الأربعاء, مايو 21, 2025
14.1 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

إصدارات أسبوعية

رواية “الأخيب”: رحلة سردية في متاهات النفس والوجود

بلال المصري لـ"الحرة": "الأخيب" ليست رواية جريمة… بل مواجهة مع الذات والمجتمع

جريدة الحرة

كارين عبد النور

في عمله الروائي الجديد “الأخيب”، يواصل الكاتب بلال المصري استكشاف أعماق النفس البشرية، في رواية تتجاوز الحبكة التقليدية لتطرح أسئلة وجودية وإنسانية قلقة. التقته جريدة الحرة للحديث عن هذه الرواية التي تمزج بين النفسي والاجتماعي، وتعيد مساءلة حدود الوعي واللاوعي في السرد.

  • روايتكم “الأخيب” تبدأ من جريمة قتل، لكنها لا تستقر في خانة الرواية البوليسية. إلى أي نوع سردي تنتمي في نظركم؟

صحيح، الرواية تنطلق من لحظة عنف شديدة — جريمة قتل الأب — لكنها لا تهدف إلى استكشاف الجريمة بقدر ما تهدف إلى استكشاف أثرها النفسي والاجتماعي. “الأخيب” ليست رواية جريمة، بل هي رواية عن الخذلان، التهميش، والبحث عن المعنى وسط عالم ينهار. هي أقرب إلى سردية وجودية منها إلى تصنيف أدبي تقليدي.

  • تدور الرواية حول شخصيتين محوريتين: فريد وسعيد. كيف تتقاطع مصائرهما؟

فريد يعيش في ظلال جريمة ماضية، وسعيد يرزح تحت وطأة واقع حاضر. كلاهما ضحيتان لواقع اجتماعي مأزوم، لكن كلٌّ منهما يختار طريقًا مختلفًا في مواجهته. التقاطع بينهما يُنتج توترًا دراميًا، ويكشف أن الهروب من الماضي لا ينقذ من السقوط، كما أن الغرق في الحاضر لا يمنح خلاصًا. إنهما وجهان لصراع طبقي، نفسي، ووجودي في آن.

  • ثمة حضور رمزي لافت في الرواية: البحر، المزهرية، الظلام… كيف تتعاملون مع الرمزية في السرد؟

الرمزية بالنسبة لي ليست ترفًا بل ضرورة. لا أستخدم الرموز لتجميل اللغة بل لتكثيف المعنى. البحر في الرواية، مثلًا، ليس فقط فضاءً جغرافيًا، بل مساحة للتطهر والانمحاء. المزهرية التي تتحطم في طفولة فريد وتعود لاحقًا في مواجهته مع سعيد، هي دائرة العنف التي لا تنكسر. أما الظلام والنور فهما ثنائيتان سرديتان تعكسان التوتر النفسي وتحوّلات الشخصيات.

  • وماذا عن الشخصيات النسائية؟ هل كانت رهام، جميلة، ودولت شخصيات رمزية أيضًا؟

لكل واحدة منهن وظيفة سردية ووجدانية. رهام تمثل الحب المستحيل، الضائع بين التردد والقدر. جميلة شخصية مركّبة، فيها شيء من المرأة الحرة والانتقامية في آن، تنكسر وتنهض. أما دولت فهي الصوت الصامت للمرأة المقموعة، ضحية السياق الاجتماعي أكثر من خياراتها. النسوة في “الأخيب” لسن زينة، بل مكونات أساسية في بنية الحكاية والتوتر الأخلاقي.

  • الرواية مشبعة بالقلق، وكأنها مرآة لفترة معينة. هل كنتم تكتبون من موقع السرد، أم من موقع النقد الاجتماعي؟

كلاهما. أكتب لأفهم نفسي والعالم من حولي. الرواية ليست خطبة سياسية، لكنها لا تنفصل عن واقعها. البطالة، انهيار القيم، تآكل العلاقات، وحتى الاستلاب الطبقي —  كلها حاضرة في الرواية، لكن دون شعارات. أنا أترك للقارئ أن يكتشف ذلك من خلال الشخصيات والحوارات والمآلات.

  • اللغة في “الأخيب” شديدة التوتر. هل هي انعكاس للحالة النفسية، أم خيار أسلوبي واعٍ؟

التوتر في اللغة كان ضرورة، لأنه انعكاس لتوتر العالم الداخلي للشخصيات. أردت أن تكون الجمل قصيرة، مقطّعة أحيانًا، مشحونة غالبًا، لتكون أقرب إلى نبض الكائن حين ينهار أو يتمرد أو يشتهي أو ينتقم. هناك وعي بالأسلوب، نعم، لكن هناك أيضًا انقياد لمزاج الرواية، للحظة النفسية، وهذا ما يمنح اللغة صدقها.

