
بقلم: نبيلة غصين
المفكرة القانونية – باتت الأدوية في الصيدليات اللبنانية معرّضة للتلف أو لانتهاء صلاحيتها إذا ما استمرّت الأمور على ما هي عليه. ويكمن التحدّي اليوم في سحب الأدوية من هذه الصيدليّات، وفي إيجاد أماكن لتخزينها بطريقة تمنع تلفها، وكيفية تصريفها.
أكثر من 880 صيدلية أقفلت أو تعرّضت للتدمير أو الضرّر في مناطق تتعرّض للعدوان الإسرائيلي في الجنوب وضاحية بيروت الجنوبية والبقاع، بحسب نقيب الصيادلة، جو سلّوم. والصيدليات التي أقفلت تضمّ أدوية بمئات آلاف الدولارات. وتتوزّع الصيدليات المقفلة أو المتضرّرة بحسب موزّعي أدوية محلّيين كالتالي: 500 صيدلية في أقضية صور وبنت جبيل ومرجعيون والنبطية، منها ما تهدّم بشكل كلّي، 200 صيدلية في الضاحية الجنوبية على الأقلّ، منها سوّيت أرضاً، وحوالي 180 صيدلية في البقاع وبعلبك الهرمل.
وإضافة إلى الصيدليات التي أقفلت، هناك صيدليات لا تزال تفتح أبوابها في مناطق تتعرّض للاستهدافات الإسرائيلية، في كلّ من أقضية بعلبك (20 صيدلية) والهرمل (20) وحاصبيا (11) لخدمة الصامدين، وأصحابها يواجهون صعوبات جمّة في الحصول على الدواء بعدما امتنعت الشركات عن الوصول إلى مناطقهم. وقد بدأ هؤلاء يطلقون نداءات بعد أن بدأ مخزونهم من الأدوية يتناقص خصوصًا من تلك المتعلقة بالأمراض المزمنة.
يصف سلّوم البضاعة في الصيدليات المقفلة بأنّها “جزء من المخزون الوطني للدواء”، ويدعو إلى “إيجاد طريقة لإخراجها بمرافقة قوّات حفظ السلام (اليونيفيل) أو الجيش اللبناني”، مبدياً قلقه من توسّع العدوان أكثر وانقطاع الطرق وسبل إيصال الدواء إلى مختلف المناطق، داعياً إلى إنشاء مستودعات في المناطق التي ما زالت آمنة.
وقد طلبت وزارة الصحّة من نقابة الصيادلة وضع خطّة وتصوّر لكيفية إخراج الدواء وكيفية تصريفه، بحسب ما قال وزير الصحة، الدكتور فراس الأبيض، خلال مؤتمر صحافي. وأضاف أنّ “هذه المسألة تحتاج إلى التعامل بحكمة ورويّة، وإلى ضبط للمعايير، كي لا نواجه مخاطر أخرى متعلّقة بسلامة الدواء”.
عدا ذلك، فإنّ التصريحات الرسمية الأخرى المتعلّقة بهذا الملف انحصرت بالتطمينات، إذ طمأ الأبيض إلى كفاية المخزون لأربعة أشهر، وإلى أنّ الإنتاج في المصانع المحلية مستمرّ وهو قادر على تغطية جزء من حاجة السوق لحد ثمانية أشهر. كما طمأن إلى أنّ وزارته تتلقّى مساعدات تزيد من حجم المخزون الاستراتيجي وتوزّع على مراكز الإيواء، دون أن يشير إلى أنّ هذه الأخيرة تضم جزءاً صغيراً جداً من النازحين لا يتجاوز 200 ألف نازح.
والتطمينات أتت أيضاً على لسان نقيب مستوردي الأدوية، جوزيف غريب، الذي قال إنّ المخزون الاستراتيجي بخير طالما أنّ خطوط الإمداد واستيراد الدواء ما زالت مستمرّة إنْ عبر البحر أو عبر الجو، مشيراً إلى أنّ مخزون الصيدليات المقفلة لا يشكّل سوى 2.5% من مخزون الدواء العام.
ولكن لا يبدو أنّ هذه التطمينات تخفف من هواجس الصيادلة، سواء النازحين الذين بدأوا يخشون من تلف بضائعهم إن لم يتمّ إخراجها قريباً وتخزينها، أو الذين يواجهون نقصاً في المخزون بعد تمنّع الشركات عن تسليمهم البضائع خشية من الوضع الأمني. وأيضاً لا تخفف هذه التطمينات المخاوف من توسّع العدوان وما يعنيه ذلك من انقطاع سبل إيصال الأدوية إلى مختلف المناطق وليس فقط التي تتعرّض للاستهدافات ومن انقطاع خطوط الإمداد في البحر والجو.
