السبت, مارس 15, 2025
3 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

كارين عبد النور ـ المرأة اللبنانية: من النضال إلى القيادة

الحرة بيروت ـ بقلم كارين عبد النور

الحديث عن المرأة في يومها العالمي ليس ترفاً، ولا مجرد إشادة عابرة، بل هو ضرورة ملحّة. فالمرأة ليست نصف المجتمع فحسب، بل هي إحدى رافعتَي قلبه النابض وعقله المفكر وساعده المنتج. هي الأم والمعلمة، القائدة والعاملة، الناشطة والسياسية، التي تواجه التحديات وتصنع الفرق أينما كانت – وأتيح لها.

لقد خاضت النساء حول العالم، وعلى مراحل، مسارات نضالية شاقة للوصول إلى ما تحقق اليوم من حقوق ومكتسبات؛ بدءاً من حق التصويت، مروراً بالمشاركة الاقتصادية والسياسية، وصولاً إلى تبوؤ أعلى المناصب القيادية. كل واحدة منهن قدمت نموذجاً ملهماً لما يمكن أن تفعله المرأة عندما تؤمن بقضيتها، وحجم التغيير الذي يمكن أن تصنعه حين تحظى بفرصة عادلة وحين يؤمن الآخرون بدورها.

اليوم، ونحن نحتفل باليوم العالمي للمرأة، لا بد لنا من الوقوف إجلالاً أمام تضحيات المرأة اللبنانية التي لم تكتفِ بأن تكون جزءاً من النضال بل استطاعت – في غير ظرف – أن تكون في طليعة القيادة. هي التي صمدت في وجه الأزمات، وقادت العديد من المبادرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وساهمت بدفع عجلة التغيير إلى الأمام.

المرأة اللبنانية لم تكن يوماً مجرد متفرج على مسار الأحداث؛ فقد شكّلت ركيزة أساسية في النضال الوطني والاجتماعي، ومن ثم تحولت إلى قائد فاعل ومؤثر في مختلف مجالات الحياة. من الوقوف في وجه الاحتلالات التي تعاقبت على لبنان، إلى الريادة في المجالات السياسية والاقتصادية، أثبتت المرأة اللبنانية أنها ليست فقط جزءاً من التاريخ، بل هي شريكة في صناعته.

بدأت مسيرة المرأة اللبنانية في النضال تتبلور باكراً في القرن العشرين، حيث شاركت في الأحداث الوطنية الكبرى منذ حقبة الانتداب الفرنسي وصولاً إلى الحرب الأهلية. وبعد أن أثبتت أنها شريك أساسي في مخاضات أزمنة الصعاب، جاء الوقت لكي تتبوأ مواقع القيادة في أزمنة إعادة البناء. من الوزيرات إلى المديرات التنفيذيات، ومن الأديبات إلى الفنانات، أثبتت النساء اللبنانيات أنهن قادرات على أخذ زمام المبادرة والمشاركة في قيادة المجتمعات نحو التغيير.

في قلب لبنان روايات فريدة من نوعها عن نساء تحدّين الظروف الصعبة وحفرن أسماءهن في تاريخ بلادهن. ففي كل زاوية من زوايا هذا الوطن، سمعنا قصصاً عن نساء جاهدن من أجل اكتساب حقوقهن وتحصيل حقوق الآخرين، وحملن شعلة المثابرة تحقيقاً لأسمى الإنجازات وكسراً لحواجز طالما حدّت من قدراتهن وطموحاتهن.

هي الأم التي قدمت أبناءً شهداء على مذبح الوطن، والصحافية التي أوصلت صوت المقهورين إلى حيث يجب، والقاضية التي حكمت بالعدل، والوزيرة والنائب التي وضعت بصمتها في سياسات الدولة. ففي مختلف المجالات، نجد المرأة اللبنانية حاضرة، مبدعة، وقائدة. وعلى الرغم من أن الطريق لم يكن سهلاً، إلا أنها أثبتت دائماً عن قدرة على إحداث فارق كبير في مجتمعها.

