بقلم ـ سناء محيمدي
لم يعد خافيا صمت دمشق المريب إزاء عاصفة الحرب الملتهبة بالشرق الأوسط في إشارة تدل على الاتجاه الجديد لنظام بشار الأسد وتموضعه خارج ما يعرف بـ “محور المقاومة” وبعيدا عن خيارات حلفاء العلن “طهران وحزب الله”.
“البقاء بعيدا” عن مسرح الحرب بين حزب الله وإسرائيل من جهة، وطهران وإسرائيل من جهة أخرى، ليست إلا إشارات جفاء من قبل دمشق لأصدقاء الأمس تمهيدا لهجر حضن “المحور الإيراني”.
خصوم الخفاء
فأن سوريا التي تعرف بكونها الحديقة الخلفية لعمليات إيران، كانت اللاعب الغائب الأبرز في عمليات “المقاومة” ضد إسرائيل، إذ لم تظهر أي دعم سياسي وعسكري وإعلامي لـ “حزب الله”، على عكس ما حدث في حرب تموز 2006، حيث شاركت دمشق في صناعة النصر في تلك الحرب وكانت جبهة إسناد لمحور المقاومة.
ليتصاعد التعاون العسكري بين دمشق وطهران و”حزب الله” بعد 2011، على إثر دعمهم لحكومة بشار الأسد في مواجهة الثورة الشعبية التي اندلعت لإسقاط نظامه، كلفت طهران ما بين 20 و30 مليار دولار، وأكثر من 2000 جندي لتثبيت حكم “آل الأسد” في سوريا.
فالأسد يخشى المخاطرة بـ “كرسي حكمه” الذي كلفه 13 عاما من حرب أهلية كانت ثقيلة، فيبدو أن الخيار الأنسب هو البقاء خارج هذه الحرب وعدم الانجرار إلى خيار الخامنئي، ليعزز بشار بذلك شعار “سوريا أولا” في مرمى سياسته الخارجية.
وهذه النقطة تظهر جليا في فشل وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في إقناع الأسد للانضمام إلى المشاركة في عمليات طهران والفصائل الموالية لها ضد إسرائيل، وهذا التحفظ السوري ليس إلا خشية من الخسارة في معادلة الحرب.
“اليد الطولى” لإسرائيل
خطوات الأسد لتحييد “دمشق” عن المعارك على حدوده، تُظهر عدم رغبة النظام السوري من فتح جبهة حرب مع إسرائيل، فأي تعاون عسكري مع طهران، قد يدفع اليد الطولى لإسرائيل لاستهداف رأس النظام مباشرة، بهدف قطع “شريان” الأسلحة لحزب الله، لإضعاف قدرات التنظيم العسكرية وتقليص قدرتها على القتال.
ترتبط سوريا مع لبنان بحدود يبلغ طولها 373 كيلومترا، كما أنها تعد ممرا للأسلحة من إيران لحزب الله، في الوقت الذي تراقب فيه الطائرات المسيّرة الإسرائيلية الحدود السورية اللبنانية، في محاولة منها لـ “لتضييق الخناق على حزب الله، ومنعه من نقل السلاح من سوريا إلى لبنان.
في حال انطلقت ضربات من أراضيه، فالنظام السوري يدرك مسبقا أن الطيران الإسرائيلي سيردُّ بضربات قاسية جدا، وهو ما يجعل بشار واقفا بين خيارين، أحلاهما مر.
“بوابة” عربية نحو سوريا
سياسة الابتعاد عن محور إيران تأتي ضمن الاتجاه الجديد لدمشق لفتح نوافذ جديدة مع الدول العربية وتخفيف للضغوط الغربية، بخاصة وأن اللاعب الروسي يمسك بقرار الأسد، حيث نصحت كل من روسيا والإمارات دمشق، “بعدم التورط بهذه الحرب بأي شكل من الأشكال”، فموسكو تبحث تخلي دمشق عن تحالفها مع طهران وتقليص نفوذ الأخيرة بالساحة السورية.
كما أن الرسالة الأردنية الأخيرة تهدف لإحياء مبادرة “خطوة بخطوة” التي تبنتها عمان، لإعادة سوريا إلى حضنها العربي بعد بوادر تخلي الأسد عن عباءة طهران.
جني الثمار
مياه كثيرة جرت في المشهد الإقليمي في الأشهر الأخيرة، جعلت بشار يستغل هذه التوترات لجني ثمارها عبر كسر العزلة عن نظامه، ونيله مكاسب لصالحه في ظل الخلاف الصامت مع طهران، وهو ما كشفته تقارير إعلامية عديدة تحدثت عن وجود صدع بين إيران وسوريا ظهرت بعد إبلاغ الأسد بموقفه الرافض للانجرار بالحرب.
سواء كان “صمت الرئيس بشار” هو خروج عن بيت الطاعة الإيراني أو محاولة منه للابتعاد عن جنون عاصفة الشرق الأوسط، فإنه من المؤكد أن طهران لن تتخلى عن “ورقتها السورية” وجسر إمدادها الرئيسي، كما ستمنع تفكك “وحدة الساحات” لأنه ببساطة سيمهد سقوط طهران السريع.
سناء محيمدي: صحفية تونسية، حاصلة على الاستاذية في الصحافة وتدرس حاليا ماجستير اختصاص اعلام الكتروني. عملت في عدد من المواقغ الالكترونية التونسية.