الثلاثاء, أبريل 29, 2025
16.4 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

إصدارات أسبوعية

شلل البرلمان وتأخير الإصلاحات: لبنان بين مأزق سياسي وأزمة اقتصادية خانقة

الحرة بيروت ـ خاص

تزداد الحاجة إلى إطار مؤسسي مستقر لإطلاق الإصلاحات الاقتصادية في لبنان بشكل ملحّ، في ظل شلل المؤسسات، وعلى رأسها البرلمان، الذي يعاني من حالة انسداد سياسي تحول دون إقرار القوانين الضرورية لتنفيذ تلك الإصلاحات. هذا الجمود المستمر منذ أشهر يعرقل الجهود الرامية إلى انتشال البلاد من الأزمة الاقتصادية التي بدأت في عام 2019 وتفاقمت بفعل سنوات من التقاعس السياسي.

في ظل غياب برلمان فعّال، تبقى التدابير الإصلاحية، كإعادة هيكلة الاقتصاد وتلبية شروط المانحين الدوليين، معلّقة. ويؤكد خبراء اقتصاديون أن غياب إطار قانوني واضح يزيد من مخاطر تفاقم العجز المالي، ما يهدد أي محاولة للتعافي، ويعزز انعدام الثقة لدى الفاعلين الاقتصاديين محليًا ودوليًا، في وقت يفتقر فيه لبنان إلى الموارد الداخلية الضرورية لتحريك عجلة الاقتصاد.

غياب موازنة 2025
مع بداية عام 2025، يجد لبنان نفسه دون موازنة عامة، ما يعقّد عملية التخطيط للإنفاق العام وإدارة الموارد المحدودة. فالموازنة، التي تعد أداة رئيسية لتحديد أولويات الدولة وتوزيع الأموال على القطاعات الحيوية كالصحة والتعليم، أصبحت رهينة الانقسامات السياسية داخل البرلمان.

في ظل غياب التوافق البرلماني، يضطر لبنان إلى الاستمرار في استخدام موازنات سابقة، ما يقلّص هامش المناورة المالية ويعمّق الاختلالات في المالية العامة. وتظهر هذه الأزمة المالية انعكاسًا للخلافات السياسية العميقة بين الكتل المختلفة، التي تغذّيها المصالح الطائفية والحزبية، ما يعرقل أي تقدم نحو اتفاق على إجراءات مالية حاسمة، مثل خفض النفقات غير الضرورية وزيادة الإيرادات.

تراجع ثقة المستثمرين
تعاني ثقة المستثمرين الدوليين بلبنان من تدهور كبير، ما يشكل عائقًا أمام إعادة إنعاش الاقتصاد. فمنذ بداية الأزمة، شهد لبنان هروبًا لرؤوس الأموال، ولم تظهر أي مؤشرات على عودة تلك التدفقات المالية.

هذا التردد يعود إلى غياب استقرار سياسي وإصلاحات جدية، فضلًا عن استمرار الأزمة في القطاع المصرفي. في ظل هذا الوضع، يتريث المستثمرون قبل ضخ أي أموال جديدة، ما يحرم الاقتصاد اللبناني من الموارد الخارجية الضرورية للتعافي، خاصة مع نضوب المصادر المالية المحلية.

أما المانحون الدوليون، كصندوق النقد الدولي، فقد ربطوا مساعداتهم – ومنها خطة مساعدات بقيمة 3 مليارات دولار تم التفاوض بشأنها منذ عام 2022 – بإحراز تقدم في الإصلاحات البنيوية، كإعادة هيكلة القطاع المصرفي وتدقيق حسابات مصرف لبنان. إلا أن الشلل البرلماني والجمود الحكومي يعطلان تنفيذ تلك الإصلاحات ويبعدان احتمالات جذب الاستثمارات الأجنبية.

أزمة القطاع المصرفي
لا يزال القطاع المصرفي اللبناني، الذي كان يُعدّ ركيزة للاقتصاد، غارقًا في أزمة عميقة. فالمودعون الأفراد والشركات لا يزالون يواجهون قيودًا صارمة على سحب أموالهم، ما أدى إلى تآكل الثقة بالنظام المصرفي.

وتعاني المصارف التجارية من نقص شديد في السيولة، حيث استُنفدت احتياطاتها بسبب سنوات من سوء الإدارة ومنح قروض للدولة ولشركاء في القطاع الخاص دون ضمانات كافية. ورغم الإعلان عن خطط لإعادة هيكلة المصارف منذ عام 2020، فإن تلك الجهود لم تترجم إلى خطوات فعلية نتيجة غياب الموارد الداخلية والتوافق السياسي.

أما رأس المال الأجنبي، الذي كان يمكن أن يسهم في دعم المصارف، فلا يزال مترددًا في التدخل بسبب غياب الضمانات والإصلاحات، وبسبب استمرار وجود شخصيات مصرفية وسياسية تتحمل مسؤولية سوء الإدارة السابقة.

هذا المأزق يعمّق الأزمة المالية: فلا المصارف قادرة على إقراض الأموال، ولا المودعون قادرون على الوصول إلى ودائعهم، ما يجمّد الأنشطة الاقتصادية. ونتيجة لذلك، تواجه الشركات صعوبة في تمويل عملياتها، بينما يعاني المواطنون من تراجع دخلهم وسط معدلات تضخم مرتفعة.

آفاق اقتصادية قاتمة
يلقي عدم الاستقرار المؤسسي والشلل المصرفي بظلال قاتمة على مستقبل الاقتصاد اللبناني. فالنمو الاقتصادي، الذي لم يتجاوز 0.6% في عام 2024 وفقًا للتقديرات الأخيرة، قد يتراجع أكثر في عام 2025 إذا استمر الجمود السياسي.

ومع تضخم يتجاوز 110%، وبطالة تلامس 32% من القوى العاملة، تتفاقم معاناة اللبنانيين، بينما تظل فرص الانتعاش الاقتصادي محدودة بسبب تراجع الطلب المحلي ونقص الموارد المالية.

الحكومة التي يرأسها نواف سلام، والتي تشكلت في فبراير 2025، كانت قد وعدت بكسر الجمود السياسي وإطلاق إصلاحات بنيوية، لكن التقدم المحرز لا يزال خجولًا. وتواصل مؤسسات المجتمع المدني، التي تنشط منذ احتجاجات 2019، المطالبة بحوكمة شفافة وفعالة، إلا أن الانقسامات السياسية وغياب الإرادة الجماعية يحدّان من فرص تحقيق أي تغيير جوهري.

بدون استقرار مؤسساتي سريع وخطة واضحة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي، مدعومة بموارد خارجية وضمانات دولية وتغيير جذري في المشهد السياسي، يواجه لبنان خطر الغرق أكثر في أزمة اقتصادية واجتماعية لا يبدو أن لها نهاية قريبة.

https://hura7.com/?p=47918

الأكثر قراءة