يعتبر الصيادلة ممّن اضطرّوا إلى إقفال صيدليّاتهم أنّ المعضلة لا تنحصر في كيفية سحب البضاعة، بل في إيجاد أماكن لتخزينها وكيفية تصريفها. “كيف لي أن أسدّد إيجار المستودع الذي يبلغ 400 دولار أميركي شهرياً، وأنا نازح حالياً؟”، يتساءل أحدهم. وقد توزعت الخسائر بين تلك الناتجة عن توقّف المبيع اليومي، أو جرّاء اقتراب انتهاء صلاحية الأدوية أو تلك التي تحتاج
يعاني عدد كبير من أصحاب الصيدليات في كلّ من قضاء حاصبيا ومحافظة بعلبك الهرمل، من امتناع شركات الأدوية عن الوصول إلى مناطقهم غير الآمنة لتسليمهم الأدوية اللازمة، ما يصعّب مهمّة الاستمرار في العمل. في هذا السياق يقول النقيب غريب أنّه تمّ تحديد نقاط توزيع في مستشفى التركي في صيدا وأخرى عند مداخل بعلبك، إلّا أنّ أصحاب الصيدليات في منطقة حاصبيا باتوا اليوم يسلكون طريق البقاع الغربي بعدما أصبحت طريق النبطية خطرة عليهم، وبالتالي بات الوصول إلى بيروت من جهة البقاع الغربي أقصر من الوصول إلى صيدا بحسب قولهم.
هذا ويؤكّد النقيب سلّوم أنّه، على الرّغم من أنّ لا أزمة في الوقت الرّاهن في قطاع الدواء وأنّ المخزون كاف لمدة أربعة أشهر، إلّا أنّه لا بد من فتح نقاش مع المسؤولين عن خطة الطوارئ حول مسائل عدّة متعلّقة بالدواء، منها كيفية ضمان استمرار وصوله إلى الصيدليات في المناطق التي تستقبل النازحين وسط تخوّف من قطع الطرقات بسبب القصف العشوائي، مقترحًا إقامة مستودعات في العديد من المناطق اللبنانية.
ويفسّر سلّوم أنّ المساعدات على صعيد الأدوية اليوم لا تصل سوى إلى النازحين في مراكز الإيواء الذين لا يزيد عددهم عن 200 ألف نازح حسب قوله، بينما الأكثرية يقطنون في المنازل وهم يقصدون الصيدليات في مناطق النزوح لشراء أدويتهم ما يسبب ضغطًا على هذه الصيدليات وهو ما يدعو إلى ضرورة التفكير في خطة لاستمرار وصول الدواء إلى تلك الصيدليات.
من جهة ثانية، يؤكد سلّوم على ضرورة وضع خطة لإخراج الأدوية من الصيدليات في المناطق التي تتعرّض للقصف قبل أن تدمّر، فبرأيه أنّ هذه البضاعة هي جزء من المخزون الدوائي للبلاد، وهناك ضرورة لإخراجها ووضعها في السوق اللبنانية. كما أنّ تصريفها يساعد الصيادلة في تأمين معيشتهم بدلًا من تكبّد خسائر بآلاف الدولارات، مؤكّدًا أنّ النقاش مع وزارة الصحة وعدد من المرجعيّات جار للبحث في كيفية إنقاذ البضاعة وتخزينها وتصريفها.
أما النقيب غريب فيشير إلى أنه، وعلى الرغم من توسّع رقعة العدوان، إلّا أنّ الأهمّ أنّ خطوط الإمداد ووصول شحنات الأدوية إلى لبنان ما زال مستمرًّا سواء عبر البحر أو عبر المطار عن طريق طيران الشرق الأوسط بعدما توقّفت باقي شركات الطيران عن تنظيم رحلات إلى لبنان بسبب الأوضاع الأمنية. ويضيف أنّه تم إعطاء الأدوية الأولوية في الشحن على باقي المنتجات في المطار، وأنه لا وجود لأزمة. فالوكلاء مستمرّون في الاستيراد بشكل طبيعي لغاية اليوم، مؤكدًا أنّ حجم السوق وحجم الطلب زاد بحدود 5% فقط وهو ناتج إما عن زيادة في تفشّي الأمراض أو إقبال على الشراء نتيجة مخاوف تراود بعض النازحين.


