الحرة بيروت
يشهد لبنان مرحلة سياسية شديدة التعقيد والتوتر في ظل تكليف نواف سلام بتشكيل الحكومة الجديدة. ففي وقت تتزايد فيه التحديات الداخلية والخارجية، يسعى سلام إلى تحقيق توازن دقيق بين مطالب القوى السياسية المحلية وضغوط الأطراف الدولية التي تتابع الوضع اللبناني عن كثب.
منذ الإعلان عن تكليفه، بدا أن سلام يعتمد نهجاً سياسياً مختلفاً عن المعتاد. فهو قدّم مقترحاً حكومياً لم يلقَ قبولاً لدى جميع الأطراف السياسية، ما يعكس رغبته في كسر القواعد التقليدية القائمة على المحاصصة الطائفية وتقديم شخصيات مستقلة.
ويرى كثيرون في سلام رمزاً للتغيير، لا سيما بين الأوساط المدنية، التي تحثه على عدم الرضوخ لضغوط القوى التقليدية مثل الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) والقوى المسيحية (القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر). ومع ذلك، فإن إصراره على هذا النهج يهدد بتعميق الانقسامات السياسية وتباطؤ عملية تشكيل الحكومة.
من جهته، يمارس رئيس الجمهورية جوزيف عون ضغطاً متزايداً على سلام للإسراع في تشكيل الحكومة، خاصة مع اقتراب انتهاء مهلة الـ60 يوماً لتنفيذ وقف إطلاق النار في جنوب لبنان. هذا الضغط لا يأتي فقط من الداخل، بل تعززه أيضاً المطالب الدولية التي تدعو إلى إنهاء الأزمة قبل 27 كانون الثاني/يناير الحالي.
أحد أبرز العوائق أمام تشكيل الحكومة يتعلق بتوزيع الحقائب الوزارية الحساسة، مثل المالية والصحة والأشغال العامة. ووفقاً لبعض المعلومات، أبلغ سلام الرئيس عون عن تقدم محدود في المفاوضات دون التوصل إلى صيغة نهائية.
هذا ويصرّ الثنائي الشيعي على الاحتفاظ بوزارة المالية والمشاركة الفاعلة في اتخاذ القرارات الحكومية، وهو ما يرفضه سلام، الذي يسعى لتعيين شخصية مستقلة بالتوافق مع الرئيس عون. هذا الموقف زاد من حدة التوتر السياسي، خاصة أن الثنائي يعتبر ذلك محاولة لتقليص نفوذه.
اقتراح حكومة تكنوقراط: فرصة أم تحدّ؟
لمواجهة التعقيدات السياسية، يدرس سلام إمكانية تشكيل حكومة تكنوقراط تضم شخصيات معروفة بالكفاءة والنزاهة. هذا التوجه يحظى بدعم دولي لكنه يواجه رفضاً داخلياً من الكتل السياسية، لا سيما حزب الله وحلفائه، الذين يطالبون بضمان حصصهم الوزارية.
كذلك، تتهم القوات اللبنانية حزب الله بعرقلة تشكيل الحكومة من خلال فرض أسماء معينة لتولي حقائب وزارية، في محاولة لتعزيز نفوذه. وفي بيان لها، شددت على رفضها “أي محاولة لفرض مرشحين يخدمون أجندات خارجية”، مؤكدة دعمها لمشروع دولة سيادية ومستقلة.
هذا الانقسام يعكس التباين الحاد بين القوى اللبنانية: فبينما يعتبر البعض حزب الله عقبة أمام بناء الدولة، يرى آخرون أنه عنصر استقرار أمني.
المجتمع الدولي يراقب ويرسم الخطوط الحمراء
من جهته، يفرض المجتمع الدولي، المتمثل في فرنسا، الولايات المتحدة، السعودية، مصر، وقطر، شروطاً صارمة لدعم الحكومة المقبلة. ووفقاً لتقارير إعلامية، فإن هذه الدول ترفض تشكيل حكومة تمنح القوى التقليدية حق الفيتو أو تكرس شعارات مثل “الجيش، الشعب، والمقاومة”. بدلاً من ذلك، تطالب هذه القوى بإعطاء الأولوية للإصلاحات الاقتصادية والشفافية، مما يضع سلام أمام تحديات إضافية.
على أي حال، تسلّط هذه المرحلة الضوء على واقع النظام السياسي اللبناني الذي يعاني من تشرذم داخلي وتأثير خارجي واسع النطاق. وبينما يأمل البعض أن يكون نواف سلام قادراً على كسر هذه الحلقة المفرغة، تظل المعادلات الطائفية والضغوط الدولية عقبة كبرى أمام أي تغيير جذري. فنجاح سلام في تشكيل الحكومة سيكون اختباراً ليس فقط لقدرته الشخصية على الموازنة بين المصالح المتضاربة، بل أيضاً لمستقبل لبنان السياسي في ظل ظروفه الراهنة.