الجمعة, أكتوبر 4, 2024
11.2 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

كارين عبد النور ـ ثروة لبنان الصنوبرية بخطر

“الصنوبر السوري والتركي يغزو الأسواق اللبنانية بأسعار زهيدة ونوعيات رديئة، ضارباً الإنتاج المحلي. أما الحشرات، فتتزايد بشكل هائل وتسبّب أضراراً غير مسبوقة حيث وصلت نسبة الفارغ في الثمر إلى 60% الموسم الحالي”. صرخة أطلقها مزارع صنوبر لبناني. وهي تمثّل حال الأكثرية. فهل من معالجات قبل أن يتحوّل “الذهب الأبيض” مجرّد ذكرى لبنانية غابرة؟

تعود بدايات حكاية أشجار الصنوبر في لبنان إلى العام 1516، حيث كان الأمير فخر الدين المعني الثاني أوّل من أدخلها من إيطاليا وتركيا. فراحت تغطّي مساحات شاسعة من الأراضي اللبنانية، لا سيّما في أقضية المتن وبعبدا وكسروان والشوف وعاليه وجزين. وبعد أن باتت الثروة الصنوبرية مصدر رزق رئيسي لعائلات لبنانية كثيرة، لتُلقَّب بـ”الذهب الأبيض”، ينتظر القطاع “عناية” ما تنقذه من مصير مشؤوم يلوح في الأفق.

التحدّيات متنوعة

“كنّا نصدّر جزءاً من الإنتاج المحلّي قبل بدء التجار السوريين، قبل حوالى عام ونصف العام، بإدخال الصنوبر التركي والسوري إلى لبنان. وهو صنوبر مغشوش يجري خلطه مع الصنوبر البلدي المشهور بنوعيته الممتازة بهدف جني المزيد من الأرباح. كلّ ذلك ووزارة الاقتصاد غائبة تماماً عن مراقبة المحاصيل وعمليات الاستيراد”، كما يخبرنا أحد التجار المحلّيين. عمليات “الغش” هذه أدّت إلى تراجُع أسعار المنتوج في لبنان – ونوعيته – حيث تقهقر سعر الكيلوغرام الواحد من 70 إلى 40 دولاراً أميركياً.

تحديات مواسم الصنوبر لا تتوقف على عمليات الاستيراد هذه إنما تتخطاها لتشمل تكلفة اليد العاملة التي تصل إلى 55 دولاراً للعامل الواحد يومياً. ذاك أن عملية القطاف تشكّل خطراً على حياة العمال. فبحسب المزارعين، “يصعب إدخال أي تحديث على طريقة القطاف، كون طبيعة الأرض الوعرة لا تسمح باستخدام المعدّات والآليات، على عكس ما يحصل في تركيا مثلاً. لذلك نضطر لتغطية العمال ببوالص تأمين سنوية لا تقلّ قيمتها عن 3000 دولار ما يرفع تكلفة الإنتاج أيضاً”.

وهناك معضلة أخرى يشكو منها المزارعون المحليّون بعد أن تفاقمت بشكل ملحوظ خلال السنتين الأخيرتين: غزو حشرة “Leptoglossus” للأشجار ما أدّى إلى تدنّي الإنتاج بنسب كبيرة. “هذا النوع من الحشرات ينخر أكواز الصنوبر ويمتص السائل والغذاء، فتكون النتيجة قوالب فارغة من حبوبها. معظم التجار تضرّروا هذا الموسم. فمن تكبّد 100 ألف دولار ككلفة إنتاج، خسر بالمقابل ما يزيد عن 40 ألفاً. لم تعد هذه المهنة مصدر دخل أساسي لنا والخوف من أن تسوء الأحوال أكثر”، كما يقول مزارع آخر.

