السبت, ديسمبر 14, 2024
1.3 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

في كواليس الطبخة الدولية الإقليمية… بين الخيانة الموصوفة والصفقات الممكنة. بقلم جورج أبو صعب

بقلم: جورج أبو صعب

Leb Talks ـ بات من الواضح أن ما يجري اليوم على الساحة الإقليمية من بوادر حربٍ ومواجهة للمرّة الأولى بين الجمهورية الإسلامية في إيران وإسرائيل لا يعدو كونه الفصل الأخير من سيناريو أميركي دشّنه الرئيس الأسبق باراك أوباما من أجل إدخال إيران في منظومة “العالم الجديد” المتوخاة حفظاً لمقعد طهران في النظام الإقليمي. وبالتالي، ومنذ ذلك الحين، أُتيح لإيران الدخول في نادي الدول النووية إذ حصلت على “جائزة النووي” على طبق من ذهب عام 2015 من خلال الاتفاق النووي الشهير الذي عاد الرئيس دونالد ترامب وألغاه، لا لعدم الرغبة بإيران نووية، بل لرغبة بإيران نووية وفق شروطٍ أميركية، أي إسرائيل. ومن هنا يكذبُ كل مَن يقول إن إيران لم تصل إلى العتبة النووية أو أنها بعيدة عن إنتاج القنبلة النووية.

أصبحت بالفعل دولةً نوويةً، لكن يبقى فقط عائقان لإجراء الاختبار النووي: العقيدة النووية الإيرانية التي تحتاج إلى فتوى من المرشد الأعلى والتي هي إحدى أوراق تفاوض إيران مع الأميركيين لتغيير العقيدة إلى دفاعية وعسكرية؛ والضغظ الأميركي المستمر على إيران من أجل القبول بحوافز تعيدُ شيئاً من امتيازات اتفاق 2015، في مقابل “تبريد” البرنامج النووي لا تخصيبه.

مَن يقارنُ بين حدثَي رمي إيران صواريخها على إسرائيل والاستباحة المفاجئة لسماء الأخيرة التي كانت، وحتى الأمس القريب، تُعتبرُ منطقة شبه مقدّسة عسكرياً ومحرّمةٍ أميركياً وغربياً، وبين اغتيال أمين عام حزب الله حسن نصرالله في بيروت، يدركُ عمق التغيّرات والانقلابات الحاصلة في الحسابات.

ويبقى السؤال: هل كان على بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرّفة أن يقبلوا بتوغّل حركة حماس والجهاد الإسلامي يوم ذاك السابع من تشرين الأول من العام 2023 إلى داخل غلاف غزّة، أو أن يقبلوا بانتهاك صواريخ إيران لسمائهم منذ أيام لنيل أثمان استراتيجية، ليس أقلها ضرب أقوى ميليشيات إيران في مقابل اتفاق أو تسوية أو صفقة ما؟

إيران وإسرائيل قدّمتا ثمناً كبيراً: إسرائيل في هيبتها وإيران في رأسها القيادي في المنطقة، أي السيد نصرالله، ورأس الجناح العسكري لحماس، إسماعيل هنية.

ما ميّز الهجوم الإيراني الصاروخي الأخير على إسرائيل، فضلاً عن كونه أكبر حجماً من سابقه، تحميله رسالة واضحة لتل أبيب مفادها أن سماءها ليست محصّنةً ضد الاختراقات وليست محميةً، وذلك رداً على أقوال وأفعال إسرائيل بأن ميليشيات إيران وقياداتها، من أكبرها إلى أصغرها، ليسوا محصّنين ضد الاختراقات الإسرائيلية الاستخبارية من عمق بيئاتهم، وأن إسرائيل قادرة على ضرب عمقهم أينما حلّوا في الشرق الأوسط .