  • هل يمكن القول إنكم تراهنون على القارئ المتأمل، لا القارئ المستهلك؟

بالتأكيد. أنا أكتب لقارئ لا يبحث عن أجوبة جاهزة، بل عن أسئلة مقلقة. القارئ الذي لا يهاب الغموض، ولا يطلب نهاية مريحة، بل يشارك الكاتب في تفكيك المعنى وإعادة تركيبه. “الأخيب” لا تقدّم حلًا… بل تفتح الجرح كي نراه.

  • “الأخيب” رواية معقّدة البنية، تتجاوز الحكاية لتقدّم مرآة مشروخة للواقع العربي المعاصر. كيف ترون علاقتكم بالواقع في عملكم الأدبي؟

الواقع دائمًا هو نقطة انطلاق، لكنه لا يمكن أن يكون الهدف النهائي. في “الأخيب”، أردت أن أقدّم صورة مشوّهة لكنها صادقة عن عالمنا، عالم مليء بالأسى، لكنه مشحون أيضًا بتساؤلات فلسفية حول الحياة والموت، والحب والخلاص. الواقع لا يُقدّم في الرواية كشعار، بل كتفاصيل تتناثر بين جروح الشخصيات، وتحوّلاتهم النفسية. الرواية هي مرآة مشروخة، لأنها لا تُظهر الواقع كما هو بل كما يراه الأشخاص الذين يعانون من تبعاته.

  • ماذا عن التقنيات المستخدمة مثل الاسترجاع الفني (الفلاش باك)، هل كانت لها وظيفة سردية أم هي مجرد أداة للغموض؟

الاسترجاع الفني أو الفلاش باك هو أداة فنية لفتح أبواب الماضي وتحليل تأثيره على الحاضر. في حالة “فريد”، مثلًا، العلاقة المعقّدة مع والديه، وحادثة القتل، كلها مفاتيح لفهم تحولاته النفسية. الفلاش باك ليس فقط لتقديم المعلومات بل لتسليط الضوء على تأثير الأحداث الماضية على الشخصية وتفاعلها مع الواقع المضطرب الذي تعيشه. هو ليس أداة غموض، بل وسيلة لفهم البناء الداخلي للشخصيات.

  • إذا نظرنا إلى الرواية من منظور اجتماعي، نجد أنها تطرح العديد من القضايا مثل البطالة، الفساد، والعنف الأسري. كيف تعاملتم مع هذه القضايا دون الوقوع في فخ التقريرية؟

بالنسبة لي، المباشرة في تناول القضايا الاجتماعية قد تكون قاتلة للعمل الأدبي. حاولت أن أقدّم هذه القضايا ضمن حبكة روائية تسحب القارئ إلى أعماق الشخصيات بدلاً من أن أقدّمها كقائمة من التهم. المجتمع في “الأخيب” هو خلفية حيّة وشخصية، وليست مجرد موضوع. أردت أن أُظهر الواقع الاجتماعي كعنصر نفسي معقّد، وليس مجرد ساحة للنقد أو الشكوى. القارئ يجب أن يشعر بأن هذه القضايا موجودة في الحياة اليومية، وأنها جزء من النزاع الداخلي لكل شخصية.

  • بعض النقاد يرون أن الرواية مشبعة بالسوداوية والقلق الوجودي. هل تعتقدون أن هذا جزء من جاذبية العمل، أم أنه عائق أمام بعض القراء؟

السوداوية ليست نهاية المطاف. إنها تمثّل حالة ذهنية أو عالمية معينة، وليس موقفًا ثابتًا. أعتقد أن القلق الوجودي جزء لا يتجزأ من الطبيعة البشرية، لكنني لا أقدّمه كرسالة سلبية بل كدعوة للتفكير والتساؤل. ربما تكون القراءة الأولى محمّلة بتلك السوداوية، لكن إذا عدت إلى النص أكثر من مرة، ستكتشف أن الرواية لا تقدم الجواب، بل تُعلّم القارئ كيف يتعايش مع الأسئلة.

