الخميس, ديسمبر 12, 2024
1.9 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

كارين عبد النور – المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان: هل تتكرّر فضيحة التربّح غير المشروع كما في حرب 2006؟

كارين عبد النور

الحرة بيروت – بقلم: كارين عبد النور

تضرب أزمات اجتماعية متفاقمة البيئة الشيعية في لبنان، ليس آخرها إنتاج الحرب الأخيرة مع إسرائيل أكثر من مليون وأربعمائة ألف نازح داخلي وخارجي. طبعاً، طوائف لبنان برمّتها مأزومة بطريقة أو بأخرى كانعكاس لحال البلد ككلّ. لكن السؤال حول دور المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى لا ينفكّ يطفو على السطح. فهذا الكيان، الذي يُفترض أن يشكّل المرجعية الروحية والاجتماعية للطائفة الشيعية، أصبح منذ فترة غير قصيرة محطّ انتقادات واسعة لغياب (أو تغييب) دوره وتفاقُم شبهات فساد تحوم حوله.

تأسّس المجلس في لبنان العام 1967، ويهدف إلى تمثيل الطائفة الشيعية وتنظيم شؤونها الدينية والاجتماعية. ويقوم بإدارة شؤون الوقف، المؤسسات الدينية، والتعليم الديني، بالإضافة إلى تمثيل المواطنين الشيعة في العلاقات مع الدولة والجهات الأخرى. غير أن مأساة النازحين الإنسانية رفعت وتيرة التساؤلات حول كيفية إدارة الموارد المخصّصة للإغاثة والدور الحقيقي الذي يلعبه المجلس تخفيفاً لمعاناة الناس، مقابل ما يُثار عن تورّط بعض أعضائه في قضايا سوء إدارة وهدر أموال عامة. ومع بدء الحديث عن إعادة إعمار الجنوب والمناطق المتضررة جراء حرب المساندة التي فرضها حزب الله على لبنان، تكثر المخاوف من تكرار سيناريو “تمرير” هبات بحجة الإعمار تحت إسم المجلس الشيعي، لكن لأهداف ربحية على غرار ما حصل بعد حرب تموز 2006.

خروقات ومخالفات

في ملفّ اطّلعت عليه جريدة “الحرّة” ويعود إلى العام 2010، تقدّمت رئاسة المجلس إلى مجلس الوزراء بطلب الموافقة على إدخال هبات وإعفائها من الرسوم الجمركية، بقصد الإغاثة ومساعدة المنكوبين ولمواجهة الأضرار الناجمة عن العدوان الإسرائيلي (2006). وبعد الاطلاع، صدر عن مجلس الوزراء القرار رقم 50 الذي قضى بالموافقة على قبول الهبات المقدّمة لصالح رئاسة المجلس (راجِع الجدول المرفق) وإعفائها – أي الهبات – من الرسوم والضريبة على القيمة المضافة. كما صدر عن وزارة المالية المرسوم رقم 3867 الذي قبِل الهبات المقدّمة لصالح المجلس، وأعفى البيانات من الرسوم والضريبة على القيمة المضافة كذلك.

إلّا أن أمين عام مجلس الوزراء حينذاك، سهيل بوجي، توجّه بتاريخ 30/03/2010 بكتاب إلى وزارة المالية، وهو عبارة عن نسخة مصحّحة عن القرار السابق رقم 50 (بعد إضافة عبارة “إعفاء هذه الهبات من الرسوم والضرائب كافة”)، طالباً اعتماد التصحيح. كذلك، بتاريخ 28/04/2010، توجّه المجلس الأعلى للجمارك برئاسة أكرم شديد، بكتاب إلى وزارة المالية يفيدها قبوله الهبات المقدّمة لصالح المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، مؤيّداً اقتراح مديرية الجمارك العامة لجهة تناوُل الإعفاء الضريبة على القيمة المضافة وكافة الرسوم الجمركية المتوجبة، بما فيها الحدّ الأدنى للرسم الجمركي البالغ 5% من القيمة، خاصة وأن قرار مجلس الوزراء المصحّح ينص على الإعفاء من الرسوم والضرائب كافة.

اللافت، بحسب مصادر متابعة، أن ما قام به بوجي – لناحية تعديل قرار مجلس الوزراء لفرض كافة الإعفاءات الجمركية والضريبية ومنها الحدّ الأدنى للرسم الجمركي على خلاف ما ورد في القرار رقم 50 الصادر عن الحكومة والذي ذكر الرسوم والضريبة على القيمة المضافة فقط – هو مخالف للقانون. ذلك أن القرار الإداري لا يصحَّح أو يعدَّل إنما يُفترض إلغاؤه وإقرار آخر جديد بعد طرحه في الجلسات الوزارية كي يكون قراراً كامل المواصفات.

تساؤلات كثيرة

وتتساءل المصادر نفسها عن أسباب طلب البضائع بعد مرور أربع سنوات على حرب تموز، علماً بأن عملية الإعمار كانت قد أُنجزت العام 2008. ومن الهبات المدرجة في الملف: 125298 م² من بلاط الرخام، 30352 م² من الغرانيت، 94300 م² من السيراميك والبورسلين، 20646 قطعة من الأكسسوارات الخشبية، 3794 طقم حمامات، 880525 مجموعة كابلات وأشرطة، 1586 جهاز إنارة طوارئ للأدراج، 104000 قطعة بياض كهرباء (مفتاح وبريز) وغيرها. أما سبب عدم وجود بيانات تُظهر كيفية توزيع المواد أعلاه والجهات المستفيدة وعلاقتها بأعمال إعادة الإعمار، فسؤال مفتوح هو الآخر.

