جريدة الحرة
بقلم: علي الرز
إذا كان التسجيل المنسوب للرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في حزيران 1970 مع معمّر القذافي صحيحاً (وهو الأرجح) فإنه يشكّل انقلاباً في المفهوم القومي العربي الممانع الذي تبعته آليات دينية ممانعة لاحقاً. فأنصار ناصر نشأوا على أن لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وأنه سيحرر فلسطين شبراً شبراً “ولو كان فوق كل شبر شهيد”. وأن فلسطين أمانة من النهر إلى البحر.
هنا، عبد الناصر آخر، يؤكد ما قاله قريبون منه أن الموت لم يعطه فرصة للتعبير عن نضج كبير في رؤيته للأمور… والمفارقة أن ما ورد في هذه المحادثة يتطابق إلى حد كبير مع واقعنا اليوم.
جوهر المحادثة كلّها أن الممانعين العرب آنذاك، العراق وسورية واليمن الجنوبي والفصائل الفلسطينية الراديكالية والجزائر وليبيا، خوّنوا عبد الناصر لأنه قبِل بمبادرات دولية لوقف النزف العسكري الذي أدمى مصر والتوجه لفتح مسارات سلمية تفاوضية تحفظ على الأقل ما خسره العرب في حرب 1976.
في اعتماد الديبلوماسية سلاحاً يقول ناصر: “إذا كان هناك فرصة لإزالة العدوان في مناطق 67، فلماذا نتركها؟ أريد استرجاع الأرض التي فقدناها سنة 67، وبعدها نعمل على استرجاع أراضي 48، لكنهم يقولون: نسترجع الاثنين معاً، أو لا نسترجعهم”. خالصاً إلى أن هذا النهج سيؤدي إلى إعطاء “باقي فلسطين لليهود”.
عبد الناصر في المحادثة أعلن حياد بلاده بكل وضوح وأنه سيركّز على استعادة سيناء… “إذا كان هناك أحد يريد أن يكافح فليُكافح، وإذا كان هناك أحد يريد أن يناضل فليُناضل، تفضلوا أنتم والعراق وسورية واليمن والجزائر. نحن ناس استسلاميون. الذين يريدون القتال والتحرير، تفضّلوا اجتمعوا، ونحن سوف نقاطع الاجتماعات. اتركونا. حلّوا عنا”.
وفي نظرته الواقعية لموازين القوى آنذاك تحدث عن تفوّق إسرائيل العسكري وعن دعم العالم لها قائلاً: “تريد أن تحرر تل أبيب. كيف ستفعل ذلك وهم متفوقون علينا براً وجواً؟ أنا لا أقول هذا الكلام لأنني انهزامي، لكن إذا كنا نريد أن نحقق هدفاً، لابدّ أن نكون واقعيين”.
“المارد العربي” بعيداً من الشعارات، كان يطالب باسترجاع الحقوق بالتفاوض وينادي بالحياد مقابل موجات الممانعة ويقرأ اختلال موازين القوى بعين الخبير المجرب… أما “اختلال” البعض في المنطقة حالياً فواضح، لا يحتاج لا إلى خبرة ولا إلى تجربة.