هل تجدون أن الرواية تشكّل مرآة للمجتمعات العربية المعاصرة؟

بكل تأكيد. المجتمع العربي، في الرواية، يُقدّم كنظام متشابك مليء بالضغوط الاجتماعية والسياسية. يتقاطع الفقر، البطالة، الفساد، صراع الأجيال مع جمود الواقع الذي نعيشه. في “الأخيب”، تجد الشخصيات تائهة في ماضيها وحاضره، وهذا جزء من حالة التراجع التي يعيشها الكثير من الشباب في العالم العربي. هي مرآة للواقع العربي الذي يُحاول أن يتقدم ولكنه مُثقل بشواغل الماضي وصراعاته.

  • في الختام، هل تعتبرون “الأخيب” عملًا يفرض على القارئ إعادة التفكير في حياته؟ وبعد “الأخيب”، هل تفكّرون في الاستمرار في المسار نفسه؟

نعم، وهذا ما أطمح إليه دائمًا. الأدب ليس هدفه مجرد تسلية أو ترفيه، بل يجب أن يطرح أسئلة. “الأخيب” هي دعوة للقارئ ليشترك في عملية التفكير العميق. يجب أن يخرج القارئ من العمل الأدبي وهو يطرح أسئلة على نفسه، وعلى العالم. إذا تحقق هذا، فالرواية كانت ناجحة.

أما المسار فيتشكّل من تلقاء نفسه. لا أخطط لرواية من النوع الفلاني. أنا أستمع لنبض داخلي، وأصداء العالم من حولي. إن أتت رواية جديدة، ستولد من قلق جديد، ربما أكثر عمقًا… أو أكثر صمتًا.

بلال المصري في سطور

بلال المصري، كاتب وشاعر لبناني من مواليد مدينة طرابلس عام 1974. من أعماله الروائية: “الجدران تتعرى لظلي” – مؤسسة أروقة الثقافية في القاهرة 2014؛ و”الأخيب” – دار يالدز للطباعة والنشر، قطر تركيا 2024.

أما في الشعر، فقد أصدر العديد من الدواوين منها: “عتم المرايا” – دار الكنوز الأدبية، بيروت 2004؛ “تصاعد الياسمين كالرصاص” – دار الغاوون، بيروت 2012؛ “خفيفاً كزيت يضيء” – شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت 2016؛ “أسماؤكِ كثيرة خبزنا قليل” – دار الوطن اليوم، الجزائر 2020؛ “يسحق رأسه بحجر الذكريات” – دار التكوين، 2024 (سلسلة إشراقات التي يشرف عليها ويختارها أدونيس).

عمل الفنان الخطاط مرتضى الجصاني على مجموعة كبيرة من نصوص المصري وحولها إلى لوحات فنية.

من أعماله المسرحية: “صراخ الجثة”، “توارَيت كي لا أختفي”، “رحلة إلى المريخ”، “المراكب”. واختيرت العديد من نصوصه الشعرية لتكون ضمن الأنطولوجيات الشعرية مثل: “بوسع قلبي” – أنطولوجيا باللغة البولندية عام 2007 ترجمها الدكتور يوسف شحادة؛ “قلائد الذهب” – أنطولوجيا باللغتين الإنجليزية والرومانية عام 2008 ترجمها منير مزيد؛ “شعراء لبنان الراهن” – أنطولوجيا ترجمتها الشاعرة صباح زوين إلى الفرنسية عام 2009؛ “مدخل إلى الشعر العربي” – ترجمها إلى الإنجليزية والرومانية منير مزيد عام 2010؛ “من مدريد إلى السماء” – أنطولوجيا مترجمة من لغات مختلفة إلى الإسبانية وضمت كبار شعراء العالم صدرت خلال مهرجان مدريد عام 2016؛ “أنطولوجيا أوديسي” – صادرة عن مهرجان أوديسي في رومانيا 2020؛ “أنطولوجيا أمواج المتوسط طريق الحرير” – 2021.

كما شارك المصري في العديد من الأمسيات والمهرجانات الشعرية في لبنان وخارجه. حصل على جائزة أفضل نص مسرحي في مهرجان سيدي قاسم الدولي 2015 (المغرب)، وكانت مسرحيته “توليت” ضمن القائمة القصيرة لأفضل عشرين نص في جائزة الهيئة العربية للمسرح 2014. كما نال جائزة الشعر من الصين (Certificat Poetry Collection Award of the 2023 “Zheng Nian Cup” National Literature Prize)، ودخل القائمة القصيرة جداً لجائزة 22 literature prize 20 KM Anthru International  في الهند.

 

https://hura7.com/?p=51946

الأكثر قراءة