جريدة الحرة
بقلم أسطيفان يلدز
إن توقيع خطة السلام بين حماس وإسرائيل لا يمكن النظر إليه كاتفاق ثنائي محدود بحدود غزة، بل كتحول سياسي وأمني ستكون له ارتدادات مباشرة على لبنان والمنطقة بأسرها. فكل تغيير في معادلة الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي ينعكس تلقائياً على التوازنات الهشة في لبنان، حيث تتقاطع الحسابات الإسرائيلية والإيرانية والسورية والفلسطينية في ساحة واحدة صغيرة ومتوترة.
لبنان يدخل هذه المرحلة وهو في أضعف حالاته منذ عقود. الانقسام السياسي، والانهيار الاقتصادي، وفقدان الثقة بمؤسسات الدولة، كلها عوامل تجعل من أي تطور إقليمي عاملاً مضاعفاً للأزمة. ومع ذلك، فإن الهدوء النسبي الذي قد يرافق تنفيذ خطة السلام يمكن أن يشكل فرصة لالتقاط الأنفاس. فوقف النار في غزة يعني تخفيف الضغط العسكري على الحدود اللبنانية، وتقليص احتمالات التصعيد مع حزب الله، الذي أصبح منذ حرب غزة الأخيرة تحت رقابة دولية مكثفة وضغوط متزايدة لعدم الانجرار إلى مواجهة مباشرة مع إسرائيل.
لكن هذا الهدوء يبقى هشّاً، فالتشابك بين الملفات يجعل أي خرق أو انهيار جزئي في الاتفاق سبباً لتفجر الساحة اللبنانية من جديد. حزب الله، الذي يرتبط استراتيجياً بإيران وبالمعادلة الإقليمية للمقاومة، قد يجد نفسه أمام اختبار صعب: هل يتكيف مع مناخ التهدئة ويعيد صياغة دوره ضمن معادلة لبنانية داخلية أكثر مرونة، أم يحافظ على خط المواجهة المفتوحة ليؤكد حضوره كقوة ردع إقليمية؟ كلا الخيارين يحمل مخاطره، داخلياً وخارجياً.
في المقابل، تمثل الخطة فرصة للبنان إن أراد استعادته لزمام المبادرة. فتهدئة الجبهة الجنوبية تمنح الجيش اللبناني والدولة مساحة للتحرك نحو ضبط الحدود، وتفعيل القرار 1701، ومحاولة الحد من تسلل الصراع الفلسطيني إلى الداخل اللبناني عبر المخيمات، التي تحولت منذ سنوات إلى بيئة أمنية معقدة تتداخل فيها الفصائل الفلسطينية مع أجندات إقليمية متضاربة.
إقليمياً، من المتوقع أن ينعكس الاتفاق ـ على خريطة التحالفات. فإيران التي تمسك بخيوط التأثير على حماس وحزب الله، ستسعى إلى توظيف الهدنة بما يخدم مصالحها في المفاوضات النووية وفي إدارة التوتر مع واشنطن وتل أبيب وربما تكون جزء من خطة الاستقرار في الشرق الاوسط. أما الدول العربية، وخصوصاً مصر وقطر والأردن، فستحاول استثمار نجاح الاتفاق لإعادة تنشيط مسار التسويات السياسية وإعادة بناء التوازن في غزة وربما في لبنان لاحقاً.
إن خطة السلام بين حماس وإسرائيل قد تفتح نافذة لخفض التوتر، لكنها لا تُنهي جذور الصراع. أما لبنان، فهو يقف على حافة دقيقة بين فرصة للاستقرار ومخاطر الانفجار. وحده الوعي السياسي اللبناني، والقدرة على تحييد البلاد عن محاور الصراع، يمكن أن يحمياه من أن يكون ساحة اختبار جديدة لاتفاق سلام لم يُكتب بعد له السلام الحقيقي.


