الحرة بيروت ـ بقلم: سعد محيو، كاتب وباحث لبناني
ما هذا الذي يجري بين ضفتي المحيط الأطلسي؟ لا بل هل هذا الذي يجري حقيقي، أم أننا نتخيّل ذلك؟
أمس انفجرت مرة أخرى “الإهانات” العنيفة ضد الأوروبيين من الأميركيين، بعد شهر واحد فقط من الحملة المهينة التي شنّها في عقر دار أوروبا نائب الرئيس الأميركي فانس وأدان فيها القيم والديمقراطية الليبرالية الأوروبية.
مجلة “أتلانتيك” الأميركية نشرت بالتفصيل حوارات المسؤولين الأميركيين حول أوروبا، على هامش الهجمات العسكرية الأميركية على اليمن. وهاكم بعضها:
- لم يبقِ مسؤولو إدارة ترامب ازدراءهم لأوروبا هادئًا. لكن يبدو أن الازدراء كان أعلى صوتًا خلف الأبواب المغلقة. وقد ردّ الأوروبيون بمزيج من السخط والغضب على نشر أجزاء من مناقشة بين كبار مسؤولي إدارة ترامب، أجريت على تطبيق المراسلة (Signal).
- كانت المناقشة حول الضربة المخطط لها على اليمن مليئة بالتعليقات التي صوّرت الأوروبيين على أنهم “طفيليات جيوسياسية”، وتم الكشف عنها يوم الاثنين في مجلة The Atlantic التي تم تضمين رئيس تحريرها عن غير قصد في المحادثة.
- قال نائب الرئيس جي دي فانس: “أنا فقط أكره إنقاذ الأوروبيين مرة أخرى”، مؤكدًا أن الضربات ستفيد أوروبا أكثر بكثير من الولايات المتحدة.
- “أنا أشارككم تمامًا كراهيتكم للركوب الحر الأوروبي على ظهورنا”، ردّ بيت هيجسيث، وزير الدفاع، مضيفًا: “إنهم (أي الأوروبيون) حالة مرضية مثيرة للشفقة”.
تسريب الدردشة الجماعية هذه يؤكد لماذا قد يكون الطلاق ضروريًا: فالولايات المتحدة ليست الحليف الموثوق به الذي كانت عليه من قبل، سواء من الناحية الخطابية أو العملية.
“طفيليات جيوسياسية”، مرضى نفسيون…
لنستمع الى ما يقوله الأوروبيون في هذا الصدد:
- “من الواضح أن العلاقة عبر الأطلسي، كما كانت، قد انتهت، وهناك، في أحسن الأحوال، ازدراء غير مبالٍ”، (ناتالي توتشي، مديرة المعهد الإيطالي للشؤون الدولية، التي قدمت المشورة سابقًا لمسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي).
- “النظام الدولي يمرّ بتغييرات بوتائر لم نشهدها منذ عام 1945″، وفق تعبير كايا كالاس، كبيرة دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي، الأسبوع الماضي، التي دعت أوروبا إلى أن تصبح أكثر استقلالية عسكريًا عن أميركا.
إلى أين الآن من هنا؟
الأرجح إلى “التدمير الخلاق” الذي يريده الرئيس ترامب: تدمير النظام العالمي “الليبرالي” المتعولم الذي أقامته أميركا غداة الحرب العالمية الثانية (بعد أن توقفت العولمة عن خدمة المصالح الداخلية الأميركية)، وخلق نظام القوى الكبرى (مجددًا) التي تتوزع/وتتنازع فيما بينها جغرافيا العالم، وإن تحت إشراف الإمبرطور الأميركي.
هل يعني ذلك نهاية العولمة الأميركية، كما انتهت قبلها العولمة البريطانية مع اندلاع الحرب العالمية الأولى؟
أجل. ربما. لكن هذا حديث آخر.