بقلم: أنديرا الشوفي
العربي الجديد ـ يتصاعد العدوان الإسرائيلي على لبنان وسط استهداف المناطق الزراعية في الجنوب، وقصف أبرز معبر حيوي بين لبنان وسورية في منطقة المصنع البقاعية، فيما تتصاعد المخاوف من حصار برّي وبحري وجوي قد يفرضه الاحتلال على لبنان.
وفي ظلّ تطور الأحداث، برزت المخاوف حول قدرة لبنان على تأمين احتياجاته الغذائية أمام أي أزمة قد تنجم عن تعطّل الإمدادات الخارجية، خصوصاً مع اعتماد لبنان بشكل كبير على الاستيراد لتوفير احتياجاته الغذائية.
وعبّر مدير برنامج الأغذية العالمي في لبنان، ماثيو هولينغورث، خلال مؤتمر صحافي في جنيف، عن القلق إزاء قدرة لبنان على توفير الغذاء. ونقلت وكالة “رويترز” عنه أن “آلاف الأفدنة من الأراضي الزراعية في جنوب البلاد قد احترقت أو هجرها أصحابها، وسط تصاعد الأعمال القتالية”. وشرح: “من ناحية الزراعة وإنتاج الغذاء، هناك قلق غير عادي بشأن قدرة لبنان على الاستمرار في إطعام نفسه”، مضيفاً أنه لن يجري حصاد المحاصيل، وسيصيب العفن الإنتاج في الحقول. وفي المؤتمر الصحافي ذاته، حذّر المسؤول بمنظمة الصحة العالمية في بيروت، إيان كلارك، من وجود خطر أكبر يتمثل في تفشي الأمراض بين السكان النازحين في لبنان.
وفي هذا السياق، تحدّث الخبير الاقتصادي، محمود جباعي، عن وضع المخزون الاستراتيجي الغذائي في لبنان، مشيراً إلى أن المخزون يكفي لمدة تتراوح بين شهرين إلى ثلاثة أشهر. وأوضح أن وزارة الاقتصاد سمحت للمستوردين بإدخال بضائعهم دون الحاجة لإجراءات لوجستية، أو المرور عبر الوزارة، بهدف الحفاظ على هذه البضائع في المخازن، مع إطلاق منصات إلكترونية من قِبل الوزارة، للتحقق من وجود المخزون.
وأضاف جباعي أنه طالما أن مرفأ بيروت يعمل، فإن لبنان يملك مخزوناً كافياً ولا داعي للقلق إلّا إذا جرى فرض حصار بحري على البلد، وهذا ما تحاول القوى السياسية والحكومة اللبنانية منعه، من خلال التواصل مع سفراء الدول المعنية. وأشار إلى أن “إسرائيل فرضت حصاراً جوياً تاماً وحصاراً برياً جزئياً، من خلال قطع طريق المصنع، في محاولة لإدخال لبنان في مرحلة حصار شامل. وإذا جرى فرض الحصار البحري، فمن المتوقع أن تكون هناك أزمة غذائية واحتكار، وفي هذه الحالة لن تتمكن وزارة الاقتصاد من السيطرة على الأزمة، وستخرج الأمور عن إطار المراقبة والإدارة”.
وقال جباعي إنه في حال حصلت الحكومة اللبنانية على ضمانات بعدم فرض حصار بحري، فلن يكون هناك داعٍ للخوف. ودعا القوى السياسية إلى التواصل المستمر مع الدول العربية والدول الأخرى لمنع الحصار، مع التأكيد على أهمية الحفاظ على الجسر الجوي الذي يوفر المساعدات اليومية، عبر مطار بيروت الدولي. وشدد على أنه لا توجد أزمة غذاء حتى اليوم، فيما الموقف اللبناني يسعى إلى تطبيق القرار 1701، وتجنب أي حصار غذائي على البلد.
هذا وأكّد جباعي أن وزارة الاقتصاد تسعى لتأمين احتياجات الشعب، مشدداً على وجود مشكلتين رئيسيتين تتعلقان بالنزوح اللبناني والسوري، حيث بلغ عدد النازحين اللبنانيين من المناطق المعرضة للقصف حوالي 1.250 مليون شخص نتيجة الأزمة الحالية، بالإضافة إلى وجود عدد كبير من النازحين السوريين، وهو ما يتطلب حلاً عاجلاً لتجنب الوقوع في أزمة واسعة. وأشار إلى أن الأوضاع الأمنية في سورية اليوم أفضل من لبنان، وأن حوالي 400 ألف نازح سوري قد عادوا إلى بلادهم منذ توسّع العدوان الإسرائيلي على لبنان في 23 سبتمبر/أيلول الماضي.
بدوره، أكّد الخبير الاقتصادي، باتريك مارديني، أن القطاع الزراعي في لبنان يشكل حوالي 4% من الناتج المحلي، وبالتالي تأثيره ضعيف جداً. وهناك عدد كبير من أهالي الجنوب اللبناني يعتمدون في معيشتهم على القطاع الزراعي، فهم الأكثر تضرراً. بالتالي، أغلب النازحين فقدوا مصدر رزقهم من خلال الزراعة والخدمات وغيرها.
هذا يختلف عن موضوع الأمن الغذائي في لبنان الذي يعتمد بشكل مباشر على استيراد 80% من حاجاته الغذائية، وطالما أن الاستيراد مستمر فلا يوجد أي تخوف، على الرغم من الصعوبات التي يمر بها البلد، وفق مارديني الذي أضاف أن لبنان بلد يعتمد بشكل كبير على الحوالات الخارجية من المغتربين، التي تدخل حوالي 7 مليارات دولار إلى البلد. وطالما أن عملية الشحن من لبنان وإليه ما زالت مستمرة، فلا يمكن التحدث عن أي مشكلة في الأمن الغذائي.
وأكد مارديني أن الأسعار ستتأثر حسب نقص السلع، وفي حال حصل أي حصار بري أو بحري على لبنان، عندها ستنخفض السلع ما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها، فيما الطلب على السلع مرتبط بقدرة الناس على الشراء. مشدداً على أنه، في ظل هذه الأوضاع، يجب على وزارة الاقتصاد ألا تتدخل في تحديد الأسعار، خاصة وأن سبب انقطاع السلع في لبنان ليس حصاراً أو مشكلة أمن غذائي، بل بسبب تدخل الدولة في تحديد الأسعار. وهذا ما حصل عامي 2020-2021 عندما تدخلت الدولة في تحديد أسعار المنتجات الغذائية، فانقطعت من الأسواق.