حنا صالح
جريدة الحرة ـ بيروت
للبطريرك صفير قول مأثور في طالب الموقع العام: “أن لا يخجل مستقبله من ماضيه”! مناسبة هذا القول جدل متجدّد يثيره شعار “17 تشرين”: “كلن يعني كلن”، وينطبق على كثير من رافضيه ممن يخجل مستقبلهم من ماضيهم. قديماً أعلن حزب الله براءته لأن عنوان “المقاومة” يمنحه “صك براءة” فجلب الإحتلال مجدداً(…) وكان التيار العوني يقفز فوق الشعار مدعياً أنه صاحب راية مكافحة الفساد(…) ونسج حزب القوات مطالعات عن طهرانية وزرائه ونوابه.
هؤلاء وآخرون، تساكنوا سريراً حكومياً واحداً، وتشاركوا في لجان نيابية غطت المنهبة وحمت طيلة خمس سنوات نهج إذلال المنهوبين. يخوضون الآن معركة البنكرجية لمنع إصلاح القطاع المصرفي، فيما العالم بات هناك في الرياض وطبيعي أن يفوتهم الحدث. كانوا يتبارون بأحاديث مملّة عن “السيادة” وهم رموز التخلي عن الخط 29 و”كاريش”. صفّقوا لحزب الله عندما مارس القمع ضد ثوار تشرين، لأنهم، مافيا وميليشيا، خافوا التغيير عندما تيقّنوا أن قوى تشرين عصية على التطويع!
تستدعي الإنتخابات البلدية اليوم أكثر من وقفة أمام أصوات أتحفت الناس بالضجيج “السيادي”. في طرابلس يتحالف أشرف ريفي مع فيصل كرامي أبرز رموز الممانعة ونائب الأحباش طه ناجي والنائب كريم كبارة صهر الرئيس نبيه بري! ويسقط حزب القوات محاذيره فيتحالف مرات مع الحزب الشيوعي وأخرى مع الحزب القومي. وفي كل هذه التحالفات قضية القضايا: الإستئثار بالمواقع مع رشة وعود وإغفال أي إشارة إلى المسؤولية عن التردي.
لكن يبقى لانتخابات بيروت نكهة مميزة. تستحق العاصمة إستعادة رونقها والبهاء وأن تمسح عن وجهها الآثار الهمجية لمن تحاصص واردات مجلسها البلدي، وحرم العاصمة من النظافة والإنارة وأهمل مسائل المياه والنقل والمساحات العامة وشجع التشوه العمراني والسلبطة على شاطئ بيروت. من حق البيارتة أن يعرفوا بشفافية أين أموال العاصمة؟ وكيف تصرف؟ فالحرمان يصيب المزرعة والأشرفية ولم تنصف دار المريسة ولا المدور وغيرها. وإذا بقوى التسلط من موالاة نظام المحاصصة ومعارضته، بين متمسك بالسلاح اللاشرعي وتجار سلاح وحرب أهلية، يتوحدون في أكبر خدعة، والغطاء: المناصفة الطائفية لإعادة تدوير متسلطين إستثمروا في الطائفية وتسببوا بإنهيار الخدمات العامة في العاصمة.
لم يعتذر “حزب الله” من البيارتة عن الأذى الذي ألحقه ببيروت، وببساطة المتوافقين تشارك مع الجميع لائحة بلدية ضمّت الأحباش والعونيين وأمل والكتائب والقوات والإشتراكي والصحناوي، أي مع معظم المسؤولين عن الإنهيار والإفلاس والإفقار وسياسات إهانة اللبنانيين، وهاجسهم تجديد التسلط وقطع الطريق على قوى التغيير. “كلن يعني كلن” تشاركوا أخطر “تسوية” في العام 2016 كما السعي لعفوٍ عن الجرائم المالية، وغطوا منع محاسبة الكارتل المافيوي. ويتشاركون اليوم مشاريع قوانين مثل “الصندوق السيادي” قد تسترهن المستقبل بالسطو على أصول الدولة والذهب فيبقى البلد مزرعة مفتوحة. قوى طائفية في لقاء طبيعي وراء عناوين الإنماء وممارسات تستهدف حقوق الناس والضوء والحرية!
بالتوازي يتقدم “إئتلاف بيروت مدينتي”: 13 سيدة و11 رجلاً من الكفاءات والقدرات التي تغطي شتى الميادين والإهتمامات، ليبني على إيجابيات تجربتي “بيروت مدينتي” عام 2016، وقوى التغيير في العام 2022. في الأولى حذّرت “بيروت مدينتي” من تحاصص العاصمة، وفي الثانية قالت قوى التغيير أنها تخوض المعركة بوجه مفجّري بيروت والميليشيات التي إستباحتها والقوى الطائفية التي استأثرت بقرارها. واليوم سيكون للأصوات الحرة في بيروت فعل السوط لطي صفحة 7 أيار واسترجاع الموقع الريادي للعاصمة. إنها معركة تعكس حقيقة الصراع السياسي في البلد، بحيث سيكون على قوى التغيير مواجهة تلاوين منظومة الفساد والطائفية، “كلن يعني كلن” في إنتخابات 2026، والعنوان تحرير الدولة واستكمال بنائها على قواعد السيادة والمساءلة والشفافية وحماية التعددية وصون الحريات العامة.