الحرة بيروت ـ خاص
كشف تقرير نشرته صحيفة The National في 3 شباط/فبراير الحالي أن حزب الله يقوم بتشغيل شبكة سرية في شمال ألمانيا بهدف تعزيز نفوذه في أوروبا. وتشير الصحيفة، التي استندت إلى وثائق قضائية غير منشورة ومراسلات رسمية ومنشورات إلكترونية، إلى أن هذه الشبكة تعمل كمنصة لجمع الأموال، وتخزين الأسلحة، والتوسع داخل الجالية اللبنانية.
ووفقاً للتقرير، فإن حزب الله أقام بنية تحتية متكاملة داخل ألمانيا، حيث ينشط عبر مساجد ومراكز ثقافية ومجموعات شبابية يُعتقد أنها تلعب دوراً رئيسياً في تمويل عملياته ونشر أيديولوجيته. وتخضع هذه الأنشطة لمراقبة استخباراتية مكثفة من قبل الأجهزة الأمنية الألمانية، خاصة بعد تصاعد المخاوف بشأن تغلغل التنظيمات المصنفة إرهابية داخل أوروبا.
وتشير المعلومات التي حصلت عليها The National إلى أن هذه الشبكة كانت تُدار تحت إشراف مباشر من حسن نصرالله، الأمين العام السابق لحزب الله، قبل مقتله في غارة إسرائيلية على الأراضي اللبنانية في أيلول/سبتمبر الماضي. وقد ظل هذا الهيكل التنظيمي نشطاً على الرغم من محاولات السلطات الألمانية تفكيكه.
أدلة مادية واعتقالات تكشف أبعاد الشبكة
في سياق التحقيقات الجارية، كان العثور على ورقة صغيرة في سلة مهملات بإحدى دورات المياه نقطة تحول رئيسية، حيث قادت المحققين إلى حسن م، أحد أبرز الشخصيات داخل الشبكة. وبحسب المصادر، فإن حسن م، المعروف أيضاً باسم الشيخ حسن مرتضى، كان يتنقل بشكل منتظم بين لبنان وألمانيا، حيث كان مسؤولاً عن تنسيق العمليات المالية والتنظيمية لحزب الله داخل البلاد. وقد أُلقي القبض عليه العام الماضي، ما شكل ضربة قوية للشبكة.
ولم تتوقف الاعتقالات عند هذا الحد، إذ تمكنت السلطات من توقيف فاضل ر. في كانون الأول/ديسمبر 2024، والذي يُشتبه في قيامه بتجنيد رجال دين شيعة في ألمانيا لنشر فكر الحزب. وكشفت التحقيقات عن تواصله مع حسن نصرالله قبل وفاته، حيث ناقش معه مسألة تمويل ترميم أحد المساجد، في خطوة تشير إلى وجود صلة مباشرة بين المؤسسات الدينية والتمويل غير المشروع لحزب الله.
إضافة إلى ذلك، تم اعتقال فاضل ز. الذي يُعتقد أنه كان مسؤولًا عن تهريب قطع طائرات مسيرة يمكن استخدامها في عمليات عسكرية ضد إسرائيل. وتشير هذه الاعتقالات إلى وجود شبكة منظمة تعمل في الخفاء، وتسعى السلطات الألمانية إلى تفكيكها عبر ملاحقة قياداتها وعناصرها النشطة.
ألمانيا… بيئة خصبة لأنشطة حزب الله
لمواجهة تصاعد أنشطة حزب الله، قامت الحكومة الألمانية بتشديد إجراءاتها ضد التنظيم في كانون الأول/ديسمبر 2024، حيث حظرت بث قناة “المنار” التابعة له على أراضيها، باعتبارها أداة رئيسية للدعاية الإعلامية ونشر خطاب الكراهية. كما قامت السلطات بإغلاق مركز هامبورغ الإسلامي ومسجد “البلوية”، اللذين يُعتقد أنهما من أبرز معاقل الحزب في ألمانيا.
إلى جانب ذلك، وضعت الاستخبارات الألمانية جمعية “المهدي الثقافية” في باد أونهاوزن تحت المراقبة، حيث يشتبه في علاقتها الوثيقة بالحزب. وقد سلط التحقيق الضوء على دور بعض المساجد، مثل مسجد الإمام الحسين في أوسنابروك، كمراكز لتنظيم ورش تدريبية وتعزيز النفوذ الإيديولوجي للحزب داخل الجالية الشيعية في ألمانيا.
ويشير التقرير إلى أن حزب الله يعتمد على استراتيجية استقطاب الشباب من خلال مجموعات الكشافة التابعة له، والتي تعمل تحت اسم “كشافة الإمام المهدي”. وبينما تقدم هذه المجموعات نفسها كجهات تعليمية وترفيهية، إلا أن التقارير الاستخباراتية تؤكد أنها تلعب دوراً رئيسياً في التلقين العقائدي، وتوسيع نطاق التأثير السياسي للحزب داخل أوروبا.
تمثل الاعتقالات الأخيرة تقدماً كبيراً في جهود مكافحة أنشطة حزب الله داخل ألمانيا، لكنها في الوقت ذاته تبرز التحديات التي تواجهها الأجهزة الأمنية في تفكيك هذه الشبكة المعقدة. فبينما تواصل السلطات ملاحقة قادة التنظيم وأنشطته، لا يزال الحزب يسعى إلى إعادة ترتيب أوراقه وتكييف استراتيجيته للحفاظ على وجوده في القارة الأوروبية.