واليوم، ندرك أكثر من أي وقت مضى أن المرأة اللبنانية ليست شريكاً في بناء المستقبل فقط لا غير، بل هي المتمتعة بصفات قيادية من شأنها أن تأخذ بيد الوطن إلى آفاق جديدة. إن حجز خمس نساء بارزات أمكنة لهنّ في الحكومة اللبنانية حديثة الولادة يُعدّ إنجازاً في الظاهر، لكنه يطرح العديد من التساؤلات: هل هو تقدُّم حقيقي نحو تحقيق التمكين السياسي الراسخ؟ أم أنه مجرد خطوة شكلية مجاراة لزخم ونمط عالميين – ولو متفاوتَي الفعالية – نحو تعزيز تمثيل المرأة وتنويعه؟

لا شك بأن في المشاركة آنفة الذكر مؤشراً إيجابياً، لكنه وحده لا يكفي. فالمطلوب ليس فقط ارتفاع أعداد النساء إشغالاً للمناصب، بل تعزيز دورهن الحقيقي في صناعة القرار، ومنحهن الأدوات والموارد اللازمة ليكنّ فاعلات، بما يتخطى الشكليات السياسية تجميلية الطابع.

فإذا كانت هذه الخطوة حقاً باكورة مسار طويل وواعد من التغيير، فإن المستقبل يحمل آفاقاً واعدة للمرأة اللبنانية في المجال السياسي. أما فيما لو اقتصرت على مجرد كونها محاولة تجميلية، فإن المعركة ما زالت مستمرة لتحقيق المساواة الفعلية.

في هذا اليوم، نقف لنؤكد أن تمكين المرأة ليس رفاهية، ولا منّة من أحد، بل هو حق أصيل يجب أن يُكرّس في القوانين والممارسات اليومية.

المرأة اللبنانية ليست فقط مطالِبة بحقوقها، بل هي صانعة تغيير، وهي في موقع المسؤولية (تعاونية الطابع، بالتأكيد، مع نصفها الآخر) عن مستقبل أكثر عدلاً وإنصافاً. لكن المسار ذاك لا يمكن أن يكتمل بدون دعم مجتمعي شامل؛ فالمساواة ليست مسؤولية المرأة وحدها، بل هي مهمة مشتركة بين الدولة، والمجتمع المدني، والأفراد تتجاوز التصنيفات الجندرية.

إن تمكين المرأة لا يعني منحها امتيازات، بل يعني إزالة العوائق التي تمنعها من تحقيق إمكاناتها الكاملة. فمتى حصلت النساء على الفرص العادلة، أثبتن أنهن قادرات على إحداث التغيير وبناء مستقبل أكثر إشراقاً.

لكن في خضم الحديث عن تمكين المرأة، لا بد من التنبه إلى تحدٍّ خطير يواجه مجتمعنا اليوم، وهو فقدان المرأة لدورها وهويتها أحياناً بحجة تحقيق المساواة. إن كثراً بيننا يؤمنون بعمق بالمساواة البناءة التي تعزز دور المرأة في المجتمع دون أن تهدم ركائز الأسرة أو تزعزع التماسك الاجتماعي. لكن للأسف، ها نحن نشهد تحوّلات تُضعف مفهوم الأسرة، ما يهدد استقرار المجتمع ككل. من هنا، يصبح من الضرورة بمكان إعادة تعريف دور المرأة الحقيقي، بحيث تجمع بين النجاح المهني والاجتماعي، دون أن يأتي ذلك على حساب الأسرة. فالأوطان متينة البنيان إنما تخرج من رحم العائلات شديدة التماسك.

فلتستمر مسيرة المرأة اللبنانية قدماً، ولتبقَ رمزاً للعزيمة والإرادة التي لا تنكسر. ولنعترف بأنها لم تكن يوماً بالعمق مجرد جزء من الحكاية، بل نصف الحكاية الجمعية وحكاية فردية بحدّ ذاتها.

كل عام والمرأة أقوى، كل عام والمجتمع أكثر عدالة، كل عام ونحن أقرب إلى المساواة الحقيقية البناءة.

https://hura7.com/?p=46350

 

الأكثر قراءة