السبت, فبراير 15, 2025
-1 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

كارين عبد النور ـ الولايات المتحدة بين “أميركا أولاً” والأدوار السياسية: تعليق المساعدات الدولية وأثره على لبنان والعالم

الحرة بيروت ـ بقلم: كارين عبد النور

مع تولّي الرئيس الأميركي دونالد ترامب منصبه، بدأت الولايات المتحدة في انتهاج سياسة خارجية تتبنى شعار “أميركا أولاً”، متجهة نحو إعادة صياغة أولوياتها الدولية. ومن أبرز الخطوات المثيرة للجدل، قرار وزير الخارجية ماركو روبيو بتجميد المساعدات الدولية الجديدة بشكل شبه كامل، ما أثار قلقاً واسعاً في أوساط الدول النامية والمجتمع الدبلوماسي العالمي. يعكس هذا القرار تحولاً استراتيجياً يهدف إلى مراجعة الالتزامات الأميركية في الخارج، لكنه يطرح تساؤلات حول تداعياته على النفوذ الأميركي ومستقبل التعاون الدولي.

قرار غير مسبوق وتأثير واسع النطاق

في مذكرة داخلية كشفت عنها بعض التقارير مؤخراً، أصدر روبيو توجيهات صارمة بعدم تخصيص أي تمويل جديد للمشاريع أو توسعتها دون مراجعة وموافقة مسبقة. يشمل هذا التجميد برامج متعددة تتراوح بين مساعدات التنمية والدعم العسكري، مع استثناءات محدودة تشمل إسرائيل ومصر، اللتين ستواصلان تلقّي تمويل عسكري كبير.

من ناحيته، يُعدّ لبنان من بين الدول الأكثر تضرراً، حيث تم تعليق مساعدات بقيمة 117 مليون دولار كانت مخصصة لمشاريع التنمية والمبادرات الإنسانية. يأتي هذا القرار في وقت حرج يواجه فيه البلد أزمة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة، ما يجعل تأثير هذا التجميد كارثياً على مشروعات تهدف إلى تخفيف معاناة الشعب اللبناني.

نهج جيوسياسي مثير للجدل

تبرر إدارة ترامب هذا القرار بالحاجة إلى مراجعة جدوى المساعدات وضمان توافقها مع المصالح الأميركية. لكن هذه السياسة أثارت مخاوف من تراجع النفوذ الأميركي لصالح قوى أخرى مثل الصين وروسيا. ففي حين تركز الصين على تعزيز نفوذها من خلال الاستثمار في البنية التحتية والحصول على الموارد الطبيعية، خاصة في إفريقيا، يتجه التراجع الأميركي في تقديم المساعدات إلى تقويض دوره التقليدي في مناطق استراتيجية، مثل الشرق الأوسط.

في هذا السياق، كانت المساعدات المخصصة للبنان فرصة لتعزيز العلاقات الدبلوماسية الأميركية في المنطقة، لكن تعليقها يعكس تحولاً استراتيجياً قد يؤدي إلى فقدان تأثير الولايات المتحدة في مواجهة المنافسين الدوليين.

استثناءات إسرائيل ومصر والمساعدات الغذائية

تضمنت المذكرة استثناءات ملحوظة، أبرزها الدعم العسكري لإسرائيل ومصر. إسرائيل، التي تُعتبر المستفيد التقليدي الأكبر من المساعدات العسكرية الأميركية، شهدت تعزيز هذا التمويل في ظل التوترات الأخيرة في قطاع غزة. أما مصر، فتواصل الحصول على دعم عسكري كبير كجزء من اتفاقية السلام الموقعة بينها وبين إسرائيل منذ السبعينيات.

على الرغم من الحفاظ على المساعدات الغذائية الطارئة الموجهة للأزمات الإنسانية الكبرى في مناطق مثل سوريا والسودان، إلا أن ذلك لا يعوّض تعليق البرامج التنموية التي يحتاجها ملايين الأشخاص في الدول النامية.

كذلك يشمل قرار التجميد فترة مراجعة تمتد 90 يوماً، يتم خلالها تحليل كافة برامج المساعدات. لكن خلال هذه المدة، سيتم تغطية النفقات الإدارية فقط، ما يهدد بتوقف مشاريع حيوية تعتمد عليها مجتمعات بأكملها.

جدل حول دور أميركا العالمي

أثار هذا القرار تساؤلات جوهرية حول الدور الذي يجب أن تلعبه الولايات المتحدة على الساحة الدولية. تقليدياً، شكلت المساعدات الخارجية أداة لتعزيز القيم الأميركية وبناء التحالفات. لكن مع إدارة ترامب، تبدو هذه الرؤية في طريقها للتراجع أمام نهج أكثر براغماتية يركز على المصالح المباشرة.

رغم الجدل حول هذه السياسة، فإن آثارها تتجاوز تعليق المساعدات لتشمل إعادة تعريف العلاقات الدبلوماسية الأميركية ودورها في العالم. وبينما تستمر هذه السياسة في إثارة الانقسامات داخل الولايات المتحدة وخارجها، يبقى السؤال مفتوحاً: هل يمكن لأميركا الحفاظ على دورها كقوة قيادية عالمية في ظل هذه التوجهات؟

تعكس سياسة “أميركا أولاً” تحولاً كبيراً في النهج الأميركي تجاه العالم، لكن قرارات مثل تعليق المساعدات الدولية تضعف من قدرة الولايات المتحدة على لعب دورها التقليدي كداعم للتنمية والاستقرار العالمي. وبالنسبة لدول مثل لبنان، فإن هذه السياسات تأتي بتكلفة إنسانية كبيرة، ما يبرز الحاجة إلى إعادة التفكير في أولويات السياسة الخارجية الأميركية، بحسب الخبراء. وثمة بين هؤلاء من يتخوف أنه في ظل منافسة متزايدة من قوى عالمية أخرى، قد تكون هذه القرارات بمثابة فرصة ضائعة لإعادة تأكيد النفوذ الأميركي في العالم.

https://hura7.com/?p=43027

الأكثر قراءة