يوسف ناصر
جريدة الحرة ـ بيروت
في وجدان كثير من اللبنانيين والعرب، شكّل حزب الله رمزًا للمقاومة في وجه الاحتلال الإسرائيلي، لا سيما بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان عام 2000، والانتصار المعنوي الذي أعقب حرب تموز 2006. غير أن هذا المجد سرعان ما تآكل، بفعل ممارسات الحزب التي بدأت تتجه من التحرير إلى السيطرة، ومن الدفاع إلى القمع، ومن الرمز إلى الأداة.
السلاح الذي وجّه للداخل
من أشد صور الشناعة، أن يتحوّل السلاح من أداة مقاومة إلى وسيلة تهديد للداخل. تجسدت هذه المأساة في أحداث 7 أيار 2008، حين اجتاح الحزب شوارع بيروت والجبل، وفرض إرادته بالقوة على شركائه في الوطن. كانت تلك علامة فارقة، كشفت أن السلاح لم يعد موجّهًا نحو “العدو”، بل بات يُستخدم لضبط التوازنات الداخلية بالقوة، وتكميم الأصوات المعارضة.
خطف الدولة من الداخل
لم يكتفِ حزب الله بدوره العسكري، بل فرض نفسه شريكًا إجباريًا في القرار السياسي اللبناني. شكل حكومات، عطل أخرى، أسقط رؤساء وزارات، ودخل في كل مفاصل الدولة. الأدهى، أنه فعل ذلك وهو يحتفظ بسلاحه خارج إطار الدولة، مما جعل من الدولة اللبنانية رهينة دائمة لميزان القوة غير المتكافئ.
حين يملك فصيل سياسي سلاحًا لا يخضع للمساءلة، تتوقف الديمقراطية عن العمل، ويتحوّل كل حوار إلى تهديد صامت. وهذا ما شهده اللبنانيون مرارًا، من تعطيل الانتخابات الرئاسية، إلى التهديدات المباشرة والضمنية لأي صوت يعارض “الثوابت”.
تورّط إقليمي دموي
تجلّت شناعة ممارسة الحزب أكثر حين تورّط في الحرب السورية، مخالفًا سياسة “النأي بالنفس” التي أقرّتها الحكومات اللبنانية. قاتل الحزب في القصير، وفي القلمون، وفي حلب، وساهم بشكل مباشر في دعم نظام اتُّهِم بجرائم إبادة بحق شعبه. خسر الحزب جزءًا كبيرًا من رصيده الأخلاقي، حين انتقلت بندقيته من مقاومة الاحتلال إلى تثبيت الاستبداد.
بل وتوسّع دوره إلى العراق واليمن، مشاركًا أو داعمًا لتدخلات إيرانية في عمق العالم العربي، ما جعله يُنظر إليه كأداة جيوسياسية لإيران أكثر من كونه “حركة مقاومة لبنانية مستقلة”.
خطاب التخوين والتخويف
أسهم الحزب أيضًا في تعميق الانقسام الطائفي، من خلال خطاب تخويني مستمر ضد معارضيه. كل من يرفع الصوت ضد سلاحه يُتهم بالعمالة أو بالخيانة أو بتنفيذ أجندات خارجية. هذا السلوك يهدد النسيج الوطني، ويحوّل أي حوار سياسي إلى معركة وجود.
اغتيالات وبيئة رعب
لا يمكن تجاهل سلسلة الاغتيالات السياسية التي طالت رموزًا مناهضة للحزب، من رفيق الحريري إلى لقمان سليم. ورغم عدم صدور إدانات رسمية مباشرة في بعض القضايا، فإن محكمة الحريري الدولية وجهت اتهامات لأفراد من الحزب، مما ترك ظلًا قاتمًا على سمعته، ورسّخ صورة عن بيئة رعب أمنية تُغتال فيها الكلمة والرأي.
النهاية المفتوحة
شناعة الممارسة تكمن في فقدان البوصلة الأخلاقية والسياسية. حين تلبس الجماعات عباءة “المقدس” و”المقاوم”، بينما تسلك طريق السيطرة والقمع والهيمنة، فإنها تفقد شرعيتها، حتى لو تمسّكت بخطاب التحرير.
حزب الله لم يعُد مجرد تنظيم ، بل بات دولة داخل الدولة، خدمة لبلاد فارس يخطف القرار، ويشوّه السيادة، ويجعل من لبنان منصة لصراعات إقليمية لا تُنتج سوى الموت والإنهيار


