الحرة بيروت ـ بقلم كارلو جليان
في عصرنا الرقمي الحالي، أصبحنا نعيش في بحر من المعلومات المتدفقة بلا انقطاع. لكن، هل تساءلنا يوماً عن تأثير هذه المعلومات على عقولنا ومجتمعاتنا؟
قد تكون المعلومات المدفوعة والموجهة أخطر بكثير مما نتصور، وربما تتجاوز في تأثيرها السلبي تأثير المخدرات التقليدية.
تُعرَف تجربة العالم الروسي إيفان بافلوف مع كلبه بأنها أساس نظرية “الإشراط الكلاسيكي”. في هذه التجربة، كان بافلوف يقرع جرساً قبل تقديم الطعام للكلب، ومع تكرار العملية، بدأ الكلب يسيل لعابه بمجرد سماع صوت الجرس، حتى في غياب الطعام. هذا يعني أن الكلب تعلّم ربط صوت الجرس بوصول الطعام، فأصبح يستجيب للمحفز الجديد بنفس الطريقة التي يستجيب بها للمحفز الأصلي.
اليوم، نجد أنفسنا نتعرض لمعلومات مصممة بعناية لتثير فينا استجابات معينة. تماماً كما استجاب كلب بافلوف لصوت الجرس، نستجيب نحن للمعلومات الموجهة دون وعي، مما يؤدي إلى تشكيل آرائنا وسلوكياتنا بناءً على ما يُقدَّم لنا.
إن خطورة هذا الإدمان على المعلومات تكمن في تأثيره العميق والمستتر. فبينما يمكننا رؤية الآثار الجسدية للمخدرات على المدمنين، يصعب علينا إدراك التأثيرات النفسية والاجتماعية للمعلومات المسمومة. قد نجد أنفسنا نتبنى أفكاراً لم نكن لنقبلها في السابق، وننخرط في نزاعات لم تكن لنا فيها مصلحة، وكل ذلك نتيجة لتأثرنا بهذه المعلومات الموجهة.
علاج هذا الإدمان يبدأ بالوعي والرقابة الذاتية. علينا أن ندرك أن ليس كل ما يُقدَّم لنا من معلومات هو حقيقة. يجب أن نطور مهارات التفكير النقدي، وأن نتعلم كيفية التحقق من المصادر، وأن نكون حذرين في استهلاكنا للمعلومات. كما يجب علينا أن نبحث عن مصادر متنوعة وموثوقة، وأن نتجنب الانجراف وراء العناوين المثيرة والمحتويات المضللة.
بالغالب اذا تكررت على مسامعنا المعلومة نفسها ومن عدة مصادر وبنفس الصياغة غالباً ما تكون مدسوسة. وإذا أتتنا معلومات متناقضة حول الحدث نفسه فلا شك أن هناك من تلاعب بها.
في خضم هذا السيل من المعلومات والسرديات المثيرة للقلق، قد نميل إلى التركيز على المشاعر السلبية مثل الخوف والغضب، خاصة عندما تُستغل هذه المشاعر لتوجيهنا أو التأثير علينا بحيث تدفعنا إمّا نحو الإنخراط بفعالية أو الشعور بالعجز. لكن الحياة مليئة بمشاعر أخرى لا تقل أهمية: الفرح، الحب، السعادة، والامتنان. هذه المشاعر الإيجابية تلعب دوراً حيوياً في تعزيز صحتنا النفسية والجسدية، وتساعدنا على بناء علاقات أفضل، وتمنحنا القدرة على مواجهة التحديات بثبات.
لذا، من الضروري أن نمنح أنفسنا الفرصة لنعيش هذه المشاعر الإيجابية ونعتاد عليها بدلاً من الحقد والحسد واللوم والإشمئزاز. واجبنا أن نبحث عن المشاعر البناءة ونعززها في حياتنا اليومية بدلاً من هدم أنفسنا ومحيطنا بسلوكيات مسيلة للعاب الكلاب كلما دق الجرس. هذا ليس مجرد ترف، بل هو أساس لحياة متوازنة وصحية.
في الختام، قد يكون الإدمان على المعلومات المسمومة أكثر تكلفة على المجتمع والأفراد من الإدمان على المخدرات. فهو يهدد تماسكنا الاجتماعي، ويزرع الفتن والانقسامات بيننا. لذا، علينا أن نكون أكثر وعياً وحذراً، وأن نعمل معاً على بناء مجتمع مستنير، قادر على التمييز بين الحقيقة والزيف، ومحصّن ضد سموم المعلومات الموجهة.