الجمعة, أكتوبر 4, 2024
13.7 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

كارين عبد النور – أربع سنوات على انفجار مرفأ بيروت : غيبوبة العدالة!

Carin Abdalnoor
Carin Abdalnoor

إنه ذلك اليوم المشؤوم. الرابع من آب/أغسطس 2020. يوم شلّع العاصمة اللبنانية، بيروت، انفجار العنبر رقم 12 في مرفئها. “بيروتشيما”، كما صدق وصفه، لم يكن مجرّد انفجار ناتج عن تخزين أكثر من 2750 طنّاً من مادّة نيترات الأمونيوم. كما لم يكن مجرّد قنبلة شُبّهت بـ”النووية”. قنبلة أودت بحياة أكثر من 200 شخص، وأصابت أكثر من 7000 آخرين بجروح وأعطاب، وشرّدت ما يفوق 300 ألف مواطن، ودكّت حوالى 87 ألف وحدة سكنية وتجارية، وأحدثت أضراراً مادية قُدّرت بـ15 مليار دولار أميركي.

الانفجار شكّل فعل إدانة لطبقة سياسية حاكمة علم جميع أركانها – وإن بتفاوُت وعلى مراحل – بتخزين النيترات المحرّم ولم يحرّكوا ساكناً. وظهّر إخفاق سلطة قضائية متوّرطة إلى اليوم في طمس الحقيقة خنوعاً أمام الضغوطات. وأنتج نكبة إنسانية يصعب تعافي مصابيها ويستحيل تبريد قلوب أمهات ضحاياها الباحثات عن عدالة مفقودة.

كرم هو أصغر مصابي الانفجار سنّاً. إبن الأربعة أشهر الذي تواجد عصر ذلك اليوم في غرفة العمليات في مستشفى الكرنتينا الحكومي، على بعد أمتارٍ عن موقع الفاجعة. نزيف حادّ استدعى نقله إلى مستشفى آخر، لينجو في آخر المطاف. لكن النجاة خلّفت صدمة نفسية أفقدته القدرة على النطق. “ما زالت تنتابه نوبات غضب كلّما حاول التكلّم وعجز عن ذلك. حتى شقيقه الذي يكبره بأربع سنوات تراه يصرخ باكياً متى تواردت إلى مسمعه كلمة “بيروت”. فهي باتت بالنسبة إليه مرادفة لتلك الصور الممزوجة بأنين الجرحى ودماء الشهداء”، كما يخبرنا والده.

التغطية الصحية شكليّة

كرم، كمعظم  المتضرّرين، لم يحظَ بأي دعم مادّي أو معنوي من قِبَل الجهات الرسمية. أربع سنوات مرّت ولا زالت الدولة غائبة عن مساندة الضحايا، لا سيّما من دخل منهم في غيبوبة. فبعض هؤلاء خطفهم الإنفجار إلى عالم آخر وهم يرقدون على أسرّة متعطّشة للحياة داخل غرف العناية المركّزة في المستشفيات.

بحسب مدير العناية الطبية في وزارة الصحة اللبنانية، الدكتور جوزيف الحلو، فإن كثيرين ممّن أصيبوا وتتطلب حالاتهم علاجاً طويل الأمد، لم يتمكنوا من الحصول على الطبابة والاستشفاء والأدوية اللازمة عن طريق الوزارة. ذلك أن الأخيرة، وحتى العام الماضي، كانت تغطّي كلفة استشفاء المصابين بنسبة 100% لكن على سعر الصرف الرسمي (1500 ليرة لبنانية للدولار الواحد). وبالتالي، كان على المصابين تكبُّد عناء تغطية الفروقات الشاسعة التي بلغت آلاف الدولارات.

وأضاف: “حتى مع تغطية الوزارة، منذ العام الماضي، لـ65% من فاتورة المستشفيات الخاصة و80% من فاتورة تلك الحكومية على سعر صرف السوق السوداء، إلّا أن المستفيدين من التغطية هم من لجأوا إلى الوزارة، أي نسبة قليلة من المصابين. ذلك تزامناً مع كون التغطية تستثني التحاليل والصور والبروتيز (الأطراف الصناعية) وأموراً أخرى أساسية لعلاج الإصابات الناتجة عن الانفجار”.

نصف العائلات… مشرّدة

بدورهم، فإن أكثر من نصف أهالي منطقتَي الجمّيزة ومار مخايل في الأشرفية – بيروت لم يعودوا إلى منازلهم. فالمباني إمّا ما زالت قيد الترميم أو مهدّمة أو مقفلة أو حتى خالية من سكانها بسبب هجرة أو انتقال معظمهم إلى أماكن أخرى لعدم قدرتهم على تحمّل تكاليف الترميم، أو هرباً من الذكريات العالقة في حناياها. “الزواريب تذكّرني بوفاة جيراني وأصدقائي. لا يمكنني العودة إلى نفس المكان. ففي كل بيت من تلك البيوت حكاية وقصة”، يقول أحدهم.

بعد أسبوعين من وقوع الانفجار (أو التفجير) أجرى الجيش اللبناني مسحاً ميدانياً، أظهر تضرّر 87519 وحدة موزّعة على الشكل التالي: 20 مؤسسة حكومية؛ 14848 مؤسسة تجارية؛ 5251 شركة تجارية؛ 991 مطعماً وحانة؛ 92 منشأة تعليمية؛ 14 مستشفى؛ 25 فندقاً؛ 91 منشأة دينية؛ 4100 قسماً مشتركاً؛ 62087 وحدة سكنية (منها 9000 وحدة غير قابلة للسكن). هذا إضافة إلى 130 بناء أثرياً وتضرّر 5000 سيارة.

