الحرة بيروت ـ بقلم: البروفسور ناجي كعدي، باحث ومحاضر في علوم المياه
في عصر التحولات الرقمية المتسارعة، أصبح الذكاء الاصطناعي (AI) عنصراً رئيسياً في تشكيل حياتنا اليومية والمستقبلية. بينما ينظر البعض إليه كتهديد للذكاء البشري، يراه آخرون فرصة لتعزيز قدرات الإنسان وتوسيع آفاقه. في هذا المقال، سنستعرض كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون حليفاً للإنسان، يسهم في تطوير ذكائه وإثراء تجاربه الفكرية.
خلال نقاش مع أحد الأصدقاء حول الذكاء الإصطناعي بشكل عام وChatGPT في المجال البحثي بشكل خاص كان لي الملاحظات التالية:
- كما نُظر إلى الراديو وكأنه عبارة عن شيطان في بداية اختراعه وأنّ الآلة الحاسبة تعطّل التفكير، كذلك يرى البعض اليوم أن تقنيّة الذكاء الاصطناعي تعطّل العمل البحثي، في حين أن الراديو أصبح أداة مهمّة للتواصل، والآلة الحاسبة أصبحت أداة ضرورية في عدد كبير من العمليّات الحسابيّة حتى في الإمتحانات الرسمية.
- إن ChatGPT هو عبارة عن “مساعد أو سكريتير مجتهد” يساعدنا في إنجاز أعمالنا البحثيّة. بالتأكيد هو لا يمكنه القيام بكل هذه المهام وحده كوننا نحن من “نقرّر” قبول أو رفض ما يقدّمه لنا من معلومات؛ فإذا كان قرارنا باختيار المعلومات التي يقدّمها خاطئاً ولا يخدم هدف بحثنا فسيكون عملنا فاشلاً، وهذا هو الأهمّ.
أوليس هناك عدد كبير جداً من الباحثين الذين لديهم فريق يتابع بدءاً من خطوة العمل الحقلي إلى الكتابة فالتدقيق اللغوي، وهم من يأخذون القرار بقبول ما يقوم به هذا الفريق أو رفضه؟ هذه الأداة تقوم هي اليوم بمعظم مهام هذا الفريق وتتيح الفرصة لأعضائه بالإرتقاء إلى مستوى أخذ القرار بدلاً من السيطرة عليهم من قِبل الباحث الذي يقيّد من يشاء من الفريق البحثي بحسب أهوائه.
- شئنا أم أبينا، وبدون مزايدات وفلسفة الغوص في المخاطر، ستصبح هذه الأداة أساسيّة في حياتنا وعلينا التأقلم معها؛ فكما أنّ الآلة الحاسبة مثلاً تقوم بالعمليات الحسابيّة التي نمليها عليها ويمكن أن تكون المسألة الحسابية بمجملها خاطئة إذا لم نحسن التفكير وأخذ القرار بنتائجها، كذلك ChatGPT يقدّم الأفكار ويكتب ويدقّق لغويّاً بحسب الأطر العامّة التي نضعها له وعلينا الإختيار. وهنا تكمن الصعوبة و”الشطارة” وليس في ما كانت تقوم به مجموعة من المساعدين الذين يقدّمون أعمالهم للباحث ليختار وينشر.
- مخطئ من يظن أن هذه الأداة يمكنها القيام بكل شيء، ذلك لأن الخطوة النهائية هي للباحث. فإذا كان الباحث يجمع المعلومات ويحلّل ويأخذ القرار، فلم يعد مطلوباً منه اليوم سوى اتخاذ القرار ما يتيح له التفكير في تحدّيات أكبر وأعمق، وهو، كما ذكرنا، التحدي الأكبر له.
بينما يثير الذكاء الاصطناعي تساؤلات حول دوره وتأثيره، تظل إمكانياته الهائلة في دعم الذكاء البشري وتطويره أمراً لا يمكن إنكاره. إن العلاقة بين الإنسان والآلة ليست منافسة، بل تكامل يسهم في تعزيز قدراتنا ويدفع البشرية نحو مستقبل أكثر إشراقاً. هذا التطوّر لا يبطئ ذكاء البشر إنّما هو نتيجة لتطوّره، وإذا راقبنا منحنى الذكاء منذ آلاف السنوات حتّى اليوم، سنلاحظ أنّه في تطوّر مستمرّ… نحو الأفضل.