الديني، لا سيما تلك المؤسسات العريقة مثل جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية التي هي من الميراث العثماني العريق في لبنان. نحن، كأبناء طرابلس، نرفض تصوير الحالة السنّية الوطنية في لبنان، بكل أطيافها، وكأنها في خلاف مع نظيرتها في سوريا، لأن ذلك ليس إلا إقرارًا ضمنيًا بالهزيمة وإنكارًا للواقع الجديد. لقد تجاوزنا زمن الانقسامات المفروضة، واليوم، بات المطلوب هو بناء موقف سياسي موحّد يعكس وحدة المسار والمصير بين لبنان وسوريا، لا العودة إلى خطابات تخدم بقايا منظومة انتهت.

إنّ دور رئيس الحكومة ليس مجرد تلقي قوائم الأسماء المختومة في ظروف مغلقة تحتوي على مرشحي الأحزاب للوزارات، كما كان الحال في زمن الوصاية. هذا النهج انتهى. لذلك، نحن لا نقول: “أعطوا الحكومة الجديدة فرصة للعمل”، ولا نقول: “أجّلوا الاتهامات”، بل نقول بوضوح: “استثمروا في نجاحها، وكونوا عونًا للرئيس نواف سلام، الذي لم يحتكر التمثيل السنّي، ولم يستأثر به لنفسه”. فلا الميثاق الوطني، ولا الدستور، ولا اتفاق الطائف ينصّون على محاصصة الوزارات بين الكتل النيابية الطائفية، بل على العكس، هذه الحكومة تمثّل خروجًا من هذه المعادلات البالية. إنّ التراجع اليوم عن علاقات زمن الوصايات ليس مجرد خيار، بل هو مفتاح أساسي لإعادة بناء التواصل مع أهل طرابلس، الذين طال انتظارهم لأول حكومة تعبّر عن روح الثورة المباركة التي وحّدت بين المسارين في سوريا الجديدة ولبنان الجديد.

العدالة الحقيقية ليست في المحاصصة

حضرة النواب، نؤكّد لكم أنّ الحكومة الجديدة ليست مؤلفة من حزبيين ولا تخضع لمنطق التعطيل الطائفي، وربما هذا يجدي في هذه المرحلة حتى تسير قافلة الإصلاحات. وإن كان الرئيس نواف سلام قد نجح في تجاوز المحاصصة داخل طائفته السنية، كخطوة أولى، فهذا ليس تهميشًا بل تعزيزٌ للدور الوطني للطائفة السنّية في قيادة مشروع الإصلاح والإنقاذ. هذا النهج لا يُضعف الطائفة، بل يضعها في موقع الريادة في مسيرة بناء الدولة الحديثة. لذلك، علينا كأبناء الطائفة السنية أن ندعم هذا التوجه، وأن نكون في طليعة الداعين لإلغاء المحاصصة الوزارية، حتى يمتدّ هذا النهج إلى بقية الطوائف، لأن هذه هي العدالة السياسية التي يطمح إليها أبناء لبنان الجديد.

إنّ السياسة الجديدة التي تخدم اللبنانيين عمومًا، والطائفة السنية خصوصًا، وتعيد ربطها بجوارها السوري والعربي وفي منطقة الشرق الأوسط، لا يمكن أن تستمر في النظر إلى الوزارات كمكافآت توزَّع على الكتل السياسية الطائفية في البرلمان. فهذه هي بعينها المحاصصة السياسية الطائفية التي ثار عليها اللبنانيون في ثورتهم المجيدة. وهذا كله يصب في مصلحة الحركات الاسلامية الطرابلسية، التي لا بد أن تستدرك ماذا جرى من تغيير في لبنان وسوريا، من غير محاولة لإعادة عقرب الساعة الى الخلف.

نحن اليوم بحاجة إلى تطوير أداء الحركات الإسلامية والسياسية منها في الساحة السنية، بحيث تكون قادرة على مواكبة الحداثة والانخراط بفعالية في مشروع بناء الدولة. لا يمكن لهذه الحركات أن تبقى على هامش التغيير أو تشكّل عبئًا عليه، بل ينبغي أن تكون جزءًا فاعلًا منه، تساهم بأفكار بنّاءة ورؤى ريادية تعزز التوافق بين الحداثة والعلم من جهة، وبين الدين من جهة أخرى. المطلوب اليوم ليس الانغلاق داخل معادلات الماضي، بل إعادة تعريف دور هذه الحركات في إطار وطني جامع، يواكب متطلبات العصر ويضعها في موقع التأثير الإيجابي.

https://hura7.com/?p=45783

الأكثر قراءة