بقلم: كارين عبد النور
بلغ حجم المساعدات الدولية المقدمة إلى لبنان بسبب الحرب الدائرة على أرضه 1,048 طنّاً من المساعدات العينية التي تشمل مواداً طبية وغذائية وملابس ومواداً أخرى. إضافة إلى منح مالية بقيمة 682 مليون دولار أميركي. وفي حين تنوعت الجهات المانحة لتشمل حكومات دول خارجية (92%) ومنظمات دولية (8%)، توزعت الجهات التي استلمت المساعدات العينية بين إدارات رسمية لبنانية مثل وزارة الصحة العامة والجيش اللبناني (43.3%) ومنظمات غير حكومية (22.8%)، في حين أن 33.9% من هذه المساعدات لم يُحدّد من هم المستفيدون منها حتى الساعة.
هذه الأرقام التي وزعتها جمعية الشفافية الدولية في لبنان (لا فساد)، تبرز أهمية الشفافية والمساءلة كركيزتين أساسيتين لضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى مستحقيها. وفي هذا الإطار، أكّدت الجمعية أنه، وفي ظل الظروف الراهنة في لبنان، وتحت وطأة نزوح حوالى مليون وأربعمئة ألف شخص بحسب الأرقام الرسمية من مُدنهم وقراهم، وفي ظل الجهود المبذولة والمقدرة من كافة الجهات الحكومية والمحلية والدولية لتأمين الاحتياجات الأساسية للنازحين، إحتراماً لكرامتهم الإنسانية بكل ما فيها من متطلبات؛ إلّا أنه، ومن موقع الجمعية التي تُعنى بالشفافية وكشف الفساد، لا بدّ من التأكيد على تحمّل المسؤولية في هذه اللحظة الحرجة من تاريخ لبنان، والسعي إلى تحقيق إدارة سليمة للملف الإنساني بغية ضمان عدالة التوزيع وقطع الطريق أمام كلّ ساعٍ لاستغلال المأساة والأزمة الاجتماعية.
وضمن إطار عمل وحدة الرصد في جمعية “لا فساد”، وحتى تاريخ 29 تشرين الأول/أكتوبر 2024، تمّ رصد 53 إعلاناً عن تقديم منح مالية ومساعدات عينية للبنان، من خلال مصادر إعلامية وصحافية مختلفة والمواقع الإلكترونية للدولة اللبنانية والجهات المانحة. فتبيّن أن إجمالي الالتزامات الموثقة للبنان بلغ حوالى 682 مليون دولار أمريكي، بما فيها التزامات من مؤتمر باريس. في حين أن البيان النهائي للمؤتمر عبّر عن أن الدول المانحة التزمت بتقديم حوالى 800 مليون دولار كمساعدات إنسانية و200 مليون كدعم للجيش اللبناني. ولكن ما من مصدر عام يوضح تفاصيل المبالغ المرصودة حتى الساعة.
وتشمل المعونات مساهمات من عدة دول، منها: الولايات المتحدة (300 مليون دولار)؛ الإمارات العربية المتحدة (100 مليون دولار)؛ كندا (15 مليون دولار)؛ فرنسا (100 مليون يورو)؛ وألمانيا (96 مليون يورو). كما قدّم الاتحاد الأوروبي 30 مليون يورو؛ إيطاليا 17 مليون يورو؛ وصندوق لبنان الإنساني المموّل من دولة قطر 24 مليون دولار. ليصل إجمالي المبلغ إلى حوالى 682 مليون دولار.
وتضيف جمعية “لا فساد” في بيانها: “إن التزامنا اليوم ليس مجرد شعار، بل هو دعوة صريحة للجهات كافة، الحكومية منها وغير الحكومية، الدولية والمحلية، للعمل معاً لتحقيق أقصى درجات الشفافية والعدالة. هذا الدور الذي سعينا إليه وكرّسنا له عملاً دؤوباً وفعّالاً في أعقاب انفجار مرفأ بيروت، حيث قمنا بإطلاق منصة إلكترونية تتيح للجمهور الإطلاع على كل ما يتعلق بالهبات والمساعدات المقدمة إلى لبنان وآليات توزيعها، وتابعناها من خلال حملات إعلامية ومؤتمرات؛ كذلك قمنا ببلورة أدوات لقياس مدى الشفافية على مستوى التمويل الدولي وضعناها بين أيدي أصحاب القرار؛ بالإضافة إلى تقديم ونشر اقتراحات عملية للحكومة اللبنانية والمجتمع الدولي حول تعزيز الشفافية وفعالية توزيع المساعدات. نستكمل اليوم هذه المهمة التي أصبحت بحجم الوطن، والتي تهدف إلى مراقبة ورصد ونشر الهبات والمساعدات التي تصل إلى لبنان، بالإضافة إلى آلية توزيعها على المستفيدين”.
بالانتقال إلى المساعدات العينية، فقد بلغ حجمها حوالي 1048 طناً، تضمنت مواداً طبية وغذائية. ومن بين هذه المساعدات 90 طناً من الأدوية والمواد الغذائية والملابس قادمة من باكستان، و375 طناً من المساعدات الإماراتية، و55.7 طناً من المعدات الطبية من الصين، و25 طناً من شحنة اليونيسف المدعومة من بريطانيا. هذا إضافة إلى 30 طناً من المساعدات الطبية التركية.
يمكن الإشارة في هذا السياق إلى وجود بعض الالتباس الناتج عن عدم نشر المعلومات بين المساعدات المالية المخصصة للبنان على شكل نقدي وتلك المخصصة للمساعدات العينية. ففي المحصلة العامة، ورغم التصريحات المتكررة منذ بداية الأزمة عن الشفافية في إدارة المساعدات الإنسانية، إلا أن الالتزام بنشر المعلومات حول الهبات والمساعدات المقدمة ما زال محدوداً. وذلك بحسب معايير مبادرة الشفافية الخاصة بالمعونة الدولية التي تشمل نشر بيانات دقيقة، محدثة، ومفتوحة عن التمويل والمستفيدين، مع الالتزام بالتنسيق، المساءلة، ومعايير الجودة لضمان وصول المعونات بفاعلية وشفافية، بحسب ما أفادت به جمعية “لا فساد”.
بالرغم من الجهود الآنية الحثيثة التي بذلت، ما زالت الحكومة اللبنانية تفتقر إلى منصة موحّدة متاحة للجمهور لنشر تفاصيل المساعدات المستلمة وكيفية توزيعها. هذا الضعف في تطبيق معايير الشفافية يؤكد الحاجة لإيجاد آلية واضحة لنشر المعلومات للعموم، مع التركيز على إنشاء منصة موحدة يمكن من خلالها للجميع متابعة حجم المساعدات، نوعيتها وآليات توزيعها، وبحسب المعايير الدولية.
“إن بلدنا بحاجة لكل مساعدة. لذا من المهم الالتزام بأقصى معايير الشفافية الدولية لضمان استمرار تدفق المعونات، لنعبر سوياً هذه المحنة ونعيد إعمار ما تهدّم، في سبيل بناء وطن أكثر عدالة وشفافية”، كما جاء في ختام بيان الجمعية.