السبت, يوليو 27, 2024
18.8 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

كارين عبد النور ـ إنفجار مرفأ بيروت: بين الحقيقة والتكهّنات. الجزء السادس

والعدالة لا زالت تنتظر…

على وقع قرار القاضي طارق البيطار استئناف التحقيقات في ملف انفجار مرفأ بيروت بعد حوالي 13 شهراً على تعليقها، اندلعت حرب قضائية بينه وبين النائب العام التمييزي، غسان عويدات. فما كان من الثاني إلا أن ادّعى على الأوّل بتهمة “التمرّد على القضاء واغتصاب السلطة”، مانعاً إياه من السفر. وجاء ردّ عويدات سريعاً بالإفراج عن جميع المشتبه بهم المحتجزين منذ بُعيد الانفجار، ما دفع البيطار إلى التشبّث برأيه بمواصلة التحقيق معتبراً أن ليس من صلاحيات النائب العام التمييزي توجيه الاتهامات له أو الإفراج عن الموقوفين. فماذا حصل بعدها؟

عرقلة وألاعيب في مواجهة التحقيق

لا شك أن محاولات كثيرة قد بُذلت من أجل عزل القاضي البيطار عن إدارة التحقيق بالكامل. وبالرغم من موافقة مجلس القضاء الأعلى على تعيين قاض جديد آخر لتولّي المسؤولية بدلاً منه، غير أن البيطار لا يزال في موقعه. وقد أمر بدوره بالإفراج عن خمسة أفراد كانوا قد اعتُقلوا بعد الانفجار – من بينهم مسؤولون في المرفأ وعمال صيانة – كما ادّعى على ثمانية آخرين، من بينهم أربعة قضاة. عندها، أعلنت النيابة العامة التمييزية أنها ستتعاطى مع القرار الصادر عن البيطار وكأن لا وجود له، ما يعني عدم تنفيذ أي من قرارات إخلاء السبيل ولا حتى الادّعاء، ما أدّى إلى عرقلة التحقيق من جديد وانتشار استياء عارم في صفوف أهالي الضحايا.

فقد رأى البعض أن تدخّل عويدات كان ضرورياً لعدم جواز حجز حرية أي شخص دون محاكمة (وما هو أسوأ، دون تحقيق لأكثر من سنتين)، لا سيّما في موضوع يتعلق بإهمال وظيفي، بينما يرفض مطلوبون آخرون المثول أمام القضاء. في حين أعرب آخرون عن استيائهم من محاولة “كفّ يد” البيطار، باعتبار أن العدل ولبنان لا يلتقيان خصوصاً وأن السلطات اللبنانية رفضت طلبات قضائية برفع الحصانة البرلمانية والسماح باستجواب المسؤولين الأمنيين، كما أخفقت الحكومة في تنفيذ مذكّرات توقيف بحقّ وزراء سابقين. كذلك، استنكرت جهات دولية حالات التأخير غير المبرّرة التي حالت دون تحقيق العدالة للمتضرّرين من الانفجار، مستشهدة بالتدخّلات العديدة والتهديد الذي تعرّض له البيطار.

خيبة أمل

بالرغم من المطالبات المتكرّرة بضرورة إطلاع اللبنانيين وأهالي الضحايا على نتائج التحقيق الفني لكيفية حدوث الانفجار، رفض المحقّق العدلي، القاضي البيطار، وقبله القاضي صوان، كشْف الحقيقة المتعلقة بهذا الأمر من خلال نشر التحقيق الفني بعنوان “سرّية التحقيق”. وإذ يُعتبر انفجار المرفأ أحد أكبر الانفجارات غير النووية في الذاكرة الحديثة، فلربما الوقت قد حان لإطلاع أهالي الضحايا – الذين يطالبون بدورهم بتحقيق دولي – والشعب اللبناني على حقيقة ما حصل. فهل كان ثمة تعمُّد أم أن الإهمال هو ما تسبّب بالكارثة؟

كثيرون كانوا على علم بأمر الشحنة، من جهات رسمية وأمنية وعسكرية إلى مسؤولين ورؤساء سابقين، وفي طليعتهم رئيس الجمهورية السابق، ميشال عون، ورئيس الوزراء السابق، حسان دياب. فمن كان المستفيد من إبقاء نترات الأمونيوم في المرفأ؟ لماذا لم تتحرّك الدولة؟ أين أُرسلت الكميات المفقودة؟ ما علاقة سوريا، معارضةً ونظاماً؟ ماذا عن وجود نترات الأمونيوم في مرفأ طرابلس؟ ما سرّ الشاحنة المحمَّلة بالمادة التي أوقفها أحد الأجهزة الأمنية على طريق ضهر البيدر الدولي في لبنان قبل أن يأمر المدير العام السابق للأمن العام اللبناني، اللواء عباس ابراهيم، فرقة من الأمن العام بمرافقتها إلى سوريا بعد تأكيد وزير الأشغال العامة والنقل آنذاك، يوسف فنيانوس، معرفته بمحتوى الشاحنة؟ أسئلة، وغيرها الكثير، كانت وستبقى برسم القضاء اللبناني والأجهزة الأمنية إلى حين إحقاق العدالة.

