الإثنين, يناير 20, 2025
1.7 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

كارين عبد النور ـ السجون اللبنانية: عام جديد من التحدّيات… والرهان على الإصلاح

الحرة بيروت ـ بقلم: كارين عبد النور

لا تزال أزمة السجون في لبنان إحدى أبرز الأزمات الإنسانية والاجتماعية التي تواجه النظام القضائي والأمني في البلاد. فالسجون تعاني من إهمال مزمن وتراكمات عديدة أدت إلى تدهوُر أوضاعها وواقع نزلائها حتى أصبحت تشكّل كارثة على المستوى الحقوقي والصحي والإنساني معاً.

تفاقُم الأزمات الاقتصادية والسياسية في لبنان زاد من حدّة المشكلة، حيث أشارت تقارير حقوقية حديثة إلى أن السجون اللبنانية تعاني من اكتظاظ شديد يتجاوز القدرة الاستيعابية المخصّصة لها. ووفقاً لتصريحات المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، وصلت نسبة الاكتظاظ في بعض السجون إلى نحو 300%. فعلى سبيل المثال لا الحصر، يتجاوز حالياً عدد السجناء في سجن رومية المركزي 4000 سجيناً، رغم أنه صُمّم ليستوعب زهاء 1200 فقط.

إنتهاكات الحقوق والقوانين

خلال العام 2024، أصدرت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب تقريرين شاملين حول أوضاع السجون في لبنان. وشملا زيارات ميدانية لـ182 مركز احتجاز بإدارة المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، بينها سجن بعلبك وسجن القاصرات في ضهر الباشق ومستشفى الحياة، و8 مراكز احتجاز بإدارة الجيش اللبناني، منها سجن وزارة الدفاع في اليرزة وسجن الشرطة العسكريّة في الريحانيّة، إضافة إلى سجنَي طرابلس وزحلة.

وبحسب التقريرين، تمّ رصد انتهاكات تتعلق بتطبيق المادّة 108 من قانون أصول المحاكمات التي تضمن عدم حرمان أي شخص من حرّيته دون مسوّغ قانوني وعدم الالتزام بها في ما يخص احترام مدّة التّوقيف. ناهيك بعدم احترام المادّة 402 من القانون نفسه لجهة عدد القضاة الخجول الذين يقومون بالإشراف القضائي في نظارات قصور العدل ولمرّات معدودة.

ومن أصل 841 محتجزاً، زعم 83 منهم تعرّضهم للضرب في المخافر من قِبَل رتباء التحقيق أو خلال إلقاء القبض عليهم. كما ادّعى قسم آخر تعرّضه للضّرب من قِبَل فروع مكافحة المخدّرات، رغم أن منع أعمال التعذيب وسوء المعاملة والتحقيق فيها وملاحقة مرتكبيها أمام القضاء والتعويض لضحاياها هي التزام مطلَق ملزِم للدولة اللبنانية. إذ لا يمكن التذرّع بأي ظروف استثنائية لتبرير أي ممارسة من ممارسات التعذيب أو سوء المعاملة أو التغاضي عنها.

ولفت التقرير إلى أنّ الانتهاكات التي تطال المحتجزين في مراكز الاحتجاز التي تديرها المديرية العامة لقوى الامن الداخلي، مردّها إلى الاكتظاظ الشديد وسوء جودة ونوعيّة الطّعام، وعدم وجود مصدر لمياه الشرب في مراكز الاحتجاز وانقطاع مياه الاستخدام بشكل دوري وعدم توفّر التّيار الكهربائي. هذا إضافة إلى انتهاك حقوق الإنسان لناحية الخصوصيّة والنّظافة والتعرّض لنور الشمس، وإلى غياب المساواة بين المحتجزين في ما يخص الحق بالاتصال والزيارات والمواجهات.

… والاكتظاظ سبب رئيس

من جهتها، وثّقت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقريرها السنوي العام الماضي استمرار الظروف المروّعة في السجون اللبنانية، مع تسليط الضوء – مرّة أخرى – على الاكتظاظ الشديد، معتبرة أن الأوضاع تدهورت بشكل خطير بسبب الأزمة الاقتصادية في البلاد. ورأت المنظمة أن الاكتظاظ هو القاعدة، وأشارت إلى تدنّي مستوى الرعاية الصحية، في حين أن تقاعُس الحكومة عن دفع الفواتير المستحقّة يهدّد الإمدادات الغذائية للسجون.

