إذا كان حزب الله حريصًا فعلًا على مصلحة المجتمع اللبناني، وضمنًا ما يسميه “البيئة الحاضنة”، فعليه إعادة النظر في سياساته تجاه الداخل اللبناني قبل فوات الأوان. التراجع أمام إسرائيل والتشدّد في الداخل اللبناني لا يصبّ في مصلحة أحد، بل يعمّق صورة التناقض بين الشعارات والأفعال.
اليوم، بدلًا من خوض معركة محاصصة على وزارة المالية التي كانت تحت سيطرة الثنائي وحلفائه لأكثر من عشر سنوات ولم تقدّم أي إنجازات للدولة والمجتمع في لبنان سوى المزيد من الانهيار، على الحزب أن يسأل نفسه: هل التمسك بالوزارة يخدم الإصلاح أم يكرّس الفشل؟ هل يُعزز مناعة المجتمع اللبناني والبيئة الحاضنة ضمنًا أم على العكس من ذلك؟ هل هكذا تتحصّن مناعة لبنان بوجه إسرائيل خاصة وأن القوى السياسية الأخرى قبِلت الانسحاب من لعبة المحاصصة في رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة؟ فلماذا يكون الثنائي هو من يقاتل للحفاظ على نظام المحاصصة الطائفية، حتى لو كلّفه ذلك عزلة داخلية وتراجعًا في التأييد الشعبي؟
ما حدث في 17 تشرين وفي المظاهرات التي تلت تفجير الرابع من آب يجب أن يكون درسًا. فعندما تراجعت كل القوى الطائفية أمام المدّ الشعبي، كان حزب الله وحركة “أمل” من مدّا اليد والعصا دفاعًا عن التركيبة السياسية المُدمِرة، وها هما اليوم يكرران الخطأ نفسه، متجاهلين أن سياساتهما هذه لا تهدد فقط عملية إعادة الإعمار والإصلاحات المالية، بل موقعهما بين جمهورهما ومناعة المجتمع اللبناني وضمنًا ما يسميانه بالبيئة الحاضنة، التي ستكون أول من يدفع الأثمان.
التمسك بالهيمنة على المؤسسات وإضعاف الدولة والإمعان بإخضاع المجتمع اقتصاديًا لن يعزز قوّة الحزب، بل سيعمّق أزمته الداخلية. التغيير قادم لا محالة، والخيار الوحيد اليوم أمام حزب الله وحركة “أمل”: إما أن يكونا جزءًا من الحلّ، أو أن يجدا نفسيهما في مواجهة على المدى القريب مع جمهورهما قبل باقي المجتمع اللبناني.