خاص – في حين تبقى حرب أوكرانيا في دائرة الضوء، فإن الرئيس فلاديمير بوتين يضع بهدوء الأساس لصراع محتمل مع حلف شمال الأطلسي، كما تشير التقارير. وتعمل روسيا على توسيع وجودها العسكري على طول أجزاء من حدودها مع الغرب، كما على زيادة إنفاقها العسكري بوتيرة قياسية، وتكثف عملياتها الهجينة ضد الغرب.
قال الأدميرال الهولندي روب باور، رئيس اللجنة العسكرية لحلف شمال الأطلسي، في بروكسل في يناير 2025، إن الحلف يجب أن “يتوقع ما هو غير متوقع” وأن يستعد للهجوم الروسي. وفي الوقت نفسه، حذر مسؤولون استخباراتيون وعسكريون خلال العام 2025 من أن الدول الأعضاء في الحلف يجب أن تكون مستعدة لصراع محتمل مع روسيا.
التحركات العسكرية الروسية
تعمل روسيا تعمل على توسيع وجودها العسكري على طول حدودها مع فنلندا والنرويج استعداداً لمواجهة محتملة مع التحالف العسكري. ويخطط الكرملين لإنشاء مقر جديد للجيش في مدينة بيتروزافودسك الروسية، على بُعد حوالي 160 كيلومتراً شرق الحدود الفنلندية، والذي سيشرف على عشرات الآلاف من الجنود على مدى السنوات القليلة المقبلة. وسيتم نشر العديد من هذه القوات في المنطقة بعد انتهاء الحرب في أوكرانيا.
تعمل روسيا على تكثيف التجنيد العسكري وتسريع إنتاج الأسلحة. وأوضح خبراء عسكريون روس إن الحشد العسكري على طول الحدود الفنلندية هو على الأرجح جزء من استعدادات أوسع نطاقاً للرئيس بوتين لصراع محتمل مع حلف شمال الأطلسي.
يقول رسلان بوخوف، مدير مركز تحليل الاستراتيجيات والتقنيات، وهو مركز أبحاث دفاعي مقره موسكو: “عندما تعود القوات من أوكرانيا ستنظر عبر الحدود إلى دولة تعتبرها خصماً”. وأضاف: “منطق العقد الماضي يُظهر أننا نتوقع صراعاً مع حلف الناتو”.
هناك مؤشرات على أن روسيا بدأت تمنع نشر المعدات التي أنتجتها مؤخراً في أوكرانيا، وأنها بدلاً من ذلك تعيد توزيع بعض أفرادها على مناطق أخرى، بما في ذلك دول البلطيق ودول الشمال الأوروبي، وفقاً لما يقوله إدوارد أرنولد، زميل بارز في معهد الخدمات الملكية المتحدة (RUSI).
ويلفت أرنولد: “إن هذا النشاط أبعد ما يكون عن التصعيد. فالعديد من الوحدات المتمركزة عادةً في الشمال أصبحت غير فعّالة قتالياً أثناء القتال في أوكرانيا، لذا فإن هذا النشاط الروسي يُعيد التوازن ويُعيد تمويل القوات المفقودة. وهذا يُشير إلى أن روسيا بدأت بالفعل في النظر إلى ما وراء أوكرانيا”.
تحذيرات استخباراتية ألمانية وليتوانية ودنماركية
دقّت أجهزة الاستخبارات الألمانية ناقوس الخطر من أن طموحات روسيا تتجاوز أوكرانيا. وحذّر تقرير صادر عن جهاز الاستخبارات الفيدرالي الألماني (BND) في مارس 2025 من أن بوتين يُجهّز لصراع مع حلف شمال الأطلسي. وبحسب تقييم جهاز المخابرات الألماني، فإن روسيا قد تكون مستعدة تماماً لـ”حرب تقليدية واسعة النطاق” بحلول عام 2030.
وجاء في التقرير أن “روسيا ترى نفسها في صراع منهجي مع الغرب وهي مستعدة لتنفيذ أهدافها الإمبريالية من خلال القوة العسكرية، حتى خارج أوكرانيا”. وقدر جهاز الاستخبارات الليتواني أن موسكو قد لا تكون مستعدة بعد لشن هجوم واسع النطاق على التحالف، ولكنها قد تحاول “اختبار حلف شمال الأطلسي” من خلال عملية عسكرية محدودة ضد دولة أو أكثر من الدول الأعضاء لقياس مدى جدية الحلف في الوفاء بالتزاماته الدفاعية الجماعية.
