الجمعة, مارس 21, 2025
18 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

سباق المعادن الاستراتيجية: لماذا تتحول سوريا إلى ساحة صراع عالمي؟

الحرة بيروت ـ خاص

في خضم الصراعات الجيوسياسية التي تعصف بالشرق الأوسط، تتكشف أبعاد جديدة للصراع على سوريا، ليس فقط كمعقل استراتيجي، بل كمخزون هائل للثروات المعدنية التي تشكل أساس الصناعات المستقبلية. لم يكن التنافس الدولي والإقليمي في سوريا مجرد مسألة سياسية، بل يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتحكم في الموارد الطبيعية التي أصبحت أكثر قيمة من النفط في عصر الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة.

في الجنوب السوري، وتحديداً في محافظتي درعا والسويداء، وصولاً إلى منطقتي القريتين والتنف، تتواجد كميات هائلة من “السيليكا الكوارتزية”، المادة الخام الأساسية في صناعة الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات والخلايا الشمسية. هذه المنطقة، التي تعرف بـ”الممر الدرزي-الإسرائيلي”، لم تكن بعيدة عن الأجندات الدولية، حيث تزامنت عمليات التهجير القسري فيها مع إعلان إسرائيل عن بناء أكبر مجمع تكنولوجي متخصص في الطائرات المسيّرة والإلكترونيات المتقدمة في صحراء النقب.

فعلياً، الصراع ليس على الأرض فقط، بل على ما يوجد تحتها. وفقاً للخبراء الجيولوجيين، فإن قيمة معادن الجنوب السوري، بما في ذلك السيليكا والفوسفات والزيوليت والرمال الكوارتزية، تفوق مجتمعة ثروات السعودية وقطر. ومع تصاعد أهمية الذكاء الاصطناعي والتقنيات العسكرية والطاقة المتجددة، تزداد أهمية هذه المعادن الاستراتيجية، ما يفسر إصرار إسرائيل على تعزيز نفوذها في العمق السوري.

لم تكن الحرب السورية مجرد أزمة داخلية، بل كانت مقدمة لإعادة تشكيل المنطقة وفقاً لخريطة الثروات المعدنية:

  • شمال شرق سوريا: تحت السيطرة الأميركية لضمان الوصول إلى النفط والغاز.
  • الجنوب السوري: تحت النفوذ الإسرائيلي عبر حلفاء محليين لضمان الهيمنة على رواسب الكوارتز.
  • الساحل السوري: خاضع للنفوذ الروسي لحماية المصالح البحرية والعسكرية.
  • المناطق الوسطى: تحولت إلى منطقة فراغ استراتيجي لمنع أي تواصل جغرافي بين أطراف سوريا التاريخية.

هذا التقسيم لم يكن سياسياً فقط، بل كان جيولوجياً بالدرجة الأولى، حيث تتنافس القوى الدولية على بسط سيطرتها على المناطق الغنية بالموارد الاستراتيجية.

من جهتها، تسعى إسرائيل إلى بناء مجمع تكنولوجي ضخم في النقب، متخصص في صناعة الطائرات المسيّرة والإلكترونيات المتقدمة. ولتحقيق ذلك، تحتاج إلى كميات هائلة من السيليكون، الذي لا يمكن توفيره إلا من سوريا. لذلك، فإن تمزيق المنطقة إلى كيانات ضعيفة ومتقاتلة هو ضرورة استراتيجية لضمان التدفق المستمر لهذه الموارد.

لم يكن تدمير سوريا مجرد إسقاط لنظام سياسي، بل كان استهدافاً لدولة مركزية لطالما شكلت حجر عثرة أمام المشروع الإسرائيلي في المنطقة. ما نشهده اليوم هو تطبيق عملي لنظريات كانت توصف سابقاً بالمؤامرات. فإضعاف سوريا وتفتيتها إلى كيانات متناحرة يعزز قوة إسرائيل، ويمهّد الطريق لتحقيق مشروع “إسرائيل الكبرى”.

تعتمد هذه الخطة على أربعة محاور رئيسية:

  • عسكرياً: تفكيك الجيش السوري وإضعاف قدراته.
  • اقتصادياً: السيطرة على الموارد الاستراتيجية وإفقار السكان.
  • ديموغرافياً: تهجير السكان الأصليين وإحداث تغييرات سكانية.
  • ثقافياً: الترويج للتطرف الديني والعرقي على حساب الهوية الوطنية.

السيطرة على “السيليكا الكوارتزية” السورية تعني التحكم في مستقبل صناعة التكنولوجيا العالمية، ومن يملك هذه التكنولوجيا يملك زمام القوة في العالم. السباق نحو المعادن الاستراتيجية قد بدأ بالفعل، وسوريا، إلى جانب أوكرانيا والسودان، باتت إحدى أبرز ساحات هذا الصراع. اليوم، تقف المنطقة عند مفترق طرق تاريخي: إما أن تستعيد سيادتها على مواردها، أو تبقى ضحية لمخططات جيوسياسية تمت صياغتها منذ عقود، ونشهد اليوم تنفيذها الحرفي على أرض الواقع.

https://hura7.com/?p=46412

الأكثر قراءة