جريدة الحرة
خاص ـ أعرب مفوض الدفاع والفضاء في الاتحاد الأوروبي، أندريوس كوبيليوس، عن ترحيبه باهتمام متزايد من دول من خارج التكتل الأوروبي بالانضمام إلى برنامج الفضاء الأوروبي الطموح IRIS²، والذي يهدف إلى إنشاء شبكة أوروبية مستقلة وآمنة للاتصالات عبر الأقمار الصناعية.
أكد كوبيليوس في تصريحات رسمية: “إن دولًا من خارج الاتحاد الأوروبي، مثل النرويج وأوكرانيا والمملكة المتحدة، قد تنضم في المستقبل إلى شبكة الأقمار الصناعية للاتصالات الآمنة IRIS²، والتي تمثل بديلًا أوروبيًا استراتيجيًا لشبكة ستارلينك التي يملكها الملياردير الأميركي إيلون ماسك”.
المشروع أحد أهم مبادرات الاتحاد الأوروبي في مجال الفضاء
يُعد هذا المشروع أحد أهم مبادرات الاتحاد الأوروبي في مجال الفضاء، ويهدف إلى تعزيز قدرات أوروبا في مجالات الأمن السيبراني والسيادة الرقمية، لا سيما في ظل الاعتماد المتزايد على أنظمة الاتصالات الفضائية في العمليات العسكرية والمدنية على حد سواء.
بينما بدأت النرويج بالفعل محادثات متقدمة مع المفوضية الأوروبية بشأن الانضمام الرسمي إلى هذا المشروع الطموح، لم تبدأ أوكرانيا ولا المملكة المتحدة حتى الآن مفاوضات رسمية مماثلة. ومع ذلك، يُنظر إلى كلا الدولتين على أنهما مرشحتان محتملتان بارزتان للانضمام، نظرًا لموقعهما الاستراتيجي وتجربتهما في قطاع الفضاء.
في السياق الأوكراني، كانت كييف قد اعتمدت بشكل كبير على شركة “سبيس إكس” الأميركية، المملوكة لإيلون ماسك، في تأمين خدمات الاتصالات لقواتها المسلحة منذ بداية حرب أوكرانيا في فبراير 2022. وقد ساعدت شبكة “ستارلينك” في توفير تغطية اتصالات حيوية في ظل التهديدات الروسية للبنية التحتية الأرضية، ما عزز دور الأقمار الصناعية في النزاعات العسكرية المعاصرة. ومع ذلك، فإن هذا الاعتماد خلق حالة من القلق داخل الأوساط الأوروبية بشأن حجم النفوذ الذي باتت تتمتع به شركة خاصة أميركية واحدة في قطاع حيوي مثل الاتصالات الفضائية، وخاصة في المناطق الجيوسياسية الحساسة.
مشروع IRIS² البديل المناسب لتقليل الاعتماد على “ستارلينك”
يرى مسؤولون أوروبيون أن مشروع IRIS² قد يُشكّل البديل المناسب لتقليل الاعتماد على “ستارلينك”، وذلك من خلال بناء شبكة أوروبية خالصة تمتاز بالأمان والاستقلالية، وتُدار وفقًا لمعايير الحوكمة الأوروبية. ووفقًا لتقديرات المفوضية الأوروبية، من المتوقع أن تبلغ التكلفة الإجمالية لهذا المشروع حوالي 10.6 مليارات يورو، وسيتكوّن النظام عند اكتماله من نحو 280 قمرًا صناعيًا. ومن المزمع أن يبدأ المشروع عملياته التشغيلية على نطاق واسع خلال ثلاثينيات القرن الحادي والعشرين.
ولدى سؤاله عن موقفه من انضمام دول من خارج الاتحاد الأوروبي إلى برنامج IRIS²، أوضح المفوض كوبيليوس أنه منفتح على هذه الفكرة، قائلًا: “لن أعارض انضمام دول غير أعضاء في الاتحاد، بل أرى أن تعاونًا كهذا يمكن أن يعزز المشروع”. وأضاف في سياق حديثه: “المملكة المتحدة تملك تاريخًا طويلًا وحافلًا في مجالات علوم وتكنولوجيا الفضاء، كما أن أوكرانيا لا تزال تملك خبرات هندسية وتقنية كبيرة، بعد أن كانت في الحقبة السوفيتية مركزًا رئيسيًا لصناعات الفضاء، وهذه الإمكانيات يمكن أن تضيف الكثير للمشروع الأوروبي”.
اتساع رقعة الاهتمام بالمبادرة الأوروبية
أعلنت آيسلندا، التي تُعد أيضًا دولة عضواً في المنطقة الاقتصادية الأوروبية، أنها اختتمت مؤخرًا جولة من المحادثات مع المفوضية الأوروبية في يوليو 2025، وعبّرت عن نيتها المشاركة الرسمية في برنامج IRIS². ويُظهر هذا الإعلان اتساع رقعة الاهتمام بالمبادرة الأوروبية من قبل شركاء خارجيين، لا سيما في الدول المرتبطة بالتكتل عبر اتفاقيات اقتصادية وسياسية.
وتأتي هذه التصريحات في وقت حساس، بعد أن قدّمت المفوضية الأوروبية مشروع قانون الفضاء الأوروبي في 25 يونيو 2025، وهو مشروع تشريعي شامل من المنتظر أن يُنظّم مستقبل أنشطة الفضاء داخل الاتحاد الأوروبي. وقد أثار هذا المشروع جدلًا واسعًا ومفاوضات نشطة خلف الكواليس، نظرًا لطبيعته التنظيمية وتأثيره المباشر على الشركات العاملة في مجال الأقمار الصناعية، بما في ذلك شركات أميركية مثل “سبيس إكس”.
ورغم أن التشريع الأوروبي الجديد سيستغرق سنوات قبل أن يتم التصويت عليه وتفعيله رسميًا، فإن بعض بنوده تُثير احتمال فرض قيود مستقبلية على دخول الشركات الأجنبية، مثل “ستارلينك”، إلى السوق الأوروبية. ومن شأن هذه البنود أن تُعيد رسم خارطة المنافسة في سوق الاتصالات الفضائية العالمية.
وفي تعليقه على ردود الفعل الدولية تجاه القانون المقترح، قال كوبيليوس: “حتى الآن، لم تُسجّل أي ردود فعل سلبية تجاه مشروع قانون الفضاء الأوروبي”. وأضاف: “لقد عدت مؤخرًا من زيارة للولايات المتحدة استمرت من 17 إلى 22 يوليو/تموز، ولم أتلقَّ خلال هذه الفترة أي تلميحات من المسؤولين الأميركيين تشير إلى وجود انزعاج أو تحفظات تجاه التشريع الأوروبي”.
ويبدو أن الاتحاد الأوروبي يراهن في المرحلة المقبلة على بناء استقلالية فضائية واقتصادية، لا سيما في ظل التحديات الأمنية المتزايدة واعتماد الدول الأوروبية على بنى تحتية أجنبية حساسة. وقد يتحوّل مشروع IRIS² إلى نقطة تحول استراتيجية في مسار الاتحاد نحو سيادة رقمية فعلية واستقلال دفاعي متكامل، خاصة إذا تمكن من اجتذاب شركاء خارجيين يمتلكون خبرة وقدرات نوعية في قطاع الفضاء.


