السبت, فبراير 15, 2025
-1 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

عبير مراد ـ “عيترون”: أول الراحلين وآخر العائدين

الحرة بيروت ـ بقلم: عبير مراد

ما أن أعلن وقف إطلاق النار مساء 26 تشرين الثاني/نوفمبر 2024 حتى بدأ أبناء الجنوب بالزحف نحو قراهم فجر اليوم التالي. تلك القرى التي كانوا أول الخارجين منها وربما آخر العائدين، لا سيّما قرى الشريط الأمامية ومنها قرية عيترون. وهي قرية حدودية تحدّها بنت جبيل وعيناتا من الغرب، كما بليدا والأراضي الفلسطينية المحتلة من الشرق، إلى جانب موقع المالكية.

في صبيحة ذلك اليوم تجمّع أهالي القرية في مدينة صيدا وانطلقوا نحو عيترون بحذر شديد، لأن العدوّ الصهيوني لا يؤتمن، وهم يتحدثون بين بعضهم البعض عن رحلة العودة وما ينتظرهم ساعة الوصول. وعلى الرغم من ذلك شهدنا على وجوه العائدين من أهل القرية فرحة، وإن كانت غير مكتملة. فقد قال لنا أحد الشبان واسمه أحمد: “ركبت دراجتي النارية وعدت إلى القرية فور سماع خبر الهدنة”. وأضاف: “ستأتي عائلتي بعد قليل وسنبقى هنا في بيتنا”. وحين سألناه عن كيفية تأمينه للمواد الغذائية في الأيام المقبلة والقرية خالية منها تماماً أجاب: “سنحضر كل ما يلزم من “رميش”. إنها قرية قريبة من هنا وقد فتحت دكاكينها ومحلاتها مؤخراً”.

هكذا كانت حال العديد من السكان الذين كان حماسهم للعودة والاستقرار في بلدتهم يفوق مؤشرات الهدنة المزيّفة. إلى جانب ذلك، كانت بلدية القرية في جهوزية تامة للبدء بعمليات التنظيف والتجهيز. فعلى الرغم من أنها طلبت من سكان القرية ألّا يتوجهوا إليها إلا بعد انقضاء 72 ساعة على إعلان الهدنة، غير أن الأهالي هبّوا إلى أرضهم فور سماعهم الخبر. وقد وجدنا أوّل العائدين رئيس البلدية المهندس “سليم مراد” يجول بسيارته على أهل القرية، يطمئن إلى أحوالهم وإلى عودتهم بالسلامة.

هذا وأخبرنا الأخير أنه ابتداء من اليوم التالي (أي 28 تشرين الثاني/نوفمبر)، عند الساعة الثامنة صباحاً، ستبدأ البلدية بأعمال إزالة ما خلّفه العدوان من تراب و حجارة عن الطرقات كي يتسنى للمواطنين سلوكها بأمان. وأكمل: “نحن، كبلدية، نعلن عن حاجتنا لمتطوعين للمساعدة بهذه الأعمال، بعد أن استشهد كامل طاقم الدفاع المدني في عيترون”. كما أكدت صاحبة دكان صغير في وسط البلدة، تدعى “زينب”، أنها ستباشر فتح دكّانها فور القيام بالتصليحات اللّازمة له.

وفي هذا السياق، قال لنا أحمد عبر اتصال هاتفي، وهو صاحب مؤسسة كهربائية من أبناء البلدة ويقطن الآن خارج البلاد بسبب العدوان، أنه عائد إلى لبنان في غضون عشرة أيام نزولاً عند رغبة رئيس البلدية، وذلك للبدء بأعمال الإمدادات الكهربائية في القرية والجوار. إلّا أن أَيّاً من ذلك لم يحدث. فقد كان للعدو الاسرائيلي رأي آخر وخطة تدميرية جديدة تختمر ليحين وقت “الهدنة”.

على الرغم من العودة الحذرة وإعلان رئيس البلدية عن البدء بعمليات إعادة التأهيل، إلّا أن المشهد في عيترون كان مريباً حيث لا مياه ولا إنترنت و لا حتى اتصالات. فبدت البلدة وكأنها مكان غير صالح للسكن بفعل الدمار والتفجيرات وما مارسه العدوّ من تخريب في القرية خلال هذه الحرب.

إلّا أن كل ذلك لم يمنع أهل القرية من البدء برفع الركام والسعي لأن تعود عيترون كما كانت، لا بل أفضل مما كانت عليه. فقرية “عيترون” صُنّفت كأكثر قرية تقديماً للشهداء خلال الحرب، حيث بلغ عددهم أكثر من مئة شهيد مدني وعسكري، وعطاؤها لم يتوقف بعد بل ها هو ينتقل من جيل إلى جيل.

هذه القرية هي واحدة من قرى الحافّة الأمامية التي يؤكّد أهلها بأن الدفاع عن الأرض والعرض تهون في سبيله الدماء. إلّا أنّ السّؤال يبقى: لماذا يتم تهميش أهل الشريط الحدودي وكأن ما يحصل لديهم هو خارج نطاق الدولة اللبنانية أو بعيد عنها؟

https://hura7.com/?p=43047

الأكثر قراءة