إن أي هجوم من جانب روسيا على أي عضو في حلف شمال الأطلسي من شأنه أن يؤدي إلى تفعيل المادة الخامسة من ميثاق الحلف، والتي تنص على أن أي هجوم على دولة عضو واحدة سوف يقابل بردّ جماعي. كما حذّر جهاز الاستخبارات الدفاعية الدنماركي (DDIS) في فبراير 2025 من أن روسيا قد تكون مستعدة لشن “حرب واسعة النطاق” في أوروبا خلال السنوات الخمس المقبلة. وأضاف أنه “لا يوجد أي تهديد بهجوم عسكري منتظم على المملكة”، إلا أنه من المرجح أن “يتزايد التهديد العسكري الروسي خلال السنوات المقبلة”.
زيادة الإنفاق العسكري
يتزايد الإنفاق العسكري الروسي بوتيرة قياسية، ومن المتوقع أن يصل إلى نحو 120 مليار يورو عام 2025، أي أكثر من 6% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. هذا مقارنةً بنسبة 3.6% قبل الحرب. ومن المقرر أن يتوسع الجيش الروسي إلى 1.5 مليون جندي، في حين من المتوقع أن ينمو حجم الأسلحة والمعدات المتمركزة على طول حدود حلف شمال الأطلسي بنسبة 30-50 في المائة. وبحسب تقرير التوازن العسكري الذي أصدره المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في فبراير 2025، فإن الإنفاق العسكري الروسي تجاوز نظيره الأوروبي.
أنشطة التجسس والتخريب
دقّ الغرب ناقوس الخطر إزاء تزايد النشاط العسكري الروسي قرب كابلات الاتصالات البحرية الرئيسية. وتتزايد المخاوف بين أعضاء حلف شمال الأطلسي من أن يستهدف بوتين الكابلات البحرية والبنية التحتية الحيوية لأنظمة الاتصالات العالمية. على سبيل المثال، عبرت سفينة شحن روسية فوق كابلات اتصالات بحرية في المحيط الهادئ لأسابيع، مما أثار مخاوف من احتمال وقوع عمليات تخريب روسية. وقد يؤدي قطع خطوط الاتصالات البحرية الرئيسية إلى شلل الاتصالات وتعطيل الاقتصادات العالمية، وهي خطوة من شأنها أن تخدم المصالح الروسية في أي حرب مستقبلية مع حلف الناتو.
وفي أبريل 2025، رفض السفير الروسي لدى المملكة المتحدة أندريه كيلين نفي التقارير الإعلامية التي تفيد بأن روسيا تتعقب الغواصات النووية الروسية في البحار المحيطة ببريطانيا. وتشن روسيا حملة متصاعدة وعنيفة من التخريب والتخريب ضد أهداف أوروبية وأمريكية في أوروبا، بحسب تقرير نشره مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في مارس 2025.
وأشار التقرير إلى أن عدد الهجمات الروسية في أوروبا تضاعف تقريباً بين عامي 2023 و2024، بعد أن سبق وتضاعف بالفعل بواقع أربع مرات بين عامي 2022 و2023. وجاء في التقرير أن “البيانات تشير إلى أن روسيا تشكل تهديداً خطيراً للولايات المتحدة وأوروبا، وأن الحكومة الروسية، بما في ذلك الرئيس بوتين، لا يمكن الوثوق بها”.
كيف يستجيب حلف شمال الأطلسي؟
مع تزايد قلق الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي بشأن الأمن الجماعي لأوروبا، دعا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الدول الأوروبية إلى زيادة إنفاقها الدفاعي بشكل كبير. واقترحت المفوضية الأوروبية في مارس 2025 تخصيص حوالي 800 مليار يورو (867 مليار دولار) من التمويل لتخصيصها للإنفاق الدفاعي الإضافي.
وقامت ليتوانيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، بتحصين جسر قرب حدودها مع روسيا بأهرامات خرسانية مضادة للدبابات واستُخدمت هذه الهياكل لأول مرة خلال الحرب العالمية الثانية، وهي تعيق تقدم الدبابات والمشاة الآلية. وجاء ذلك في أعقاب إعلان مماثل من جارتها لاتفيا.
كما ذكر روجر هيلتون، الباحث في شؤون الدفاع في مؤسسة غلوبسيك البحثية ومقرها سلوفاكيا، “إن دول البلطيق عازمة على ضمان عدم تكرار ما حدث لأوكرانيا”.
حذّر الأمين العام لحلف الناتو، مارك روته، بوتين في مارس 2025 من ردّ “مدمر” في حال هاجمت موسكو أياً من أعضاء الحلف. وأكد روته: “إذا أخطأ أحدٌ في حساباته وظنّ أنه يستطيع الإفلات من العقاب بهجوم على بولندا أو أي حليف آخر، فسيُواجَه بكلّ قوة هذا التحالف. سيكون ردّ فعلنا مدمراً. يجب أن يكون هذا واضحاً لفلاديمير بوتين وأي شخص آخر يُريد مهاجمتنا”.