مسؤولية وزارية

لمزيد من المعلومات، تواصلت جريدة “الحرّة” مع الأستاذ والباحث المحاضر في الجامعة اللبنانية، البروفيسور داني عازار، الذي أفاد بأن أشجار الصنوبر تنمو عادة فوق تربة حمضية. لذا هي تأقلمت مع تربة ومناخ لبنان وأعطت نتاجاً هاماً على مدار السنين وصل بالأرقام إلى عشرات ملايين الدولارات سنوياً في بعض المواسم. لكن ما سبب التراجع مؤخّراً؟ “الأسباب كثيرة، أوّلها غياب اليد العاملة المتخصّصة وارتفاع كلفة القطاف كما تقاعُس وزارة الزراعة عن القيام بدورها من حيث نشر التوعية والمساعدة في إيجاد طرق لوقاية العمال وحماية المواسم. هذا إضافة إلى دخول بعض أنواع الحشرات من أميركا وأوروبا حيث راحت تنمو بسرعة وتضرب المحاصيل. فهذه الحشرات التي وصلتنا منذ عشر سنوات تقريباً عن طريق الأخشاب المستورَدة تبيض عادة في براعم أكواز الصنوبر فتُصيب البذور بالعقم وتمسي الأكواز فارغة. وبما أن الحشرات لا تحبّ البرد والصقيع، ونتيجة للاحتباس الحراري وارتفاع درجات الحرارة الذي نشهده في الآونة الأخيرة، تسارعت وتيرة نموّها بشدّة”.

وإذ اعتبر عازار أن الحلّ الأنسب لمكافحة هذا النوع من الحشرات هو الشتاء القاسي والصقيع، رأى أن على وزارة الزراعة القيام بعمليات رشّ بواسطة الطائرات رغم التأثيرات السلبية التي قد تلحقها بالثروة النحلية. “المحاصيل تراجعت إلى أقلّ من الثلث ومن المستحيل إيجاد سبل فردية للمعالجة. نحن بحاجة إلى خطة وطنية شاملة على كافة الأراضي اللبنانية. لكن، للأسف، فإن وزارتَي الزراعة والبيئة منهمكتان في الخلافات السياسية. مكافحة الحشرات والتوعية وتأمين طرق أقلّ تكلفة لقطاف المواسم كما حماية الغابات ومكافحة التلوث، جميعها من مهام الوزارتين المذكورتين. أما مسؤولية مراقبة عمليات الاستيراد لحماية الإنتاج المحلي، فهي على عاتق وزارة الاقتصاد”.

تهديد مناخي… وبشري

توجّهت جريدة “الحرة” إلى مدير التنمية الريفية والثروات الطبيعية في وزارة الزراعة، الدكتور شادي مهنّا، الذي اعتبر أن التغيرات المناخية هي التي أدّت إلى تكاثُر الحشرات بسبب غياب البرد والصقيع. “إنها ظاهرة عالمية ولا يمكننا، كوزارة، التدخل دوماً في رشّ المبيدات، تفادياً لتأثير ذلك على حشرات أخرى قد تكون صديقة للبيئة أو عدواً طبيعياً لحشرات أخرى. لقد تدخّلنا منذ ثلاث سنوات بعد أن خفّ الإنتاج بشكل ملحوظ، لكن المبيدات الكيميائية المستخدَمة في مكافحة هذا النوع من الحشرات سبّبت لنا مشاكل مع النحّالين الذين نسبوا إلى عملية الرشّ سبب القضاء على أعداد كبيرة من النحل. ومن جهة أخرى، فإن فترات الجفاف الطويلة الناتجة عن التغيرات المناخية تؤثّر على الشجرة وتضعفها ما يجعلها أكثر عرضة للضرر”.

ويضيف مهنّا، بالنسبة لأشجار الصنوبر تحديداً، أن الأكواز التي تُقطف في الموسم الحالي تكون قد أزهرت وتكوّنت منذ ثلاث سنوات. لذا، فالتأثر بالحشرات يتمّ في أوّل سنتين من مسار تكوين الأكواز حيث تكون ما زالت خضراء وطرية. “الموسم الحالي ليس جيداً، أما الموسم المقبل فمقبول، في حين أن الموسم الذي يليه يبدو ممتازاً إلى الآن”. وعن تدنّي الأسعار، لفت إلى أن استهلاك الصنوبر يتأثر بشكل مباشر بالقدرة الشرائية للمواطن، ناهيك باستيراد نوعيات أقلّ جودة لاستخدامها في صناعة الحلويات بالأخص.

“على وزارة الاقتصاد فرض رسوم جمركية على الاستيراد الأجنبي لحماية المنتج المحلي، كما على المزارع مراقبة الأشجار على مدار السنة ومنذ السنة الأولى، وليس فقط خلال موسم القطاف. فثروة الصنوبر مهدّدة لا من الحشرات والتغيرات المناخية فحسب، إنما من الإنسان أيضاً نتيجة التمدّد العمراني والحرائق المفتعلة، وهنا يكمن الخطر الأعظم”.

https://hura7.com/?p=30022

 

الأكثر قراءة