الثلاثاء, أبريل 29, 2025
21.2 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

إصدارات أسبوعية

ضاهر لـ”جريدة الحرة”: مشروع قانون إعادة تنظيم المصارف ينطوي على مخالفات دستورية ويُحمّل المودعين نتائج الأزمة

الحرة بيروت ـ حوار مع الدكتور باسكال ضاهر، أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية، ومتخصص في الرقابة القضائية على المصارف المركزية

في ظل النقاشات الحامية التي أثارها مشروع القانون الجديد الصادر بتاريخ 4 نيسان 2025 والمتعلق بإصلاح وضع المصارف اللبنانية وإعادة تنظيمها، يقدّم الدكتور باسكال ضاهر، في حديث خاص لـ”جريدة الحرة”، قراءة دقيقة ومفصّلة لهذا المشروع، من خلال مقاربة قانونية تضع الدستور ومبادئ العدالة والمساواة في صلب التحليل.

في هذه المقابلة، كشف الدكتور ضاهر عن مكامن الخلل والانحراف في نصوص المشروع، كما تناول المخالفات التي تطال الدستور وحقوق المودعين، مع التركيز على الثوابت القانونية التي لا يجوز المساس بها، والمخاطر المرتبطة بتغليب منطق التسويات على منطق العدالة القانونية.

ما هي الثوابت القانونية التي يجب التذكير بها عند مقاربة مشروع القانون؟
بداية، يقتضي إعادة التأكيد على الثوابت القانونية التالي بيانها:

إن الدستور اللبناني الليبرالي هو القاعدة الأعلى والملزمة والتي لا يمكن للسلطة التنفيذية أو التشريعية الحيد عنها، وهي توجب على كل تشريع أن يكون متوائمًا مع نصوصها الحامية لودائع الملكية الخاصة وتحرّم وتمنع المسّ بها. وبالتالي فإن أي تشريع يسقط بامتحان الدستورية في حال تعارضه مع تلك المبادئ التي بُنيت عليها الجمهورية اللبنانية.

كيف يمكن توصيف الأزمة التي أدّت إلى طرح مشروع القانون هذا؟

إن توصيف الأزمة يشكّل اللّبنة الأولى للبناء والتأسيس العلمي السليم، الهادف إلى الخروج الواعي والمتين من أزمة انحرافات قانونية غير نظامية مفتعلة. ذلك لأنها حصلت للأسباب التالية:

  • بسبب ارتكاب أخطاء ومخالفات قانونية جسيمة بمشاركة حرّة من القطاع المصرفي؛
  • لأنها لم تكن غير متوقعة الحصول؛
  • لأنها لم تأتِ نتيجة حدث خارجي أجنبي، الأمر الذي يفرّقها حكمًا عن أزمة تدحرج أحجار الدومينو ومفهوم البجعة السوداء.

مع الإشارة هنا إلى أن هذا التوصيف قد اعتمدته عموم المحاكم اللبنانية وأيضًا المشرّع اللبناني حينما أخذ بالأسباب الموجبة لردّ قانون إلغاء السرية المصرفية والمُعاد إرساله من قِبل موقع رئاسة الجمهورية في حينه، لا سيّما وأنه قد ردّ فيه ما حرفيته بأن “الأزمة لم تنشأ فقط عن الجرائم المالية إنما أيضًا عن مخالفات مصرفية متعدّدة ومزمنة.”

كيف تنظرون إلى موقف رأس المال الدولي تجاه هذه الأزمة؟

إن رأس المال الدولي لا يستكين إلّا لدولة القانون، ولاستقطابه يقتضي الالتزام بالثبات التشريعي، أي بالأحكام القانونية التي كانت موجودة حينما دخل إلى لبنان لأنه اعتبرها كافية لحماية مصالحه، مما يوجب عدم المسّ بها وتعديلها. وهذا ما قد أكّد عليه سعادة الحاكم الجديد الأستاذ سعيد حينما شدّد على أن أموال المودعين ستعود لأصحابها بشكل ممنهج، وهو ما أدّى إلى رفع عامل الثقة الائتمانية. إلّا أن هذه الإيجابية الهامة ترافقت مع إرسال إشارات سلبية من الحكومة بطرحها المشروع موضوع التعليق.

