الحرة بيروت
صدر للدكتور نمر فريحه كتاب عن دار سائر المشرق بعنوان: “قضايا تربوية لبنانية: مشكلات واقتراحات”، تناول فيه واقع التربية في لبنان في المرحلتين الجامعية وما قبل الجامعية. وقد طرح المؤلف في تسعة فصول معظم القضايا التربوية والمشكلات المرافقة منذ عشرات السنين، وهي مشكلات لم تتّخذ بشأنها أي إجراءات جذرية لحلّها، واضعاً المسؤولية بشكل مباشر على أصحاب القرار التربوي الذين استخدموا التربية لمصالح سياسية وشخصية، أو الذين تعاقبوا وكان تقصيرهم ناتجاً عن عدم إلمامهم بهذا الحقل و قلّة خبرتهم فيه.
للإضاءة بشكل أعمق على ما تضمّنه الكتاب من إشكاليات تربوية وتشخيصات جريئة، نعرض الحوار المعمّق الذي أجرته “الحرة” مع الدكتور فريحة:
كيف تصفون هذه المشكلات التربوية التي تناولتموها؟ وهل أرفقتموها بحلول؟
نعم، عندما تطرقت إلى المشكلات، وصفتها بأنها تتوالد بشكل كبير لتُضاف إلى ما سبقها، ودون حلّ أي واحدة منها. لكنني اقترحت حلولاً لكل مشكلة بعد عرضها. فعلى الصعيد المدرسي، تحدثت عن مشكلات الضعف القرائي، والأمية التكنولوجية، والمناهج المنتهية الصلاحية لأنها مناهج المادة الدراسية، والتعليم التقليدي البعيد عن إشراك المتعلم في العملية التربوية، والاختبارات الدولية التي شارك فيها طلبة لبنان وكانت مواقعهم في المراتب الأخيرة، والتسرب المدرسي، والتعاقد مع معلمين لم يتخرجوا من أي معهد تربوي، وكذلك الإدارة المدرسية الخاضعة للأحزاب السياسية، خصوصاً عند تعيين المدراء.
وهل تناولتم النظام التربوي نفسه في لبنان؟
بالطبع. خصصت مساحة لمناقشة النظام التربوي الذي أعتبره صالحاً لفترة الانتداب، ولم يعد كذلك بعد مئة عام. اليوم، تطغى عليه “الواسطة”، والبيروقراطية، والروتين البطيء، وعدم المساءلة. وهذه العناصر كافية لتجعل منه نظاماً عقيماً لا يصلح لتسيير الشأن التربوي في القرن الحادي والعشرين. كما أنه لا يهتم فعلياً بمعالجة المشكلات الصعبة جداً كالتسرب المدرسي وأداء التلامذة في الامتحانات الرسمية والعالمية.
خصصتم حيّزاً في كتابكم لثلاث مواد دراسية، لماذا هذه المواد بالذات؟
نعم، ركزت على التربية المدنية، والتعليم الديني، والتاريخ، واعتبرتها مواد جدلية في المجتمع اللبناني. وناقشت أسباب ذلك من خلال أدلة موثقة حول كيفية التعامل مع هذه المواد منذ وضع مناهجها حتى تأليف كتبها ووضعها بتصرف المعلم والمتعلم.
لفتني حديثكم عن كتاب التاريخ تحديداً. ما هي التفاصيل التي تروونها في هذا السياق؟
أروي في الكتاب تجربتي الشخصية مع وضع الكتاب الموحّد للتاريخ، كما نص على ذلك اتفاق الطائف، وكيف تدخّل الوزير عبد الرحيم مراد وألغاه لإرضاء السوريين المهيمنين على لبنان آنذاك. وأؤكد على أهمية هذه المادة في المناهج المدرسية، لأنها مصدر لبناء الذاكرة الجماعية التي توحّد انتماء الأجيال إلى لبنان، بدلاً من تشرذم الانتماءات الذي نشهده في كل مناسبة أو حدث مصيري.
وهل هناك وقائع جديدة يجهلها الرأي العام في هذا الشأن؟
نعم، قدّمت وقائع غير معروفة للرأي العام. فالكتب أنجزت، ووُزعت كتب الصفين الثاني والثالث أساسي، وكانت باقي الكتب في طريقها إلى المطابع عندما تدخل الوزير وأوقف العملية. وقد عالجت هذه الكتب الأحداث التي عاشها لبنان منذ القدم حتى ما بعد اتفاق الطائف.
كما تطرقت إلى الفساد في وزارة التربية خصوصاً بشأن المساعدات الخارجية التي أتت لدعم تلامذة المدرسة الرسمية عندما اعتمدت الوزارة التعليم من بعد. وتساءلت: كيف يحدث هذا كله، والجميع يعرف، ولا من يحاسب، ولا من تمّت محاسبته؟ ثم علّلت ذلك بأنها الثقافة التي سادت بعد اتفاق الطائف، حيث أصبح الفساد مقبولاً في مجتمعنا، سواء عبر تزوير الشهادات أو سرقة المساعدات. وهذه الأمور لا تحدث سوى في البلدان المتخلفة التي يصفق فيها الشعب لجلاديه.
وماذا عن التعليم العالي؟ كيف تناولتم واقعه؟
خصصت الفصلين الأخيرين لواقع التعليم العالي في لبنان، الذي يضم حوالى 225 ألف طالب. تحدثت في فصل عن الجامعات والمعاهد الخاصة، وفي فصل آخر عن الجامعة اللبنانية. بعض هذه الجامعات لها تاريخ مهم في الحقل التربوي، فيما تسلقت أخرى على القطاع لجني الأرباح، رغم ادّعائها أنها لا تبغي الربح. ويتضح العكس من الأقساط المرتفعة التي تفرضها على الطلاب وتحوّل عدد منها إلى مؤسسات لتقديم خدمات بشكل شهادات يتمّ تصديقها بغضّ النظر عن الإجراءات الواجب اتخاذها.
هل تطرّقتم إلى مسألة الاعتماد الخارجي (Accreditation) أيضاً؟
نعم، وانتقدت هذه الظاهرة. قدمت نموذجاً لجامعة حصلت على اعتماد خارجي، رغم أن الممثل للمؤسسة المُصدّرة للاعتماد لم يتابع أي نشاط لها. فكيف صدر هذا الاعتماد؟ لا بل استخدمته الجامعة كفرصة للانتقام من بعض أساتذتها، بدلاً من الإيفاء بمتطلبات الاعتماد.
وبالنسبة للجامعة اللبنانية، ما أبرز النقاط التي تطرقتم إليها؟
استعرضت معظم نقاط الضعف الناتجة عن تدخل السياسيين فيها حيث أصبح لكل مسؤول فيها مرجعية سياسية واضحة يفاخر بها، وكأن الجامعة باتت منتدى سياسياً، لا معقلاً للعلم والأبحاث. وفي نهاية الكتاب، طرحت تصوراً لتطوير الجامعة وفك أسرها من مصالح الأحزاب والزعماء، عبر مجلس أمناء من المجتمع الأهلي حيث يكون وزير الوصاية عضواً فقط. واقترحت فصل موازنتها عن وزارة التربية، مع إمكانية تلقّي المساعدات من الداخل والخارج، من أجل تسديد رواتب الأساتذة، وتحسين البنى التحتية، وتطوير القدرات الأكاديمية.
رابط المقال: https://hura7.com/?p=50732
رابط العدد: https://hura7.com/?p=50468