أمل خليل
جريدة الحرة ـ بيروت
يختلف المراقبون في توصيف قرار المدعي العام المالي القاضي ماهر شعيتو، القاضي بإعادة الأموال التي حُوِّلت إلى الخارج بعد 17 تشرين الأول 2019، أي منذ بدء الانهيار المالي. فبينما يعتبره البعض خطوة أولى على طريق المعالجة الصحيحة للأزمة والتسليم بضرورة توزيع المسؤوليات بين الأطراف المعنية، ينظر إليه آخرون بحذر، باعتباره تمهيداً لتسوية قانونية ما، تعيد الأموال وتقلّص الفجوة المالية، في مقاربة وُصفت بأنها تقوم على مبدأ “لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم”.

ضاهر: القرار أشبه بإنذار لإجراءات أوسع إن لم يحصل تجاوب
يوضح الأستاذ المحاضر في قانون الضرائب والمالية العامة، المحامي كريم ضاهر، في حديث لـ”الحرة”، أنّ قرار القاضي شعيتو جاء استناداً إلى قانون أصول المحاكمات الجزائية الصادر في 2 آب 2001 (المواد 18 حتى 23)، إضافةً إلى قوانين خاصة أخرى مثل قانون مكافحة الفساد، قانون حماية كاشفي الفساد، وقانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. ويشير إلى أنّ تفعيل صلاحيات المدعي العام المالي يقتضي وجود إحدى الجرائم المنصوص عليها في المادة 19 من قانون أصول المحاكمات الجزائية أو القوانين الخاصة الأخرى.
ويشرح ضاهر أنّ الحالات التي تناولها قرار شعيتو أقرب إلى مطالبة بإعادة الأموال إلى القطاع المصرفي، من دون تحديد آلية واضحة أو شروط محددة للتعامل معها. وهنا يبرز تساؤل أساسي: هل سيتم التعامل معها كأموال خاضعة للقيود المصرفية كما باقي الودائع قبل 17 تشرين الأول 2019، أم ستُعتبر أموالاً حرّة (فريش)؟
ويضيف أنّ الغموض في هذا الإطار يوحي وكأنّ هناك معطيات عن تحويلات جرت من قبل أشخاص يُشتبه بتورطهم في الجرائم المنصوص عليها في القوانين المذكورة، ما يفتح باب التساؤل حول إمكانية وجود تسوية محتملة بين مصرف لبنان، المصارف التجارية، بعض الشخصيات السياسية المعرّضة (PEP) ووزارة المالية. هذه التسوية، إن صحّت، قد تهدف إلى دفع المعنيين لإعادة الأموال مقابل تقليص فجوة مصرف لبنان وإدخال سيولة “فريش” إلى القطاع. وبرأي ضاهر، من المبكر الجزم إن كان القرار خطوة فردية من المدعي العام المالي ستتبعها إجراءات تحقيقية، أم أنه يندرج ضمن مسار منسّق مع جهات رسمية مثل مصرف لبنان أو السلطة التنفيذية.
ويشدّد ضاهر على أنّ أهمية القرار تكمن في أنّ معظم الحالات الواردة في المادة 19 من قانون أصول المحاكمات الجزائية تندرج أيضاً ضمن قانون مكافحة تبييض الأموال (44/2015) كجرائم أساس، ما يعني أنه في حال ثبوت تحويل هذه الأموال إلى الخارج بشكل غير مشروع، تتكوّن عناصر جرم تبييض الأموال، وهو جرم يعاقَب عليه بغرامة قد تصل إلى ضعفي المبلغ المحوّل وحبس من 3 إلى 7 سنوات، أي بعقوبات أشد بكثير من تلك المنصوص عليها في القوانين الأصلية.
ويختم قائلاً: “المدعي العام المالي يوجّه عملياً إنذاراً إلى المعنيين بضرورة الالتزام بالقرار، وإلا فستُتخذ إجراءات أكثر صرامة. ورغم أن مسار استرداد الأموال طويل ومعقد، يكفي برأيي نشر قائمة بأسماء من قاموا بتحويل أموالهم إلى الخارج، بمن فيهم سياسيون ومصرفيون ومتولّون للشأن العام، لما لذلك من أثر على مكانتهم السياسية والاقتصادية، وفق ما يُعرف بآلية التشهير أو Name & Shame المعتمدة في عدد من الدول”.

مارديني: خطوة تأسيسية في معالجة الأزمة المصرفية
من جهته، يرى الخبير الاقتصادي الدكتور باتريك مارديني أنّ قرار القاضي شعيتو يُعدّ “أهم إجراء إصلاحي في ما يتعلق بالأزمة المالية المصرفية منذ عام 2019″. ويقول في حديث لـ”الحرة”: “منذ اندلاع الأزمة كان التعاطي معها شمولياً؛ فهناك من حمّل المصارف المسؤولية كاملة، وهناك من حمّل الدولة. لكن الحقيقة أنّ المصارف تتحمّل مسؤولية مباشرة عن الأموال التي جرى تحويلها إلى الخارج بعد 2019، في وقت كان المودعون ممنوعين من تحويل أموالهم. وهذه الأموال يجب استعادتها، وهو ما يجعل القرار خطوة في الاتجاه الصحيح”.
ويوضح أن الشق الآخر من الأزمة يتمثل في أن المصرف المركزي، وهو مؤسسة عامة، أقرض الدولة اللبنانية لتغطية إنفاقها العام، مثل قطاع الكهرباء، فخسر دولاراته نتيجة سياسة تثبيت سعر الصرف ودعم النفقات. هذا الجانب قلّما يتم التطرق إليه، مع أنه يعكس مسؤولية الدولة والسياسيين عن الجزء الأكبر من الأزمة.
ويؤكد مارديني أنّ قرار شعيتو يحدد مسؤولية المصارف عن تحويلات ما بعد 2019 ويسعى لاستعادة هذه الأموال، وهو ما يشكّل “مدماكاً أساسياً” في مسار المعالجة الجدية للأزمة المصرفية.