هو أحد ملفات عدّة يجري كلام عن إمكانية استغلال إسم المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى وصلاحياته بإزائها للحصول على إعفاءات ضريبية وإدخال بضائع دون رسوم جمركية. ويُزعَم أن الامتيازات تُمنح لأغراض دينية أو إنسانية، لكنها تُستخدم لأغراض تجارية غير مشروعة. وهذا يأخذنا إلى حديث شائع بين اللبنانيين عن شركات تدور في فلك المجلس أو مقرّبين منه وطريقة إدخالها للسلع إلى الأراضي اللبنانية وتسعيرها. ناهيك باستخدام مؤسسات تابعة له كغطاء لأنشطة مالية غير شرعية، واستغلال نفوذ بعض المسؤولين الدينيين لتسهيل إجراءات غير قانونية، يضاف إليها تواطؤ تسهيلي من قِبَل بعض المسؤولين الجمركيين. والنتيجة: شبه استحالة المحاسبة على أي ارتكابات ذات صلة.

المحاسبة واستعادة الدور

لمزيد من التفاصيل، تواصلت جريدة “الحرّة” مع الكاتب الصحفي، محمد بركات، إبن بلدة ربّ ثلاثين الحدودية الجنوبية والتي تعرّضت لتدمير واسع مؤخراً. “أنا شيعي. وبحكم انتسابي لنقابة المحرّرين، فأنا عضو في الهيئة العامة للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى. خضت معركة ضدّ الأخير في الأسابيع الأخيرة فرُفعت بحقّي دعوى بالقدح والذم. لكنني أريد مساءلة المجلس في القضاء عن ملفات ثلاثة أساسية أتّهمه فيها بالتقصير والفساد: مصروف شهري يقارب 10 آلاف دولار أميركي من خارج الموازنة الرسمية؛ ترميم مبانٍ تقع على أربعة عقارات تابعة للمجلس في منطقة الحازمية دون أي مناقصة والرجوع إلى هيئة الشراء العام (لا بل حصل ذلك بالتراضي لمنفعة أحد مرافقي رئيس المجلس المنتهية ولايته منذ ثلاث سنوات، الشيخ علي الخطيب، والذي يستخدمها وحده في حين أنها تتّسع لحوالى 200 نازح)؛ دور المجلس تجاه الطائفة الشيعية خاصة وأن البند الرابع من المادة 30 من نظام الهيئة التنفيذية ينصّ على حقّ المجلس المصادقة على كل الجمعيات والمؤسسات الخيرية التابعة للطائفة والاطلاع على موازناتها لاستخدام أموالها في مساعدة أبناء الطائفة منعاً لأن يبقى شيعيّ محروماً”.

أين هي إذاً عقارات ومشاعات المجلس ولماذا لم تكرَّس لإيواء النازحين من أبناء الطائفة؟ عن ذلك يجيب بركات بأنه كان على المجلس خوْض معركة المشاعات حيث تمّ الاستيلاء على ما يقارب 100 ألف دونم من الأراضي الواقعة في المناطق المحرّرة العام 2000 والتي تُدكّ اليوم في الجنوب، وذلك على أيدي مسؤولين حزبيين سجّلوها بأسمائهم. “يتراوح ثمن هذه الأراضي بين مليار وملياري دولار أميركي. فلو وضع المجلس يده بالقانون عليها لكان قادراً على بيعها اليوم وإعادة إعمار الجنوب برمّته. إن القرار السياسي بإبقاء المجلس مفلساً وعاجزاً وضعيفاً وإفراغه من قوّته هو مخطط خارجي لجعل حزب الله (وبالتالي إيران) الجهة الوحيدة التي تتكفل بشيعة لبنان للسيطرة على قرار أبناء الطائفة”.

بالعودة إلى ملف الإعفاءات من الرسوم والضرائب بحجة إعادة الإعمار، لا يستبعد بركات أن يتكرّر السيناريو نفسه بعد وضع الحرب الراهنة أوزارها. فبرأيه، لا علاقة للبضائع التي أدخلت وقتها بإعادة الإعمار، إنما حصل ذلك لأهداف مالية ولحساب مسؤولين حزبيين وتجار تابعين لأحزاب جنوا منها مئات آلاف الدولارات في تربّح غير مشروع ومخالفة للقانون والشرع. “إن مهمة المجلس خلال الحرب تتمحور حول إيواء النازحين وطلب التبرعات من المؤسسات والعائلات الدينية الميسورة والمجبرة على مساندة فقراء الطائفة حالياً. يتعيّن إجراء انتخابات كي يحظى المجلس بالشرعية كما تحويل كل الملفات إلى القضاء من أجل المحاسبة واستعادة المجلس لدوره في أن يكون مرجعية لفقراء الطائفة. إن أي رجل دين في أي منصب كان أو لأي مؤسسة طائفية انتمى هو إنسان قبل أي شيء. فإذا قصّر وفسد وجبت محاسبته. نحن لا نهاجم الدين إنما أشخاصاً متّهمين بالفساد”.

مأساة النازحين تتطلب استنفاراً إنسانياً وجهوداً صادقة. وهذا يضاعف من محورية مسألة المحاسبة وإعادة تفعيل دور المجلس ليكون صوتاً حقيقياً لمن يمثّلهم، بحسب متابعين. فاستمرار غياب الشفافية والمساءلة لا يعمّق فقط من معاناة النازحين، بل يهدّد أيضاً بفقدان الثقة بالمؤسسات الدينية والاجتماعية (بغضّ النظر عن الطائفة التي تمثّلها). فالمؤسسات تلك – كونها الحاضنة الأولى لحقوق الناس وكراماتهم – لا يكتمل دورها إن لم تتصدَّ لأوجاع هؤلاء، لا سيّما في زمن الأزمات والشدائد.

https://hura7.com/?p=37982

الأكثر قراءة