الخميس, نوفمبر 6, 2025
23.4 C
Beirut

الأكثر قراءة

إصدارات أسبوعية

زياد… إبن النَّاس وأبوهم!

زياد الصّائغ

 

جريدة الحرة ـ بيروت

إمتَشَق كلِمَتهُ واللَّحن وارتَحَل. هُناك حيث لا حُزن ولا وَجَع سيُقيم. زياد الرَّحبانيّ، بفيروزيّته العاصِيَة على التأطيرِ المكانيّ والزمانيّ، غادر لبنان الذي أحبَّ وانتَقَد، في فِعلِ انتِماءٍ خالِص. أحبَّ زياد لبنان حتى ثمالة تحويلِ المأساة، التي عايَشها ويُعايِشُها شَعبُه، إلى كوميديا ساخِرة . ما كانت كوميدياهُ السَّاخِرة تبسيطًا تفصيليًّا تتوسّل الإضحاك. الإضحاكُ عندَ زياد تمريرٌ لأمثولاتٍ بنيويَّة في امتِداداتِ الأمراض التي تعتري تركيبتهُ الشَّعبيَّة قبل تِلك السّياسيّة. قَدرُ زياد المُتميِّز أن ينبريَ لتفكيك عِقد السيكولوجيا اللّبنانيّة، من هشاشَةِ الانتِماء الوطنيّ، إلى تغوُّلِ الطّائفيّة، خُلُوصًا إلى تقاطُعاتٍ نافِرة وتناقُضاتٍ، بين من عاثُوا في البِلاد والعِباد فسادًا، ما بَعدُه إفْساد.

من غير المُنصِف بمكان، تصنيفُ زياد في خانَة السّياسيّ، أو عبقريّ الفنّ المتكامِل من المَسْرحِ، إلى الشِّعر المغنَّى، والموسيقى الهائِلة التّماوج. الإنصاف يقتضي فَهْم الخلفيَّة النَّقديَّة التي أتى منها بصَراحةٍ لا التِباس فيها. لَيْسَت الخلفيَّة عقائديَّة، بِقَدْر ما هي مُلتصِقةٌ بجدليَّة التَّاريخ. قد نختلِف مع هذه الخلفيَّة، أو نتَّفِق، لكنَّها في عُمْقِها، والحقّ يُقال، غاصت في تفاصيلِ اعتِوارات الشّخصيّة اللّبنانيّة بِهَدَف تصويب مفاهيم، وتصحيح مسارات. حقُّ كلّ إنسان أن يَطلَّ على الحِراك السّياسيّ من أيّ موقع. كذا هو الالتِزامُ الأخلاقيّ في السّعي للتأثير على مُعادَلة تأصيل الهُويَّة الوطنيّة، وترسيخِ صيرورة تشييد عمارة دَوْلةٍ، يكونُ فيها الإنسان مِحورًا مؤنسِنًا بِكَسْر السّين وفَتْحِها. الإنسان بالقانون. الدّولة بالدّستور.

في هذا السّياق الإشكاليّ، يتَّضحُ أنَّ زجَّ زياد في انعِطافات التضَادّ بين اليسارِ واليمين، لَهُو أقْرَب إلى اللّهو بمسلّماتٍ قادِرَة على تفجير الفِكْر النّقديّ أو الإفادة مِنْه على حدٍّ سواء. من هُنا يتَّضحُ، ودون أيّ اختزالٍ، يتَّضحُ كم كان هذا العِمْلاق الفكر-فنيّ ضنينًا بقَوْل الحقيقة التي يعتنِقُها بحريَّة غير منضَبِطة، حاملًا أوجاعَ النَّاس، وزيفَ المجتمع، وكذبة الدَّوْلة، مُهاجِمًا اللَّادَوْلة إذ هي نقيضُ النّظام بالانتِظام.

في عُرْف زياد الرَّحبانيّ، بفيروزيّتِه العاصِيَة على التأطير المكانيّ والزَّمانيّ، أنّ قِيامَة الدّولة لا تستقيم سوى بمواطنةٍ مُعلْمَنَة. هذه الأخيرة نَحْرٌ للّاسيادة وانتِصارٌ للنَّاس. النَّاس المواطنون هُمْ الأَصْل. أولم يكُن زيادُ إبْنَهُم وأبوهم؟ زياد الرّحباني حقيقة لم يفهمها أحدٌ ولن.

https://hura7.com/?p=62894

الأكثر قراءة