بقلم: السفير الدكتور هشام حمدان
مهما كابرت جماعة ما يسمّى “مقاومة” في لبنان، فإنّ الأشهر القليلة المقبلة، ستفرض عليها تجرّع الكأس المرّ. إنتهى زمن تقاطع المصالح. قلنا ونقول أنّ حلم سياسيي وقادة ومفكّري إيران في لبنان، للتّوصل إلى اتّفاق آخر على غرار ما حصل عام 2006، يرفعون بعده شارة النّصر بحجّة الصّمود، فيعاودون بناء قواهم، قد انتهى. لذلك، طالبنا ونطالب بوقف بازار القرار 1701، والعودة الى اتّفاق الهدنة. أيّ اتّفاق آخر، يجب أن يرسم طريق الغد، وليس أن يصلح أضرار الأمس فقط.
آن لنا أن ندرك وأن نعلن للعالم بأنه كفى جعل لبنان ضحيّة حروب وتنافس المصالح في الشّرق الأوسط. هذا الوطن الصّغير الذي خانته الدّول الدّيمقراطيّة الحرّة فسقط صريع التزامه الدّيمقراطيّة والحرّيّات العامّة. دفع أثماناً باهظة وما زال. كم نأسف لوقوع غبطة البطريرك، والمطارنة في خطأ التّقدير، فيطالبون مثل السّياسيّين بتنفيذ القرار 1701، الذي هو إعدام مطلق لسيادة لبنان، ودور الدّولة والجيش. هذا القرار يعني إعادة الحياة لقوى الأمر الواقع، ولو ضمن شروط، ممّا يبقي لبنان السّاحة المفتوحة أمام أيّ تطوّر مستقبلي في لعبة المصالح.
المطلوب، لا بل المفروض، هو العودة الى اتّفاق الهدنة المعتمد وفقا للمادّة 40 من الفصل السّابع، واتّخاذ قرار جديد من قِبل مجلس الأمن مبنيّ على هذه المادّة، لفرض الإلتزام به. بمعنى آخر، يجب تعزيز قوّة الجيش بقوّة ضاربة من أجل وقف كلّ الإنتهاكات لإتّفاق الهدنة. العلاقة مع الإحتلال الإسرائيلي يجب أن تتم من خلال ميكانيكيّة إتّفاق الهدنة، وليس من خلال ميكانيكيّة القرار 1701. تطبيق اتّفاق الهدنة يخرج العامل الإسرائيلي من لعبة المصالح على أرضنا، ويكشف حقيقة وأهداف اللّاعبين الآخرين.
أمّا بالنّسبة إلى سحب أسلحة كلّ الميليشيات، بما في ذلك أسلحة حركة “أمل” التابعة للرئيس نبيه برّي، و”حزب الله” التابع لإيران، فعلينا تنفيذ اتّفاق الطائف. قد نحتاج إلى قوّة دوليّة لمساعدة قوانا الأمنية بهذا الصّدد، لكنّ هذا الأمر سيختلف عن القوّة في الجنوب. فبينما يتمّ انتشار القوّة الدّوليّة في الجنوب إلى جانب الجيش وفقا للمادّة 40 من ميثاق الأمم المتّحدة، يتمّ انتشار القوّة الدّوليّة في المناطق الأخرى داخل لبنان، تحت عنوان “بناء السّلام بعد النّزاع”، الذي تبنّاه مجلس الأمن عام 1994.
نحن بحاجة إلى رئيس وحكومة تنقل بلدنا الى مرحلة الشّرق الأوسط الجديد. سنشهد قريباً مشاريع دول عربيّة أخرى للسّلام مع إسرائيل. وسنشهد ضغوطا على لبنان للسّير قدماً في عمليّة السّلام. الإنتقال إلى هذه المرحلة الجديدة يبدأ بالعودة إلى اتّفاق الهدنة، لا للقرار 1701. هذا الإتّفاق وضع لنا حقوقاً ثابتة لا سيّما بشأن حدودنا البرّيّة، كما أنّه يحمي بلدنا من تلك الضغوط ومن أثمان مغامرات ما يسمّى “مقاومة ضدّ التّطبيع”، وكذلك من الأثمان التي سيقبضها على حسابنا السّياسيّون الذين سيبيعون لبنان للحفاظ على مكتسباتهم.
نحن ندرك دور إيران وتأثيرها على أهلنا مادّيّاً ومعنويّاً. لا مجال لوقف تدخّلها دون إجراءات ضاغطة عليها. لا نتوقع، بلّ لا يجب أن ننتظر خدمات أميركيّة أو إسرائيليّة بهذا الصّدد. أميركا وإسرائيل تختلفان مع إيران في توزيع المغانم لا أكثر. لذلك، أكّدنا أنّه من الضّروري ملاحقة إيران أمام القضاء الدّولي بجريمة العدوان، ومطالبتها بالتّعويض عن كلّ الأضرار التي أصابت بلدنا من جرّاء تدخلها في شؤوننا الدّاخليّة.
نحن لا نؤمن بالسّياسيّين التّقليديّين الذين يحكمون بلدنا الآن. هؤلاء فقدوا شرعيّتهم بفسادهم، وتواطؤهم، وصمتهم، وغدرهم بمصالح الوطن. شعاراتهم وبياناتهم الأخيرة لا معنى لها، أشبه ببيانات الإعلاميّين والصّحفيين. فمهما حملت بياناتهم من مواقف، تبقى كلمات يذريها الرّيح ولن تتحوّل إلى تحرّكات عمليّة تثبت القول بالفعل. نطالب القوى الثّوريّة التي ثارت في تشرين الأوّل/أكتوبر 2019، أن تحمل هذا المشعل وتتحرّك.