غموض ما بعده غموض

ما يزيد الفرضيات تشابكاً هو عمر نترات  الأمونيوم الذي كان مخزّناً في العنبر رقم 12. إذ، بحسب خبراء مختصّين، يجب أن تُستخدم المادة خلال ستة أشهر من تاريخ تصنيعها، سواء أكانت معدّة لأغراض زراعة أو لصناعة المتفجّرات، وإلّا تعرّضت للتحجّر. وبالتالي لا طائل من استخدامها بعد انقضاء الأشهر الستة، خصوصاً إذا لم تكن مخزّنة كما يجب. ولا يخفى على أحد درجة الرطوبة العالية داخل العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت، المصنوع من الحديد والملاصِق للبحر تماماً. فإذا كان ثمة من “استفاد” من المواد المخزّنة، فإنما قد فعل ذلك في الأشهر الستة الأولى، أي في العام 2014 وليس بعده. وبحسب خبراء المتفجّرات، فإن الكمية التي يُقدَّر أنها انفجرت تبلغ حوالى 500 طن، ما يعني أن الكمية المتبقّية (2250 طنّاً) إما أن تكون قد “تحلّلت” مع الوقت أو “سُرقت” أو حتى “هُرّبت” إلى خارج لبنان بمساعدة أطراف داخلية.

وهذا ما يغذّي الفرضيّة القائلة بأنّ خروج نترات الأمونيوم إلى سوريا تمّ في تلك الفترة، حين سلّم النظام السوري أسلحته الكيمياوية، وبات عاجزاً عن لجم تقدُّم المعارضة السورية إلى مشارف العاصمة، واضطرّ إلى استعمال “البراميل المتفجّرة” – التي ذاع صيتها بين العامين 2014 و2015، وساهمت في إخماد الثورة السورية عبر ضرب المناطق المدنية – التي يُرجَّح أنّها أحد نتائج لغز 4 آب. وما يعزّز الشبهات أن شركة Savaro، وبدلاً من اعتماد باخرة متينة وسريعة لشحنة بهذه الحساسيّة، قامت باختيار باخرة ذات تاريخ أعطال موثّق، بحسب ملفّها. باخرة عُرف أنها، قبل سفرتها الأخيرة، أنها كانت متوقّفة لعشرين يوماً في إشبيلية الإسبانية لأعطال تقنية. فهل نحن أمام جريمة حرب “أبطالها” منتشرون في أكثر من عاصمة؟

 

ق قليلة بعد الساعة السادسة مساء بتوقيت العاص

أهكذا يُقفل الملف؟

يؤكّد القضاء والقوى الأمنية اللبنانية أن التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت انتهت تماماً. إذ بات لدى هؤلاء الرواية الكاملة عمّا حصل: كيف وصلت شحنة نترات الأمونيوم، وكيف خُزِّنت، وكيف انفجرت. لكن إلى الآن لم يُفرَج عن الرواية الكاملة تلك. فهل إن الغاية تحويل الجريمة إلى “قميص عثمان” عوضاً عن كشف الحقيقة كما هي؟ لا خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزل. ولم يعرف أحد ما الذي حصل بالتحديد في ذلك اليوم المشؤوم. نُتَف روايات تناقلها الإعلام. تسريباتٌ وتسريبات مضادة. كلٌّ يزعم امتلاك الحقيقة ويتمسّك بطريقة وتوقيت ترويجها، لكنّ أحداً لا يعلم حقيقة ما جرى. والاحتمالات كثيرة:

  • التلحيم، وعن غير قصد، سبّب الشرارة الأولى.
  • التلحيم، وعن قصد، خفى خلفه عملاً إرهابياً.
  • مجهول استغلّ توقيت التلحيم وأقدم على إشعال الشرارة الأولى.
  • عملية إرهابية نُفّذت بأدوات أخرى.

هل هناك قاتلٌ فعلاً أم أن الجميع ضحايا بنسبٍ متفاوتة؟ الحديث عن فاعل خفيّ يُبقي جذوة شرارة ما قابلة لإشعال الشارع اللبناني. لكن لا يمكن نفي أن الإهمال الذي نتجت عنه جميع مكوّنات قنبلة العنبر رقم 12 الضخمة طوال سبع سنوات كان وسيبقى بمثابة الجريمة الأكبر. فهناك مطّلعون على الملف يؤكّدون أن لا خلفيات سياسية وراء الانفجار، خارجية كانت أم داخلية. لكن انعدام إجراءات التشغيل القياسية (Standard Operating Procedures) وغياب معايير وإجراءات السلامة، كذلك تقاعُس القضاء عن تحمُّل مسؤولياته رغم الرسائل التحذيرية التي وصلته من جهات مختلفة، ما حوّله شريكاً في اللامبالاة الجماعية، كلّ ذلك جعل من بيروت عاصمة منكوبة لم تنفض غبار نكبتها حتى الساعة.

على أي حال، ومهما كثرت التحليلات، فإن العنبر رقم 12 هو الذي فجّر نفسه بنفسه بما فيه من نترات الأمونيوم وغيرها من المواد الخطرة، إضافة إلى المفرقعات التي جرى تكديسها فيه بلا حسيب ولا رقيب ودون أي خوف من يوم الحساب. فكان العنبر جاهزاً ومجهّزاً، عن قصد أو عن غير قصد، لتلك الجريمة النكراء. وحده شعب لبنان دفع الثمن ولا يزال. فهل من يُحاسَب؟

https://hura7.com/?p=18060

الأكثر قراءة