محمد علي مقلد
جريدة الحرة ـ بيروت
حزب الله ليس المرتكب الوحيد وإن ألصقت به هذه الأيام تهمة انتهاك السيادة الوطنية بسبب إصراره على عدم تخليه عن سلاحه. الترويكا، استيلاء الميليشيات على القضاء، تعيين الرؤساء، الزبائنية بدل الكفاءة، تحويل البرلمان من سلطة إلى جهاز إداري، إلى آخر مبتكرات نظام الوصاية و ما تركه لنا كوديعة سياسية عند مغادرته.
مسؤول في منظمة الصاعقة، رافقته عام 1977 في سيارته، لأسترد رفاقاً خطفتهم ميليشيات يمون عليها، قال لي: متوهمون أنتم في الحركة الوطنية إن اعتقدتم أن الجيش السوري سيغادر قبل أن يتحول النظام اللبناني إلى نسخة طبق الأصل عن النظام السوري. فعلها قبل أن يغادر مرغماً بعد ثلاثين عاماً.
من فنونه في هذا المجال أنه ألغى عملياً وزارة الخارجية اللبنانية التي كان آخر أبطالها الصامدين، فؤاد بطرس في عهد الياس سركيس وإيلي سالم في عهد أمين الجميل. حين قصد سيمون كرم، سفير لبنان في واشنطن، وزارة الخارجية الأميركية ليناقش ترتيبات الانسحاب الذي اقترحته إسرائيل من “جزين أولاً”، وهو إبن جزين، تبلّغ تهديداً بالقتل إن عاود البحث في الموضوع.
نعم، نظام الوصاية هو الذي كان يدير وزارة الخارجية اللبنانية، وقد أرسى في إدارتها تقاليد استمرت حية في البداية حين أوكل إلى الأمن العام اللبناني التفاوض مع منظمات إرهابية أو مع دول، ثم إلى ميليشيات التفاوض على ترسيم الحدود البحرية، مروراً باختيار وزراء خارجية مطواعين بعد اغتيال الحريري، وصولاً إلى تنظيم زيارة توم برّاك، آخر مبعوث أميركي إلى لبنان.
لست خبيراً دستورياً، لكنني أقدّر بالحدس، أن المفاوضات شأن تتولاه السلطة التنفيذية وحدها، ممثلة بالحكومة ورئاسة الجمهورية. استناداً إلى هذا الحدس، وأنتظر أن يصححه لي علماء القانون والدستور، أعتقد أن برنامج زيارات الضيوف السياسيين ينبغي أن يتقرر في وزارة الخارجية، بالتنسيق مع رئاسة الجمهورية إذا كان الضيف رئيس دولة، ومع رئيس الحكومة إذا كان ممثل دولة. أما التقليد الذي يقضي بأن يقوم الضيف بزيارة “الرؤساء الثلاثة” فهو انتهاك فاضح لمبدأ الفصل بين السلطات.
الانتهاك الآخر يتمثل بمفاوضات توم برّاك، بصفته ممثلاً الدولة الأميركية، مع نبيه بري إما كممثل للطائفة وهذا مخالف للدستور، لأن الطوائف، بحسب الدستور، لا تتمثل في السلطة السياسية، ولأن نبيه بري نائب عن الأمة، بحسب الدستور دائماً، لا عن الطائفة، ولأن برّاك لا يجوز له أن يتفاوض مع حزب الله ولا مع من ينوب عنه، بعد تصنيفه من قبل الإدارة الأميركية التي يفاوض باسمها، في خانة الأحزاب الإرهابية.
من التقاليد الانتهاكية أن يجول الزائر، وآخرهم المبعوث الأميركي توم برّاك، على أعيان البلاد كأنه في زيارة سياحية. البطريرك والمفتي وشيخ العقل، ولولا الحياء مقر المجلس الإسلامي الشيعي، ثم يعرج على وليد جنبلاط وسمير جعجع ويدعى على وليمة عند فؤاد مخزومي.
بعد نهاية برنامج لقاءاته “الدستورية” وتصريحاته الرسمية، يصبح الزائر حراً، بموجب حقوق الإنسان والقانون اللبناني، بأن يستكمل برنامجه بصفته سائحاً، وبأن يتوقف عن التصريح بأي كلمة عن المهمة التي جاء من أجلها خلال جولته السياحية.
إذا كان صحيحاً هذا التفسير الحدسي للدستور، فعلى الدولة مراجعة كل الاتفاقات، خصوصاً المتعلقة بالنفط والغاز وبترسيم الحدود البحرية، لأنها تشكو من عيوب عنوانها انتهاك الدستور، إذ ليس الزائر وحده من ينتهك وليس بالاحتلال وحده تنتهك السيادة.