وبحسب المنظمة، تبلغ الطاقة الاستيعابية لمراكز الاحتجاز في جميع أنحاء لبنان 4760 سجيناً، لكنها تستضيف حالياً نحو 8502 شخصاً، 1094 فقط منهم محكومين، وفقاً لأرقام قوى الأمن الداخلي. ويعود السبب إلى زيادة معدلات الجريمة، وبطء إجراءات المحاكمة التي تؤخّر عمليات الإفراج، وعجز عديد من السجناء الذين قضوا مدة عقوبتهم عن دفع الرسوم المطلوبة للإفراج عنهم.

ورغم غياب برامج إعادة التأهيل الهادفة إلى إعادة دمج السجناء في المجتمع بعد انقضاء محكومياتهم، يُعدّ مركز “ريستارت” لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب أحد أبرز الجهات الفاعلة في دعم السجناء وتحسين أوضاع السجون اللبنانية. فخلال العام 2024، قام المركز بعدد من المبادرات الهامة، أبرزها:

  • تقديم الدعم النفسي والاجتماعي حيث عمل المركز على توفير جلسات دعم نفسي فردية وجماعية للسجناء بهدف مساعدتهم على التأقلم مع أوضاعهم الصعبة.
  • إطلاق برامج خاصة تهدف إلى إعادة تأهيل السجناء، من خلال ورش عمل تدريبية وتعليمية تساعدهم على اكتساب مهارات عملية.
  • تقديم رعاية صحية متخصّصة بالتعاون مع جهات طبية، وتنظيم حملات طبية شملت فحوصات وعلاج للسجناء الذين يعانون من أمراض مزمنة.
  • تكثيف الجهود لرصد الانتهاكات الحقوقية داخل السجون والتنسيق مع الجهات المختصّة لضمان محاسبة المسؤولين عنها.
  • القيام بحملات توعية وتثقيف استهدفت السجناء وأفراد أسرهم، لتعزيز معرفتهم بحقوقهم القانونية والصحية.

غير أن مسألة مناهضة التعذيب والوقاية من ممارسته غير المشروعة تبقى ناقصة ما لم تتضافر جهود الحكومة والمجتمع المدني – وأوّلها محاولات إصلاح النظام القضائي عبر تسريع المحاكمات للحدّ من فترات التوقيف الاحتياطي؛ وبناء سجون جديدة تتوافق مع المعايير الدولية؛ كما تعزيز التعاون الدولي مع المنظمات الإنسانية لتحسين الأوضاع الصحية والمعيشية داخل السجون؛ هذا إضافة إلى إعداد دورات تدريبية لعناصر قوى الأمن الدّاخلي، وتخصصيّة لرتباء التّحقيق حول أهمية تطبيق المادّة 47 وإلزاميّة احترامها والعقوبات التي يتعرّض لها المخالف؛ ناهيك بالمتابعة مع نقابتَي المحامين (في بيروت والشمال) من أجل الإشراف على تطبيق هذه المادّة وتفعيل لجنة المعونة القضائية.

مع نهاية عام وبداية آخر، يبقى واقع السجون في لبنان انعكاساً واضحاً للأزمات البنيوية التي تعصف بالنظام القضائي والإداري في البلاد. على أمل أن يحمل العام الجديد فرصة لإطلاق مبادرات إصلاحية جادة تتجاوز الحلول المؤقتة، وتضع الأسُس لتطوير منظومة السجون بما يضمن احترام كرامة النزلاء وتعزيز الأمن المجتمعي. وفي ظل الأزمات السياسية والاقتصادية الراهنة، يبقى الأمل معقوداً على إرادة وطنية حقيقية تسعى إلى تحويل السجون من أماكن معاقبة إلى فضاءات تأهيل وإصلاح، بما يعكس تطلُّع اللبنانيين إلى مستقبل أكثر إنسانية وعدالة.

https://hura7.com/?p=40455

الأكثر قراءة