ووفقاً لمحافظ بيروت، القاضي مروان عبود، شرّد الانفجار حوالى 300 ألف شخص، 30% منهم فقط عادوا إلى منازلهم بعد العام 2022. وبيّنت إحصاءات حديثة أنه، من أصل 466 شقة في الجمّيزة ومار مخايل، 203 عادت مأهولة لتبقى 263 شقة شاغرة. كما جرى ترميم 265 شقة بشكل كامل و124 بشكل جزئي، في حين لم تشهد 77 شقة أي ترميم. وتتوزع الشقق المأهولة بين 25 مؤجّرة بإيجار جديد، 60 بإيجار قديم، 109 ملكية خاصة، 6 مخصّصة لسكن العمال و3 بوضع اليد.

بيروت تواجِه ديموغرافياً

أربع سنوات مرّت وليس ثمة أي خطة واضحة، شاملة وعادلة من قِبَل المؤسسات الرسمية لإعادة إعمار البيوت والوحدات وتأمين عودة سريعة للسكان. في الأثناء، استلمت الجهات غير الرسمية والمنظمات غير الحكومية زمام الأمور، فخضعت عملية إعادة الإعمار كما التعويضات لهوى تلك الجهات والمنظمات وما يخفيه بعضها من أهداف.

البيانات والمواقف تتكرّر لتدلّل على الانحراف في آليات التعاطي مع نتائج الانفجار ومراميها. وبيان “الجبهة المسيحية”، قبل أيام، نموذج: “نطالب بلجنة تحقيق دولية لاستعادة كرامة اللبنانيين والوطن الذي أصبح في عداد الدول الفاشلة. ونلفت إلى أن انفجار المرفأ أدى الى تهجير أبناء بيروت الذين تعرّضت مناطقهم لدمار شبه كامل، كما لم يتمّ صرف التعويضات اللازمة لإعادة الإعمار، الأمر الذي أدّى إلى ظهور خفافيش الليل الذين عمدوا إلى تقديم عروض شراء الأبنية والمنازل بأثمان باهظة بهدف الاستمرار في سياسة التغيير الديموغرافي والسيطرة على كامل المناطق اللبنانية”.

ظلم العدالة المتأخرة

“التفجير كسرني ولن أتعافى لأن الحقيقة لم تظهر. متى ستتحقّق العدالة وهل سيحصل ذلك قبل أن نموت؟ معاناتنا لا تُختصر بقتل أبنائنا بل تتعدّاها إلى آلام ناتجة عن حرماننا من الحقيقة”. صرخة تصوّر وجع أمّهات لم تتمكّن السنوات الأربع، بحرّ فصولها وبردها، من منعهنّ من المشاركة في “وقفة الأهالي” في الرابع من كل شهر، للمطالبة بالعدالة لضحايا الانفجار. والتحقيق ما زال معطّلاً والمجرمون مبرّؤون حتى إشعار آخر.

من ناحيته، وضع مكتب الادّعاء في نقابة المحامين في بيروت، يوم الخميس الماضي، النيابة العامة التمييزية أمام مسؤولياتها في قضية التحقيق في الانفجار المعطّل منذ عامين ونصف. وطالب النائب العام التمييزي بالتكليف، القاضي جمال الحجار، الرجوع عن القرارات التي اتّخذها سلفه، القاضي غسان عويدات، والتي قضت بمنع النيابة العامة والضابطة العدلية من التعاون مع المحقق العدلي، القاضي طارق البيطار، من أجل عودة التحقيق إلى مجراه الطبيعي بغية استكماله وصدور القرار الاتهامي. ورغم أن الحجار وعد أهالي الضحايا منذ تعيينه بإعادة تفعيل التحقيق، غير أنه، بعد مرور ستة أشهر على استلامه الملف، لم يتّخذ أي قرار في هذا الخصوص نتيجة الضغوطات والتجاذبات السياسية التي تزرع العراقيل لعدم استكمال التحقيق.

بالمقابل، شدّد نادي القضاة في لبنان، عشيّة الذكرى الرابعة للانفجار، على أن المطلوب هو قيام كل من مجلس النواب ومجلس القضاء الأعلى والنيابة العامة التمييزية والوزراء المعنيّين بدورهم في القضية، وفقاً للقانون، بما يسمح للمحقق العدلي بعدها بمواصلة عمله وإعادة تسيير التحقيقات أصولاً نحو مبتغاها، وصولاً إلى إظهار الحقيقة وإقامة العدل للضحايا، من جهة، وللمدّعى عليهم والمشتبه بهم إدانة أو براءة، من جهة أخرى.

ننتظر

أربع سنوات مرّت. والفاجعة شاخصة في العيون والقلوب على وقع اللاعدالة. الأسباب تتعدّد، وليس أقلها: تعسّف في استخدام الحق من بعض المشتبه بهم بتكرار تقديم طلبات الرد وطلبات النقل للارتياب المشروع وطلبات المخاصمة أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز المعطّلة؛ توقّف إجراءات الملاحقة منذ ما يقرب السنة؛ التدخلات السياسية؛ وتهديد المحقق العدلي وبعض القضاة الآخرين وعرقلة تشكيل الهيئة العامة لمحكمة التمييز.

جريمة بيروت هزّت ضمير الإنسانية جمعاء، لكنها لم تهزّ ضمائر غالبية معنيّي لبنان ومسؤوليه. “لن ننسى ولن نسامح وسنستمرّ في المطالبة”. كلام تردّده ألسنة الأهالي وكلّ لبناني باحث بصدق عن حقيقة معلومة – مجهولة. بانتظار أن يُنفض غبار الركام والفساد عنها.

https://hura7.com/?p=31265

الأكثر قراءة