هل هناك نقص تشريعي يستدعي هذا النوع من القوانين؟

لا يوجد في الجمهورية اللبنانية نقص تشريعي بل انحراف تطبيقي، وهذا أيضًا ما قد شدّد عليه سعادة الحاكم الجديد حينما أكّد بكلمته على أن القانون المنصوص عليه في كتلة المشروعية هو الحكم وهو الأساس، وأن إعادة هيكلة القطاع المصرفي محصورة بالتمويل الذاتي من أصحاب ومساهمي المصارف، سواء الإرادي أو الإلزامي، إضافة إلى الدمج والاندماج. الأمر الذي ترافق مع إرسال إشارات سلبية من الحكومة اللبنانية أيضًا حينما طرحت في المادة 38 من مشروع القانون تعليق أحكام القوانين عينها التي استندت إليها كلمة الحاكم في كل ما لا يأتلف مع أحكام المشروع المطروح من قِبلها، أي قانون النقد والتسليف والتجارة والموجبات والعقود وقانون الرقم 2/67 و28/67 و110/91، أي كامل كتلة المشروعية المالية والمصرفية والنقدية في الجمهورية اللبنانية.

هل صحيح أن صندوق النقد يفرض شطبًا في قيمة الودائع؟

إن صندوق النقد الدولي، وبخلاف ما يُشاع، لا يفرض معادلة الشطب أو التخفيض في القيمة، بل جلّ ما يطلبه من الحكومة اللبنانية أن تكون خطتها مجدية في نتائجها، وهذا الأمر متروك للسلطات اللبنانية لتحديد المنهجية التي يجب أن تتلاءم مع المتطلبات التي يضعها صندوق النقد الدولي.

والدليل على ما تقدّم هو أن الدولة الأيسلندية قد طبّقت في أزمتها الأحكام القانونية لديها، ولم تخترع أي قانون جديد يلائم المرتكِب. وتعاضدَ في حينه المجلس النيابي والحكومة والسلطة القضائية، إذ عَمدَ المجلس بسرعة إلى تشكيل لجان تحقيق لمعرفة أسباب الأزمة وتحميل المسؤوليات للمرتكِبين وردّ الأموال. فيما أطلقت السلطة القضائية التحقيقات بعد أن عيّنت مدّعيًا عامًا متخصصًا يعاونه مكتب تحقيق. كلّ ذلك أدّى إلى ترتيب المسؤوليات وكان من جرّاء ذلك أن حمت الدولة الأيسلندية الاقتصاد والودائع، ونهضت بالقطاع المصرفي ورفعت عامل الثقة الائتمانية بها، وخرجت بعد سنتين إلى صندوق النقد الدولي وأظهرت له نتائج أعمالها القانونية والتي انعكست إيجابًا على الاقتصاد برمّته، فما كان من الـIMF في حينه إلا أن وافق وفتح لها الأسواق الدولية.

ما هي أبرز الملاحظات التي تسجلونها على مشروع القانون المطروح؟

بداية، هذا المشروع المطروح راهنًا هو هجين ويتضمن استعادة لنصوص القانون الرقم 2 و28/67 ولمشاريع أخرى طُرحت في نصوص سابقة لم تُقرّ، مع تحويره وتضمينه نواحي غير دستورية تسعى إلى تحميل المودعين نتائج المخالفات القانونية التي لم تُرتكب من قِبلهم والتي لا علاقة لهم بها، وقد أدّت إلى عمليات ترابح ومرابحة على حسابهم.

ما رأيكم في المادة 13 من مشروع القانون؟

اعتبرت هذه المادة أن الودائع هي جزء من المطلوبات على المصرف وأجازت أن يتمّ تحويلها إلى أدوات رأسمالية، وتخفيض في قيمتها سواء جزئيًا أو كلّيًا. وهذا خطا جسيم لأن الملكية الفردية بحِمى الدستور اللبناني ولا يمكن المسّ بها. وبالتالي فإنه، وحتى لو علّق هذا المشروع القوانين كافة وفق ما ورد في المادة 38 منه، إلّا انه سيبقى متعارضًا مع النص الأعلى قيمة، ألا وهو الدستور اللبناني.

