الخميس, نوفمبر 6, 2025
23.4 C
Beirut

الأكثر قراءة

إصدارات أسبوعية

سوريا تتفكك… فماذا يُحضَّر للبنان؟

يوسف حسينيوسف حسين

 

جريدة الحرة ـ بيروت

منذ اندلاع النزاع السوري عام 2011، كانت الأنظار كلها تتجه إلى نتائج الحرب على الداخل السوري. لكن اليوم، ومع تبلور خريطة جديدة بحكم الواقع، يبرز السؤال الأكثر إلحاحًا: ماذا عن لبنان؟ فكل تفكك في المشرق العربي لا ينحصر ضمن حدوده، بل ينعكس تموّجًا على محيطه، ولبنان كان دائمًا أول المتأثرين.

جنوب سوريا: منطقة منزوعة السلاح تتّجه نحو حكم محلّي

تشير التطورات الأخيرة في درعا والقنيطرة إلى بروز نموذج جديد في الجنوب السوري: منطقة منزوعة السلاح، خارج نفوذ “هيئة تحرير الشام”، وخارج الصراع المباشر بين النظام والمعارضة.

تبدو هذه المنطقة وكأنها تدخل مرحلة “الإدارة المحلية” شبه المستقلة، برعاية روسية، وبتفاهم ضمني مع إسرائيل، التي يعنيها قبل كل شيء بقاء الجولان هادئًا وآمنًا. هكذا، يتحوّل الجنوب من ساحة نزاع إلى منطقة فاصلة، أو ربما “كيان جنوبي” قيد التشكّل.

شمال شرق سوريا: تجربة الحكم الذاتي الكردي تتجذّر

في الشمال الشرقي، يعيش الأكراد واقعًا مغايرًا، حيث تتعزز سلطة الإدارة الذاتية التي أقاموها في ظل الفراغ المركزي، وبدعم مباشر من الولايات المتحدة.

هذه الإدارة، التي لم تعترف بها دمشق رسميًا، باتت تمتلك معظم مقوّمات الحكم المحلي: مجالس، قوى أمن، منظومة تعليم، وإعلام مستقل.
ورغم التهديدات التركية المتكررة، فإنّ واشنطن لا تزال تواصل دعمها لهذه التجربة، ما يعني أن العودة إلى “سوريا الواحدة المركزية” في هذه المنطقة باتت شبه مستحيلة.

شمال غرب سوريا: إمارة الجولاني بحكم الأمر الواقع

أما في إدلب ومحيطها، فقد نجح أبو محمد الجولاني، زعيم “هيئة تحرير الشام”، في ترسيخ سلطة بحكم الأمر الواقع. تحت ستار “حكومة الإنقاذ”، يقيم الجولاني نوعًا من الإمارة ذات الطابع السنّي المحافظ، بعلاقات أمنية غير معلنة مع تركيا، وتكتيكات دبلوماسية تهدف إلى تثبيت حضوره كقوة أمر واقع.

إنه نظام جديد، لا يشبه النظام السوري التقليدي، ولا “الدولة الإسلامية”، لكنه يؤكّد أن الشمال الغربي بات منفصلًا فعليًا عن القرار المركزي في دمشق.

الساحل: هل تتّجه الطائفة العلوية نحو كيان خاص؟

في هذا المشهد المتشظي، يبرز الساحل السوري، من طرطوس إلى اللاذقية، بوصفه المنطقة الضامنة للطائفة العلوية. ورغم غياب أي خطاب علني عن “الانفصال”، فإن التحركات الميدانية توحي بعكس ذلك: تركيز الوجود العسكري الروسي، الاستثمارات في البنى التحتية، وتحويل الساحل إلى منطقة محصّنة.

فهل نحن أمام مشروع “كانتون علوي” مؤجَّل؟ أم أنه مجرد ملاذ جغرافي أخير لنظام الأسد، في حال فُرض عليه التقسيم قسرًا؟

لبنان على خط الزلزال: ما بعد “الطائف”؟

في ظل هذه التحوّلات الكبرى، يُصبح السؤال عن مستقبل لبنان أكثر من منطقي. فالتجربة التاريخية أثبتت أن لبنان ليس جزيرة معزولة، بل مرآة لما يجري في محيطه.

الانقسام السياسي اللبناني يعكس إلى حد بعيد ما يحصل في سوريا: تعدد الولاءات، ضعف المركز، وانهيار الثقة بالدولة.

الوجود السوري الكثيف، الذي بدأ كملف إنساني، تحوّل إلى عامل توتر داخلي، يغيّر التركيبة السكانية، ويضغط على الاقتصاد والهوية الوطنية.

في الخلاصة: لبنان في مهبّ التغيير الإقليمي

ما يجري في سوريا ليس مجرد نهاية لحرب طويلة، بل بداية لرسم جديد للشرق الأوسط. ومع ترسّخ “الكيانات الواقعية” على الأرض السورية، قد يدخل لبنان مرحلة ما بعد اتفاق الطائف، وربما ما بعد الجمهورية نفسها، إذا لم يُحسن بناء توازن داخلي جديد يحمي كيانه وسط العواصف القادمة من الشرق.

https://hura7.com/?p=62252

 

الأكثر قراءة