هذا الهجوم الإيراني الأخير رسمَ معالم شيء ما سمحَ لطهران  تنفيذه ضمن ضوابط محدّدة يعمل الجانب الأميركي على فرض مثيلاتها على ردّ إسرائيل على الردّ الإيراني، لكن بصعوبة … فما يحصل اليوم لم يكن وليد السابع من تشرين الأول 2023 بل أبعد من ذلك التاريخ بأشواط، وصولاً الى العام 2015 وزمن الرئيس أوباما الذي حاول محو الآثار السلبية لسياسات الولايات المتحدة في المنطقة، من العراق إلى أفغانستان، وبلغة الصفقات والتسويات التي تُرضي الجميع كما يَرشحُ من كتاب أوباما نفسه (الأرض الموعودة).

من هنا، كان توجّه أوباما آنذاك نحو الانفتاح على إيران لإبرام صفقة، فكان الاتفاق النووي عام 2015 ما سمحَ لإيران بأن تضمن وجودها على خارطة المعادلة الإقليمية منذ ثورة 1979.

لا يظن أحد أن مشكلة طهران هي إسرائيل، بل مشكلتها الدور المُعطى لها بالمقارنة مع دور إسرائيل خصوصاً بعد تصفية مهندس سياسات إيران الإقليمية قاسم سليماني على يد إدارة ترامب عام 2020 .

من هنا، فإن عملية “طوفان الأقصى” أرادتها إيران بمثابة “خطاب إنذار” يذكّر الأميركي بدوره في المنطقة وبعدم إمكانية تجاوزها كونها، أي إيران، لاعباً أساسياً. ما حدا بالإدارة الأميركية إلى وضع قواعد جديدة للّعبة الإقليمية، فما كان من إسرائيل إلّا أن اختارت تغيير قواعد اللعبة برمّتها لقطع الطريق أمام عودة الدور المؤثر لإيران في الساحة الإقليمية. فإسرائيل، كما قالها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، مستعدةٌ لصفقةٍ لا للرضوخ.

ومن هنا وضعت معادلة إمكانية الولوج إلى كافة الخيارات باستثناء الحرب بين “الديكَين” الإقليميين… وبعد السابع من تشرين الأول باتت المنطقة بحاجة لترتيبٍ جديد وإعادة خلط أوراق وقواعد جديدة اعترف بها الجميع تحت سقف منع المواجهة المباشرة وتحت سقف أولوية إسرائيلية: إبعاد أي خطر مستقبلي عنها. فكان اجتياح إسرائيل لغزّة ومن ثم ضربها الضاحية الجنوبية في بيروت والعمل على تصفية قيادات حزب الله كافة  من دون  أي رادع أو حماية.

تل أبيب أفهمت طهران بأن وجودها على حدودها مرفوض بالمطلق ولا مجال للمساومة عليه سواء في غزّة أو جنوب لبنان أو سوريا التي خرجت كلياً من معادلة المواجهة، وبالتالي تمكّنت تل أبيب من تقليص أخطار إيران على حدودها في أكثر من جبهة أو جهة.

وردّاً على هذا التفوّق الإسرائيلي، قرّرت إيران أيضاً كسر قواعد اللعبة، فصوّبت صواريخها على إسرائيل للمرة الأولى في التاريخ الحديث بعد صدام حسين الذي دفع يومها ثمن كسره لهذه القاعدة… وبالتالي دخلت المنطقة مرحلة، ليس تغيير القواعد، بل انهدام القواعد، ما حدا بالعرّاب الأميركي الى التدخّل بين حدّين:

الأول منع أي خطر وجودي على إسرائيل، والثاني منع أي إسقاط للنظام الإيراني في هذه المرحلة كي تبقى الأمور تحت السيطرة الأميركية المباشرة ولا تنزلق الى حرب شاملة لا تريدها واشنطن في هذه الظروف. ومن هنا نقفُ اليوم أمام نتائج واضحة: تمكّن إسرائيل من كسر أكبر حركات المقاومة في غزّة ولبنان، فيما إيران مرشّحة للعودة لاتفاق نووي ولكن… بشروط إسرائيل التي تراعيها واشنطن… فكل شيء قابل للتحقّق وكل الأثمان قابلة للسداد… حتى الخيانة.

https://hura7.com/?p=35082

الأكثر قراءة