السبت, يوليو 27, 2024
18.8 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

كارين عبد النور ـ صحّة المرأة الإنجابية في مرمى التغيُّر المناخي

صحّة المرأة الإنجابية في مرمى التغيُّر المناخي

بمناسبة يوم الأرض العالمي، الذي يصادف في 22 نيسان من كل عام، لا بدّ من التذكير بأن النساء الحوامل هنّ من بين أكثر المتضرّرين من تداعيات التغيُّر المناخي. فقد ربطت دراسة أسترالية حديثة زيادة حالات الولادة المبكرة بارتفاع درجات الحرارة، حيث بات التغيُّر المناخي ينعكس سلباً على صحة الأطفال الذين يولدون قبل أوانهم فيكونون عرضة للأمراض التنفّسية أو حتى الوفاة.

بحسب الباحثين، الأدلّة واضحة حول تأثير الأخطار المناخية، وبصفة خاصة ارتفاع الحرارة وتلوّث الهواء، على الصحة الإنجابية وعلى الفترة المحيطة بالولادة كما على صحة الرضّع والأجنّة. فالمشكلات الصحية المرتبطة بتغيُّر المناخ يمكن أن تؤدّي إلى تراجُع نسبة الخصوبة لدى النساء والتأثير على وظيفة المبيض أو إلى زيادة مخاطر مضاعفات الحمل، مثل ارتفاع ضغط الدم والسكّر الحملي، كما يمكن أن يعرّضهن لخطر فقدان الحمل والولادة المبكرة.

وقد ذكر البحث، الذي أجراه أطباء أستراليون، أن درجات الحرارة المتطرّفة تزيد مخاطر الولادات المبكرة بنسبة 60%. وأشار إلى تأثير الجزيّئات المحمولة جوّاً ومسبّبات الحساسية المرتبطة بحرائق الغابات وموجات الجفاف والمواسم غير المنتظمة على الأمراض التنفسية وزيادة الوزن لدى الأطفال الرضّع.

بالمقابل، أوضح تقرير نشرته صحيفة الإندبندنت البريطانية العام الماضي  أن الحوامل من السكان الأكثر تهميشاً هنّ أكثر عرضة لمخاطر المناخ، وأن النساء بشكل عام أقل قدرة على التكيّف مع آثار هذه المخاطر بسبب القمع الهيكلي والممنهج، وأن عدم التصدّي على وجه السرعة للآثار الصحية الإنجابية والفترة المحيطة بالولادة وصحة الأطفال الناجمة عن تغيُّر المناخ سيُفاقِم من هذه الأزمة.

من هنا، بحسب التقرير، ثمة ضرورة لاتخاذ إجراءات حاسمة وفورية بشأن التكيّف. لمزيد من التفاصيل، وفي اتصال مع جريدة “الحرة”، لفت الباحث في إدارة المناخ والتنمية المستدامة، ورئيس جمعية “أكسجين للبيئة والصحةالمغربية، الدكتور أيوب كرير، إلى أن النساء يتضرّرن بشكل أكبر من الرجال نتيجة التغيُّرات المناخية. ذلك أن نسبة ساحقة منهنّ يمارسن الأعمال الزراعية في البلدان النامية، كما يقمن بالأعمال المنزلية، ما يعرّضهن لمخاطر التغيُّرات تلك، لا سيّما خلال التنقّل لتأمين المياه، حيث تزداد المسافات المقطوعة مع ازدياد حالات الجفاف. وأضاف كرير أن النتائج المترتّبة عن التغيُّرات المناخية تحول أيضاً دون حصول النساء على حق التعليم كما تُخفّض دخلهنّ، لا بل تعدمه أحياناً في تلك المناطق. “بحسب بعض الدراسات التي أعددتها على الصعيد الشخصي كما بعض الإحصاءات الرسمية الصادرة عن الأمم المتحدة، فإن 493 مليون فتاة حول العالم لم تلتحقن بالمدارس بسبب تبعات التغيُّرات المناخية. كما أن 70 إلى 80% من النساء العاملات في القرى لم تحصلن على حقوقهنّ بسبب العادات والتقاليد. ناهيك بمعاناة 8 من أصل 10 نساء في الدول النامية من ظروف هشّة بشكل كبير”.