ما تقييمكم للفقرتين السادسة والثامنة من المادة 14؟

أتت الفقرة السادسة من المادة 14 من هذا المشروع وفرضت أن تكون الحماية المخصصة للودائع بحدود المبلغ المضمون من قِبل المؤسسة الوطنية لضمان الودائع. وهذا الطرح غير قانوني وغير مستقيم، وينمّ عن افتقار وعدم إحاطة بالأسس القانونية المرعيّة الإجراء في كتلة النصوص المالية والمصرفية، والتي تحدّد بأن المبلغ المحدّد في قانون المؤسسة الوطنية لضمان الودائع هو إضافي وليس نهائيًا.

كذلك، أتت الفقرة الثامنة من المادة 14 وفرضت أن تُعامَل الودائع كالأسهم لجهة شمولها بـBAIL-IN، على أن يتمّ تخفيض قيمتها، وهو مسمّى آخر للـ”هيركات”. وهذا خطأ فادح لأن الوديعة بحكم القانون ليست استثمارًا كالأسهم. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنه لا يمكن جمع البناءَين القانونيَين المتصلَين بحكم الوديعة والسهم في بنيان واحد، للاختلاف الجذري الكامن بينهما. كما لا بدّ من التذكير بأحكام المواد 287 قانون الموجبات والعقود، و121 معطوفة على 156 من قانون النقد والتسليف.

ماذا عن الملحق المرفق بمشروع القانون؟

أتى الملحق المرفق بالقانون ليهتك قاعدة المساواة المنصوص عليها في الدستور اللبناني والمؤكّد عليها بالعديد من قرارات المجلس الدستوري، وفاضل بين الحقوق، لا سيما وأنه قد أوجد تفرقة ومفاضلة غير دستورية بين الأشخاص والكيانات التي تُعتبر في موقع قانوني واحد، واستثنى من جملة أحكامه:

  • الودائع المخصصة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والمؤسسة الوطنية لضمان الودائع، وفي ذلك عدم مساواة مع الودائع الخاصة بالنقابات، مما يجعل النص مشوبًا بعدم الدستورية.
  • الودائع المحفوظة لمدفوعات موظفي المصارف وتلك المسمّاة “فريش”، أي أموال جديدة، وفي ذلك هتك فاضح لقاعدة المساواة الدستورية مع المودعين السالفة الذكر.

كيف ترون تصنيف الودائع في مشروع القانون؟

صنّف هذا المشروع الودائع وفاضل بينها، وقسّمها بين محمية وغير محمية، وبذلك يكون قد أكّد على المخالفات والانحرافات التي حصلت طيلة الفترة المنصرمة والتي نتج عنها تهريب أموال إلى الخارج للأشخاص المعرّضين سياسيًا، وتلك التي يقع عليها تعريف جرم التداول من الداخل délit d’initié، والمتّصل كل ذلك بالتعميم 165 الذي سمح بتحرير تلك الأموال وإعادتها إلى النظام المصرفي تحت مسمّى “فريش” أو أموال جديدة، في وقت حُرم جميع المودعين من حقهم هذا.

وماذا عن ودائع العملاء بالليرة؟

بالرغم من أن هذا الملحق قد استثنى ودائع العملاء بالليرة، إلاّ أنه لم يُعوّض عليهم الخسائر الفادحة التي لحقت بهم، وهذا ينمّ عن أن واضع النص قد اعتبر أن الأزمة نظامية، بخلاف الواقع القانوني والواقعي بأنها مفتعلة، وأن التضخم كان مقصودًا، وفق ما أقرت به الصفحة الأولى من خطة الحكومة السابقة الصادرة في العام 2022.

ما هي ملاحظاتكم على المواد 10 و5 من مشروع القانون؟

يوجد خلل في المادة العاشرة من هذا المشروع، لأنها سمحت بأن يتم تعيين المقيّم المستقل من خلال المصرف المعني.

هذا إضافة إلى خلل آخر في الفقرة الأخيرة من المادة الخامسة من المشروع، والذي أعاد تأليف الهيئة المصرفية العليا، والتي اعتبرت بأنه لا يُعلَّق عمل الهيئة في حال عدم اكتمال تعيين الأعضاء.

 

https://hura7.com/?p=48789

 

 

 

 

 

 

 

 

الأكثر قراءة