السبت, ديسمبر 14, 2024
0.7 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

عودة الوطن إلى الدولة – بقلم د. ميشال الشمّاعي

بوابة بيروت – الشيطان ينزعج كثيرًا من صوت الحق، تمامًا كما ينزعج من يسعى لإسكات هذا الصوت. الإعتداء على الإعلاميين، ومن بينهم الزميل نبيل مملوك، والمراسلين محمد البابا وإيمان شويخ، أمر مرفوض بشكل قاطع.

فحرية الصحافة ليست مجرد حق، بل هي صمام أمان لأي مجتمع يسعى إلى العدالة والشفافية. وكما قال جاد الحكيم للملك كيفون الظالم في مسرحيّة “ناطورة المفاتيح”: “ما حدا بيقدر يحبس المي، والناس متل المي إلا ما تلاقي منفذ تتفجّر منو”.

فليدركوا أن قمع الأصوات الحرة لن يوقف الحقيقة من الانبثاق، بل سيزيدها قوة وتحديًا. وما نشهده اليوم في  مجتمعنا اللبناني  من أصوات تتعالى بعد تحرّرها من ربقة السلاح غير  الشرعي، أو حتّى من تلك التي  فقدت مقوّمات الحياة التي أوهموها بها، هذه الأصوات التي باتت تصرخ كلّ يوم أكثر  من ذي قبل مطالبة بحقّها في الحياة فقط.

هذا الحقّ الذي تحوّل مع منظّمة “حزب الله” ونتيجة لعمليّة الأدلجة التي بلغت من العمر ثلاثة عقود ونيّف، صار حقًّا في الموت. وبات من يطالب بحقّه في الحياة الكريمة وسط هذه البيئة الكيانيّة اللبنانيّة خائنًا وعميلًا ومتصهينًا ومتأسرلا ومتأمركًا. فيما يحقّ لهم وحدهم التعاطي مع الضبّاط الصهاينة تحت ذريعة أنّهم تحوّلوا إلى مفاوضين من قبل الأميركيين. وهم يحصّلون حقوق اللبنانيّين بتفاوضهم معهم. فيما القاصي والدّاني يدرك كيف باعوا الخطّ 29، ثروة الأجيال الطالعة، للعدوّ مقابل مكاسب سياسيّة على مذبح الديبلوماسيّة الفارسيّة، ولكن سرعان ما أسقطها غباؤهم الاستراتيجي.

علمنا عبر التّأريخ أنّ المقاومة هي التي تدرء الاحتلال عن الأوطان، فيما مقاومتهم المزعومة طوال هذه العقود الثلاثة هي التي استجلبت الاحتلال، حيث باتت أنامل الصهاينة تعزف أناشيد إسرائيل على بيانو جوليا بطرس الذي لطالما عزف ” منرفض  نحن نموت، قولولن رح نبقى، أرضك والبيوت والشعب  ل عم يشقى، هو إلنا يا جنوب،  يا حبيبي يا جنوبي”.

كمّ الأفواه لطالما أسقط الذين مارسوه. وشمس الحرّيّة لا بدّ وأن تشرق من جديد. لا يحقّ لمن دمّر لبنان بحجّة تحريره أن يكمّ أفواه الأحرار الأصيلين فيه.

لا يحقّ لمن قمع شعبه بحجّة مكاسب في الجنّة أن يمنع عنهم حقّ الحياة في وطن كريم يؤمّن لهم أدنى مقوّمات هذه الحياة.

لا يحقّ لمن سمح لنفسه بمفاوضة العدو، وببيع وطنه على مذبح المفاوضات الدّوليّة إرضاء لوليّه أن يتّهم الذين يطالبون بتطبيق القرارات الدّوليّة بالخيانة العظمى.

النّاس سيكونون ذلك النّهر الجارف الذي سيجرف زيف ادّعاءاتكم طوال هذه العقود الثلاثة. الناس سيكسرون قيودهم، وسيخلعون أبواب سجونكم الفكريّة ليتحرّروا وليتعارفوا وليعيشوا معًا كما ورد في القرآن الكريم في الآية 13 من سورة الحجرات: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾.

فربّنا عليم وخبير بما اقترفته أيادي هؤلاء الذين تركوا شعبهم ونزحوا إلى العراق منذ بداية هذه الحرب. حقّ الموت لهم وحدهم. وحقّ الحياة لأبناء الحياة الذين زرعوا أرض الجنوب بعرق جبينهم فأنبتت كرمة مقدّسة وزيتونًا ساميًا وتبغًا معاندًا الموت ليُحيي أبناء هذه الأرض.

قد تطول عمليّة التحرّر الفكري. لكن فليعلم النّاس كلّهم بأنّ أمواج الحريّة ستكون تسوناميّة، ولن يتمكّن الفكر المتحجّر في غياهب التاريخ الحاقد من مجابهة هذه الأمواج لأنّها ستجرفه. والممارسات المؤسّساتيّة ستتوسّع أكثر يومًا بعد يوم. ولن يكون آخرها ما قام به العميد كفوري في  مطار بيروت حيث أخضع الفريق الأمني  الإيراني  للتفتيش. ولن يكون هؤلاء من المرحّب بهم بعد اليوم سوى في السراديب التي بنوها لأترابهم والتي سبّبت بموت مكوّن حضاريّ بالكامل.

لن نسمح لأصحاب هذا الفكر بالإقدام على الانتحار الجماعي لمكوّنهم الحضاري بالكامل. فكما منعناهم من نحر الوطن بما تبقّى من الوطن الذي صار بيئة بيئتهم الحاضنة، هكذا لن نسمح لهم بقتل إخوتنا في الوطن. معًا سننهض بما تبقى. معًا سنقول: ” باللي بقيو رح منكمّل”.

والوطن عائد إلى الدّولة شاء من شاء وأبى من أبى. وإن كانت الدّولة بمنظورهم العقائدي تعني خيانة للوطن فنعمَّ هكذا دولة فرضوها علينا ثلاثة عقود. دولتنا آتية. وطننا حيّ لن يموت. وحقّنا في الحياة حقّ مقدّس لن نسمح بانتزاعه منّا. وحقّنا بقول الكلمة الحرّة حقّ يوازي حياتنا بحدّ ذاتها. فكما ندافع عن حياتنا هكذا ندافع عن حريّتنا. وكما قال البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير: “إن خيّرنا بين العيش المشترك والحرّيّة نختار الحرّيّة”.

العيش المشترك مع هذا الفكر ساقط. لا بل سقط إلى غير رجعة. والعيش معًا مع الأحرار الأصيلين في الحرّيّة الشخصيّة الكيانيّة الأصيلة في هذه الأرض هو الثابت الذي سنبني على أسسه لبنان الجديد. معيارنا في الانتصار هو بعودة الوطن إلى الدّولة وليس بمقدار الدّمار الذي نردي عدوّنا به لنبيت في العراء. معيارنا في الانتصار هو في العيش معًا نحن والأحرار كلّهم.

هذا لبناننا. ولن يكون لهم لبنان يأويهم لأنّهم لا يشبهون لبنان الحرّيّة الذي يرتاح تاريخ السلام والأخوّة والتعارف الحقيقي في كيانه. تفاءلوا … فنحن صنّاع الأمل لأنّنا من صلب الرّجاء. فلبنان الجديد آتٍ لا محالة. والوطن كلّه عائد إلى الدّولة حتمًا.

https://hura7.com/?p=37290

الأكثر قراءة