وتشكّل الصحة الإنجابية المعضلة الأساسية لدى المرأة حيث تكون تبعات الظروف المناخية سبباً أساسياً وراء الكثير من حالات الإجهاض، إضافة إلى الفقر وتدنّي المستوى الاجتماعي والاقتصادي والعلمي. فمن بين كل 30 ألف امرأة حامل سنوياً تقضي 800 امرأة لأسباب تتعلّق بالحمل والولادة كان بالإمكان تفاديها. هذا ويرتفع معدّل وفيات النساء خلال فترة النفاس (أي بعد الولادة) في المناطق النامية حوالى 14 مرّة أكثر منه في المناطق المتطوّرة حيث لا تتوفّر أدنى شروط الرعاية الصحية لهنّ. ويقول كرير: “رغم أن المرأة تساهم في 30% من الإنتاج الزراعي وفي الحفاظ على الموارد الطبيعية، غير أنها الأكثر تضرّراً من تبعات التغيُّرات المناخية كونها عاجزة عن التحكّم في عوامل الإنتاج والمشاركة في اتخاذ القرار، لا سيّما في الدول النامية والفقيرة”.

لكن كيف يؤثّر التغيُّر المناخي على حالات الولادة المبكرة أو حتى الإجهاض؟ بحسب كرير، فإن المجالات الزراعية في حالة تراجُع ملحوظ بسبب الجفاف وقلّة الأمطار وارتفاع الحرارة. وانحسار هذه المساحات الفلاحية كما تراجُع منسوب المياه وشحّها في معظم الأحيان، جميعها عوامل تمسّ بالدرجة الأولى نساء الكوكب في المناطق الزراعية، أي في الدول النامية والفقيرة التي تعتمد على الفلاحة. “غالباً ما تكون المرأة هي المسؤولة عن توفير المياه والحطب ورعي الماشية وغيره، وبالتالي كلما ازدادت حدّة التغيُّرات المناخية كلما ازدادت المسافات التي عليها أن تقطعها ما يعرّض صحتها الإنجابية للخطر. فإمّا ألّا يكتمل حملها، أو تتوفى. ويمكن أن يتعرّض الجنين إلى تشوّهات وأمراض وحتى تبعات نفسية قد تلحق به”.

ليس هذا فحسب، إنما يؤثر تلوّث المياه كما الملوّثات الهوائية الناتجة عن حرائق الغابات على الصحة الإنجابية وبالتالي تنعكس على صحة الأجنّة والرضّع. فتلوّث الهواء يخفّض من جودة الحيوانات المنوية ويزيد من خطر العقم. أما جزيّئات الزئبق والرصاص وغيرها من المواد الكيميائية الخطرة التي تحملها المياه الملوّثة، فتسرّع في حالات الإجهاض كما تعرّض حياة الأم والجنين للخطر. ووفق ما جاءت على ذكره الأمم المتحدة، فإن المرأة تلعب دوراً حاسماً في تحقيق أهداف التنمية الأممية المستدامة للعام 2030، لذا فإن تدنّي المستويات الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية للمرأة يمكن أن يهدّد هذه الأهداف، من هنا ضرورة تحسين مكانتها. فما هي الخطوات الاستباقية للتخفيف من هذه المخاطر؟

يرى كرير أن تعزيز المشاركة المجتمعية للنساء يزيد من قدرتهنّ على التعلّم ومواكبة التطوّر التكنولوجي ما يساهم في تغيير نمط تفكير الأم فتصبح قادرة على فهم الأمور وإيجاد الحلول وبالتالي مواجهة تداعيات التغيُّرات المناخية. هذا إضافة إلى ضرورة إشراكها في الحياة السياسية ما يسمح لها بصنع القرار وتغيير القوانين وفرْض ثقافة التصدّي لهذه التغيُّرات تحسيناً لمفهوم الصحة الإنجابية. “لن يغيّر من واقع المرأة إلّا المرأة نفسها لكن لا بدّ من مساعدة الرجل لها ذلك أننا نعيش على كوكب واحد، وما يتأثر به الفرد إنما ينعكس على الجميع”.

في مناسبة يوم الأرض العالمي، نحن أمام فرصة للتذكير بأن التغيُّرات المناخية ظاهرة واقعية لن توفّر بتداعياتها حجراً ولا بشراً. ومن أجل حماية صحة الأولاد من المخاطر المطروحة راهناً ومستقبلاً، لا بدّ من تطوير سياسات خاصة تُعنى بالصحة الإنجابية لدى المرأة، صانعة أجيال المستقبل، وهم حُماة أرض الغد.

https://hura7.com/?p=23399

 

الأكثر قراءة