الأربعاء, أبريل 23, 2025
18 C
Berlin

الأكثر قراءة

Most Popular

إصدارات أسبوعية

نظام الإنذار المبكر بالمجاعة: انهيار درع الإنسانية في وجه التحديات العالمية

الحرة بيروت ـ خاص

في قلب الجهود الدولية المبذولة لمكافحة المجاعة، تأتي الولايات المتحدة الأميركية باعتبارها أحد أبرز الداعمين للمساعدات الإنسانية على مستوى العالم. ولكن، مؤخراً، واجهت هذه الجهود ضغوطاً كبيرة نتيجة للإجراءات التي اتخذتها إدارة الرئيس دونالد ترامب والتي شلّت بشكل كبير النظام العالمي المعقّد الذي كان مخصصاً لمراقبة المجاعة والاستجابة لها. هذا النظام الذي طالما عمل على تجنّب حدوث أزمات غذائية طارئة وإغاثة المتضررين، أصبح اليوم في أزمة عميقة، مهدداً بمسح الجهود الدولية التي تهدف إلى الوقوف في وجه الجوع في أكثر مناطق العالم فقراً.

بدأت هذه التداعيات عندما أمر ترامب، في يوم تنصيبه في 20 كانون الثاني/يناير 2025، بتجميد المساعدات الخارجية الأميركية لمدة 90 يوماً. هذا القرار كان بمثابة ضربة قوية لأحد أهم الأنظمة الإنسانية في العالم. ولعل أبرز ما تم تجميده في هذه الفترة هو الدعم الموجه للوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، التي تعتبر حجر الزاوية للمساعدات الغذائية الطارئة التي يتم إرسالها إلى الدول التي تواجه مجاعات.

ووفقاً للمسؤولة السابقة في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، مارسيا وونغ، فإن ما يقارب 500 ألف طن من المواد الغذائية التي تم تخصيصها كأغذية طارئة قد علقت في مستودعات أو في طريقها إلى التخزين. تبلغ قيمة هذه المساعدات حوالي 340 مليون دولار، ولكنها لا تستطيع الوصول إلى المحتاجين لها بسبب تعطل الإجراءات وتوقف الموافقات من وزارة الخارجية الأميركية. هذا التجميد في المساعدات لا يقتصر فقط على المواد الغذائية، بل يشمل أيضاً المساعدات النقدية التي كانت تُخصص لشراء الغذاء في أماكن مثل السودان وقطاع غزة.

ومع تأخر وصول هذه المساعدات، تعاني المنظمات الإنسانية من صعوبة في تأمين التمويل اللازم لتغطية تكاليف العمليات الإغاثية. وتفاقم الوضع بسبب أن معظم المسؤولين في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية تم وضعهم في إجازة قسرية، ما جعل الإجابة على استفسارات المنظمات الإنسانية بخصوص برامج الإغاثة المسموح لها بالاستمرار شبه مستحيلة.

أما من ناحية أخرى، فقد تم إغلاق شبكة أنظمة الإنذار المبكر بالمجاعة (FEWS NET)، وهي الهيئة المسؤولة عن إصدار تقارير دورية تحذر من حدوث أزمات غذائية في المستقبل. وهذه الشبكة كانت تعدّ من الأدوات الأساسية في متابعة الوضع الغذائي العالمي، حيث تساعد في تحديد الأماكن التي تحتاج إلى تدخل عاجل وتوجيه المساعدات بشكل فعال. ومع إغلاق هذه الشبكة، أصبحت المنظمات الإنسانية فاقدة لأداة حيوية كانت تمدها بالمعلومات الأساسية حول أماكن المجاعة وكيفية التعامل معها.

وقال مارك مور، الرئيس التنفيذي لشركة “مانا نيوتريشن” المتخصصة في صناعة المكملات الغذائية، أن هذا الإغلاق يشكل تهديداً حقيقياً لمئات الآلاف من الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد حول العالم، مشيراً إلى أن هذا القرار قد يتسبب في وفاة العديد من هؤلاء الأطفال بسبب نقص المساعدات الغذائية الطارئة.

بالإضافة إلى ذلك، توقفت إمدادات المكملات الغذائية المخصصة للأطفال المصابين بسوء التغذية الحاد في أنحاء مختلفة من العالم، وهو ما يعزز من المخاوف من تفاقم الأوضاع الإنسانية في مناطق النزاع.

لقد كانت الولايات المتحدة على مدار السنوات الخمس الماضية أكبر مانح منفرد للمساعدات الإنسانية حول العالم، حيث قدمت حوالي 64.6 مليار دولار من المساعدات الإنسانية، وهو ما يمثل نحو 38% من إجمالي المساهمات الدولية في العام 2023. ومع هذا التوقف المفاجئ للمساعدات، فإن الأزمة الغذائية العالمية قد تصبح أكثر تعقيداً، خاصة مع تزايد الصراعات والنزاعات السياسية في العديد من البلدان.

إن تدهور الوضع في السودان وأماكن أخرى في العالم، وخاصة تلك التي تعاني من المجاعات المستمرة، يهدد بتأخير الاستجابة الإنسانية الحيوية التي كان من الممكن أن تمنع موت الملايين من الناس بسبب الجوع. فعلى سبيل المثال، في السودان، حيث يعاني السكان من سوء التغذية الحاد، هناك حوالى 30 ألف طن من المساعدات الغذائية التي تنتظر الموافقات للتوزيع، ما يعرضها للتلف في بعض الأحيان.

ولا يقتصر الأمر على ذلك فقط، إذ ظهرت تحذيرات من أن الإغلاق الكامل لشبكة أنظمة الإنذار المبكر بالمجاعة سيؤدي إلى فقدان القدرة على التنبؤ بالمجاعات المستقبلية. وبالنسبة للباحثين والمتخصصين في مكافحة المجاعة، فإن الشبكة كانت تعدّ أحد الأدوات الأكثر فعالية في مراقبة انعدام الأمن الغذائي، حيث تمكنت من إصدار أكثر من ألف تقرير سنوي يعكس الوضع الغذائي في أكثر من 34 دولة. من دونها، سيصبح من الصعب تحديد المناطق الأكثر حاجة للمساعدة العاجلة.

وفي هذا السياق، أشار أندرو ناتسيوس، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة تكساس، إلى أن إنهاء عمل شبكة أنظمة الإنذار المبكر بالمجاعة يعدّ بمثابة إزالة عجلة القيادة من السيارة. فحتى إذا كانت السيارة تعمل بشكل جيد، فإن فقدان العجلة يعني فقدان الاتجاه والمقدرة على التحرك نحو الأهداف المرجوة.

لقد بات من الواضح أن القرار الأميركي الأخير بوقف هذه الأنظمة يهدد الجهود الدولية لمكافحة المجاعة، ويترك فجوة كبيرة في الإبلاغ عن الأزمات الإنسانية التي تتطلب تدخلاً عاجلاً. وفي الوقت نفسه، تتزايد المخاوف من أن تؤدي هذه الأزمة إلى عودة المجاعات بشكل أسرع مما كان متوقعاً في السنوات الماضية.

إن هذه التطورات تؤكد الحاجة الملحة إلى إعادة التفكير في استراتيجيات الاستجابة للأزمات الإنسانية وتوفير المساعدات الغذائية بشكل أكثر استدامة ومرونة، بحيث لا تكون عرضة للتقلبات السياسية والقرارات الإدارية المؤقتة.

https://hura7.com/?p=44124

الأكثر قراءة